انتقاء الآخر

لتقيم علاقة اجتماعية مع الآخر أو تعقد صداقة معه، تواجهك بعض الخبايا التي لاتعلم بأمرها، الا حينما تعلن عزمك التعرف بالآخر وتفصح عن نيتك لعقد صداقة معه، حينها فقط تفاجئك الخبايا بسيل عارم من تنظيرات الاخرين ووجهات نظرهم في ذلك الآخر الذي شددت اليه رحالك وتزودت بعزمك لمصادقته، فلا تعود تتمثل امام عينيك سوى كلمات خطها الاخرون في حق ذلك الاخر، وايا كانت تلك الكلمات، كلمات مزجت برائحة المسك، أم كلمات طوقتها اسوار شائكة، فهي كلمات شحذت همتها مواقف عابرة للآخر ولحظات غضب رصدت له، فاصطفت سطورا تقريرية تصدر احكامها عليه، ان من الاجحاف الاستناد في معرفة الآخر عن اراء المنظرين واحكامها، فنسقط تاج الحكمة والاناة في اكتشافه، فان بدت صورته واضحة الملامح فقد فزت بوافد جديد يضاف لرصيد اصدقائك ومعارفك، وان بهتت ملامح تلك الصورة لا تبالى فلا شيء جديد يضاف لرصيدك الاجتماعي ومن الجهل ان تشيد جسور علاقاتنا الاجتماعية من خلال اراء الاخرين،فنهدر حق الاخر في نسج العلاقات الاجتماعية، لصورة مثقوبة عنه، سقطت بدرجات قياس حددها الاخرون، فان جاءت الصورة لترفع من قدره لديك ولدى الاخرين، لابأس في ذلك، ولكن ماذا ان شوهت صورته لديك ولدى الاخرين؟؟
وفي كلتا الحالتين نخطئ ان اتكأنا على تنظيرات اناس يسندون امر اقامة العلاقات الاجتماعية الى مواقفهم مع الاخرين وزلات الاخرين معهم، فان رأوا ان فلانا من الناس غير مؤهل لتكوين علاقة اجتماعية، لعدم اجادته فنون التعامل، سلمنا بذلك واقتسمنا اصدار الحكم، وان رأوا ان فلانا من الناس حائز على مراتب عليا، لحنكته في اقامة العلاقات الاجتماعية، ابهرنا بذلك واعتقدنا بجاذبيته العجيبة ومقدرته الفائقة في شد حبال العلاقات.
فهل نرى ان من الانصاف اتباع تلك الطريقة لمد جسور علاقتنا بالآخر وتوطيدها؟؟ وان من الحكمة التسليم بصدق الاحكام الصادرة عنه؟؟ ونحن نعلم تمام العلم ان كل فرد منا معرض لان تواجهه ظروف قد تضطره احيانا للتصرف بصورة غير لائقة، ولكنها لاتمثل هويته الحقيقية فقمة الخطأ ان نترك رياح الاخرين تعصف بنا، وتحدد لنا اتجاه علاقتنا بالآخر وفق ارائهم الشخصية ومواقفهم مع الاخر، فلعل من الجائز خلقا ان ننتقي بأنفسنا معارفنا واصدقائنا فلا نوكل امر ذلك للاخرين لكي لاتقف احكامهم حائلا لبناء جسر العلاقات الاجتماعية وتعيق تنظيراتهم ووجهات نظرهم تحقيق مآربهم.

تركي علي السلمي - جدة