ثقافة وفن

الحميد لـ«عكاظ»: أنا مع النص القصير الماتع

قال إن القارئ لا بد أن یكون مجادلاً ومحاوراً لا «ببغاء»

جارالله الحميد

حاوره: علي الرباعي Al_ARobai@

لو لم يكن جارالله الحميد قاصاً لتمنى كل من عرفه أن يكون كذلك، فهو عرّاب سردي مكتنز بالأدوات الفنية واللغة البيضاء والأفكار المشبعة بالانتماء للأرض والحنين الدائم للجغرافيا، وفي هذا الحوار مع «عكاظ» قال الحميد، إن كتابته للمقال لم تؤثر على نتاجه القصصي، مبيناً أن كثيراً من مقالاته منع من قبل رؤساء التحریر الذين اتهمهم الحميد بأنهم یفكرون بطریقة مختلفة تفتقد إلى البراءة. ومع حصده للكثير من الإشادات أوضح الحميد أنه لا يزال یعتبر نفسه راغباً في الاستفادة من كل تكنیك وكل توظیف یستاهل نسبته إلى اللغة العربیة، ونفى الحميد أن يكون مناهضا للنص القصصي القصير جداً، وقال إنه يعتبر نفسه من آباء النص القصصي القصیر جداً بدلیل صدور مجموعة كاملة له بعنوان (رائحة المدن)، مبيناً أنه مع النص القصير الماتع. وأشاد الحميد بالقارئ المجادل المحاور، وحذر من «القارئ الببغاء»،على حد وصفه. وإلى نص الحوار:

• أین یقف جارالله الحمید من مقولة (ماركیز) نعیشها لنرویها؟

•• أحس أن الجملة منقوصة، وأظنه قال - إننا نحیا طول هذه السنین لیصبح لدینا (حكایات) و(لنرویها!)، وهاتان إشارتان عمیقتان بأنه على مر دقائق الیوم یؤلف روایات لنفسه یتسلى بها، وسیجيء یوم یقرأها الآخرون مغتبطین. ماركیز بهذه العبارة یعلن عدم خجله! من كونه - مؤلف روایات - باعتبار أن هذا هو عمله الرئیسي.

• هل تسبب صدور أعمالك الكاملة في زهدك عن مواصلة النشر لأعمالك القصصیة؟

•• كلا، لم یحدث ذلك! مع أنني أعترف أنني بعد وصول نسخها للنادي الأدبي الثقافي بحائل شعرت بقشعریرة مزدحمة وأحسست وأنا أغادر وثمة زملاء لم یغادروا أنهم كانوا ینظرون إليّ ویتهامسون: «خلاص.. عدّا طبلونه! وزین اللي أنتج 4 مجامیع قصصیة». وفي البیت دهمتني شیخوخة ممتلئة بالضحك على الذات والآخرین، واتخذت بعدها بشهور غرفة المجلس لي منعزلاً ومعتكفاً إلى حین صار الآخرون یجیئون إليّ.

• هل أثرت كتابة المقالة على كتابة فنّك الأول القصة؟

•• أنا أكتب المقالة دونما أدنى إحساس بأنني قاص. الكتابة مهنتي ولا أقصد مصدر رزقي ولكنها (عملي الأساسي). ولذا فإن كثیراً جداً من مقالاتي (مُنِع) من قبل رؤساء التحریر الذین یفكرون بطریقة مختلفة تفتقد البراءة، وتمیل نحو التأویل الذي یلوي أعناق الكتابات!، لذلك عندما یجيء موعد نشر مقالي الأسبوعي ولا أجده أشعر بمنتهى (الذّل) والإحباط وربما أتخذ قراراً بالتوقف عن الكتابة، ولكنني من هذه الزاویة أرى أن هنالك كتاباً ممتازین محلیاً ولكنهم (یضطرون) للغیاب بسبب أنهم حتى لو كانوا واثقین من توجهات وزارة الإعلام إلا أنهم یعرفون أنهم سیقابلون قراء ما تحت السطور - وهؤلاء فئة تعتبر أشـد رداءة وسوءا ومعبئین بالحسد على الكتاب الناجحین - وأولئك لا سلطة شرعیة ولا قانونیة یمتلكونها ولكنهم نمامون یحكون في مجالسهم المتكررة حد التفاهة كل ما یتخیلون أنه سیحدث بناء على خبراتهم الضریرة بعقوبات الكتاب الجریئین. ویروون قصصاً من افتعالهم حول (ترى العین علیك یا فلان!. ورى ما تجوز عن هالكتابة اللي صارت مشكلة علیك وعلینا؟!) ویمثلون أمام رئیس التحریر الذي یضطر -أحیاناً- بسبب رغبته في وساطة تخلص جریدته من ضیاع مالي ومن تكوین هیكلي للمحررین یشبه مسرح اللامعقول.

• بماذا تعلق على من یقول: «جارالله الحمید أعمق من وظف اللغة في الفن»؟

•• أقول تمهل هداك الله، فجارالله كاتب لا يزال یعتبر نفسه راغباً في الاستفادة من كل تكنیك وكل توظیف یستاهل نسبته إلى اللغة العربیة، وهي أجمل لغةٍ نهائیاً وكل تحرك في سیناریوهات القصاصین الذین ما زلت أقرأ لهم الیوم نفس ما كتبوا قبل سنین مع تغیّر طفیف في مستوى اللغة. أنا یقهرني أنهم على طول ما هم مكبّون على وسائل الإعلام من العمود الصحفي إلى فضاء الإنترنت اللامحدود والذي سیستمر لا محدوداً، فالعلم الذي یقدم التكنولوجیا لشعوب العالم لیس مثل ما تصوره أفلام الإمبریالیین عن علماء استخباراتيین ینجحون في محو (ذاكرة) الإنسان. عدو الفنان الرئیسي هم صناع أفلام ما أسمیه بالسینما في خدمة الإرهاب والبطش. تظل ذاكرة الإنسان هي مكان أسراره ومخبأ رؤاه وفضاء أحلامه الكبرى! وأنا أشكر حسن ظن قرائي بي وهو یدل على عمق علاقتي بالقارئ واهتمامي بأن یكون مجادلا ومحاورا لا - ببغاء - أو نسخة كربونیة من بعضهم البعض وهم حینما تتفرس في الوجه الثقافي المحلي صاروا مجموعة من الشباب الذین لم یصدقوا أنهم حصلوا على جزرة وعصا من لدن وظائفهم الحكومیة ولكنني أقول لهم لم یعد الكاتب أسیراً لمخاوف میتافیزیقیة! هو كائن یتعایش مع إنسانیته بحب وسلام ورغبة في وقف (القتل) الذي هو الماركة المسجلة لتطورات القرن 21 الذي تقوده الإمبریالیة الكبرى وأذنابها ضد كل البشر بسبب أن الإنسان لا یشبه النعجة ولا الحمامة، بل هو كائن في مخه ملیارات من اللفائف التي تسجل علیها ذكرياته وخبراته ومبادئه وطموحاته ومرضه وعجزه وقلة حیلته وحیناً صوته حین یجيء هادراً متحدیاً كاتمات الصوت باعتبار أن المثقف عموماً، والكاتب خصوصاً هو ضمیر أهله. ووجدان وطنه وحارس مشروعه! (التقدمي المبلط من العظام والجراح) وعلى قول عبدالرحمن منیف (ذكرى خیبات كثیرة مضت! وخیبات أكثر ستأتي).

• كیف یمكن للقصة القصیرة أن تستوعب الوجع الطویل؟

•• هي مثل مقطع موسیقي قصیر لكنه مؤثر ویهز العروق بدمها الطهور. مثل أن تصمت أمام السیدة (نجاة الصغیرة)، وهي تسلطن - في أغنیة نزار (وكم تمنیت لو للرقص.. تطلبني وحیّرتني ذراعي أین ألقیها!!!).

• متى سنقرأ الروایة الأولى لجارالله الحمید؟

•• إن الروایة بحاجة إلى مجتمع مفتوح و ! QUESTION THE IS THAT سیظل همّ كتابة الروایة همّاً یزدحم بي. كما أنني (لا أمیل) إلى تصنیف كل ما قرأت من روایات محلیة في خانة الروایة عدا (بنات الریاض) لرجاء الصانع التي یدور حولها (جدل) كبیر جداً.

• لك موقف من القصة القصیرة.. ما سبب حدیّة الموقف المناهض؟

•• ما موقفي المناهض؟ أنرني أنار الله طریقك دنیا وآخرة، أنا أعتبر نفسي من آباء النص القصصي القصیر جداً بدلیل صدور مجموعة كاملة لي (رائحة المدن) كلها عبارة عن نصوص قصیرة بعضها لا یزید عن 5 سطور وأطولها في صفحتین وهي القصة القصیرة (منّة) لأنها تداعیات أهم ما فیها عبارة ستظل في خاطري طویلاً (قاتلهم الله لقد حرموني رغبتي الأخیرة!). أنا مع النص القصیر غیر المزدحم باللغة وتهویماتها وتداخلات اللغة غیر المرئیة. النص القصیر = حدث + متعة في سرده + مكان. دون هذه الشروط یصیر أي نص قصیر قصة قصیرة جداً!، وهذا مستحیل.