كتاب ومقالات

وينتصر القرآن لخولة وعلمها !

نجيب يماني

تفجرت العلوم والمعارف وتطورت محركات البحث العلمي خلال الزمن، فأصبح كثيراً مما كان يجوز وصفه وتكييفه على أي تصور يتماشى مع النصوص الشرعية الواردة أصبح من الضروري اليوم إعادة النظر فيه والتفكر والتدبر إزاء ما هو واقع وملموس ومحسوس أو ما هو في معنى العلم الضروري الذي لا يُحسن تصور معاني هذه النصوص الشرعية على خلافه، مثال ذلك قوله تعالى (فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر). فسره الأقدمون أنه مجرد الجمع بين الشمس والقمر، وأن هذا الجمع إنما هو من أحداث يوم القيامة، ثم أتى العلم فأكد أن القمر لم يزل في ابتعاد مستمر عن الأرض منذ نشأته مما يؤدي إلى اضمحلال التجاذب بينها حتى يصل إلى الوهن الذي تغلب عليه قوى الشمس فينصرف إليها وتبتلعه، فضل القرآن العلم وامتدحه كما مجد الله العقل وكرمه. وتكررت في القرآن الكريم أكثر من (65) موفقاً تحث على الخلق والتفكر والتدبر والنظر واستخدام العقل في معرفة الوجود وظواهره. والإمام الرازي وابن تيمية قالوا إذا تعارض العقل والنقل فيجب تقديم العقل، لهذا كان حديث العالمة السعودية البروفيسورة خولة الكريع، والتي تحمل الدكتوراه في سرطانات الجينات والفائزة بجائزة هارفارد للتميز العلمي والحاصلة على وسام الملك عبدالعزيز لبحوثها المميزة في علم الأورام، وتتبنى برنامجا بحثيا للتعرف على البصمة الوراثية لدى مرضى السرطان السعوديين، أثبتت أن ماء زمزم غير صحي لعلاج السرطان عن طريق أبحاث علمية دقيقة وأنه يتعارض مع الكثير من أدوية السرطان، وقد انخدع الناس في زمن مضى بالكثير من الخزعبلات التي كان يروج لها تجار الصحوة ببيع قوارير زمزم متلوا عليها آيات من القرآن أو زيت زيتون تفل عليه أحد شيوخهم لشفاء السرطان وبقية الأمراض، رغم تحذير الدين الإسلامي من هذه الخزعبلات ودحضها بحشد من الآيات والأحاديث وضرورة الأخذ بالأسباب المشروعة للتداوي من المرض، وأن على المسلم بعد الأخذ بالأسباب أن يتوجه إلى ربه في مرضه داعياً مخلصاً دون واسطة من شيوخ الرقية ولا ماء زمزم أو قارورة زيت، ولنا في تضرع سيدنا يونس وهو في بطن الحوت حتى استجاب له ربه ونجاه من الغم والمرض وجعلها وسيلة الإنسان حتى تقوم الساعة بقوله تعالى وكذلك ننجي المؤمنين، في دلالة على الاستمرارية. الدكتورة الكريع تملك الحجة العلمية والدليل والبرهان أن ماء زمزم لا يملك خاصية الشفاء من الأورام، إذاً لا بد من الأخذ بأسباب الشفاء بل ما قالته هو عين الصواب اعتماداً على أن نبي الأمة لم يفعله في حياته وهو سُحر «كما تقول الروايات» ومرض ولم يلجأ للتداوي بماء زمزم، بل كانت السيدة عائشة تحفظ الكثير من الأدوية والأعشاب التي كانت متوفرة في زمانهم تجمعها للرسول عليه الصلاة والسلام ليتداوى بها، حتى أن الزبير كان يعجب من مهارة خالته أم المؤمنين في جمع هذه الأدوية وحفظها ومعالجة الرسول بها، ولم يثبت أنه تداوى بماء زمزم في حياته، وهذا ابن العباس حبر الأمة وعالمها أصابه مرض في عينه وهو في مكة المكرمة وبجواره بئر زمزم لم يذهب إلى زمزم ليداوي عينه معتقداً أنه شفاء لمرضه، بل أخذ بأسباب التداوي بالكحل والأثمد، كما أن هناك الكثير من الصحابة والتابعين عاشوا في مكة ومرضوا ولم يتداووا بماء زمزم ولم يطلبوا منه الشفاء والعافية، وفي قصة حصر الرسول وصحابته في الشعب سنوات من قبل قريش فجاعوا ومرضوا مع وجود ماء زمزم أمامهم. فالعلم لا يعارض الدين بل هو مكمل له وديننا الإسلامي دين عقل، ولو تداوى نبي الأمة وصحابته بماء زمزم لحفظته كتب التاريخ والسيرة. وقفت العالمة الكريع على أرض صلبة وهي تدلي برأيها في ماء زمزم، مستمدة ما قالته من علمها وأبحاثها الموثوقة ومن حياة رسول الله وصحابته ومن صلب العقيدة الإسلامية التي طالبت بالأخذ بالأسباب والبحث عن العلاج والتداوي. كما أكد العلم الحديث أن الإبل سبب رئيسي لمرض كورونا القاتل وأن لها دورا في نقل العدوى فكيف يتداوى ببولها!، كما رد الألباني حديث (لحم البقر داء) فقد أباحه الله وامتن به على عباده في القرآن وثبت علمياً أنه الأفضل. فلا بد من الأخذ بالأسباب فذا النون ابتلاه الله وعندما أراد له العافية أنبت له شجرة من يقطين لتداويه وكان هو القادر على شفائه دونها، وقال لمريم وهي في مخاضها وشدة ضعفها هزي إليك بجذع النخلة وكان هو القادر على إطعامها رطبا جنيا ولكن علمها وعلمنا الأخذ بالأسباب، أما الحديث في فضل شرب زمزم اختلف في إرساله ووصله والحديث المرسل لا يحكم به في الأحكام الفقهية ناهيك عن العقائدية، وذكر ابن حجر أنه في رجال هذا الحديث سويد بن سعيد وقد اختلط عقله وطعن فيه أهل الحديث، فهذا الحديث مرسل لا يحتج به عند الفقهاء. كما أنه وبفعل رسول الله وعدم لجوئه وصحابته إلى زمزم طلباً للشفاء فلا يحتج بهذا الحديث أيضاً فالإسلام دين العقل والعلم يقول الحق «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُك» تأكيداً لدور العلم ومكانته.

* كاتب سعودي