مشاركون: القصيبي مبدع مركّب
الجمعة / 08 / رجب / 1440 هـ الجمعة 15 مارس 2019 02:31
علي الرباعي (الرياض) okaz_online@
عدّ مشاركون في ندوة «أضواء على حياة الراحل غازي القصيبي» تجربته فريدة من نوعها ما يمكن معها وصفه بالمبدع المركب بحكم نجاحاته أكاديمياً وإبداعياً وسفيراً ووزيراً وإنساناً، ويرى الكاتب حمد القاضي في ورقته التي قدمها بمعرض الرياض، القصيبي مبدعاً وناجحاً وعبقرياً كونه نمطاً آخر بمواهبه وقدراته وتنظيمه لوقته، وروى من مواقفه الإنسانية قصة زيارته لمستشفى الأطفال بالمدينة المنورة وعندما شاهد بعض الأطفال منومين «بممرات» المستشفى لنقص الغرف بكى ولَم يغادر المدينة حتى حل هذه المشكلة، وقصته مع المرأة المطلقة التي حرمها زوجها من رؤية أطفالها ورفضه النفقة فلما بلغه الخبر ذهب إلى الزوج في بيته بأحد أحياء الرياض الشعبية وفوجئ الرجل بالقصيبي ببابه واستجاب لإقناعه وذهب بأطفاله إلى مطلقته في تلك الليلة التي لم ترهم منذ أكثر من 6 أشهر وكان الموقف مؤثراً.
واستعاد مواقف البذل التي رواها رئيس المركز الإسلامي بلندن الدكتور حمد الماجد إذ عندما فاز القصيبي بجائزة تبرع بقيمتها للمركز وطلب من الماجد ألاّ يعلم بذلك أحدا، وتبرع لإمام جامع المزروعية بالأحساء، الذي كتب له عن ترميم الجامع فأرسل له 30 ألف ريال وطلب من الإمام أن يكون الأمر بينهما.
وذهب القاضي إلى أن أعز قصائده «يا أعز النساء همي ثقيل، هل بعينيك مرتع ومقيل» التي مزج فيها بين الجانب العاطفي والهم القومي، وقال عنها في لقاء إنها أغلى قصائده.
وعن طرافته وسرعة بديهته روى أن غازي زار مجلس الشورى والتقى بالأعضاء وتحدث عن نقص المياه وضرورة الترشيد وعندما حانت مداخلة القاضي قال: أحد زملائك الشعراء القدامى حل مشكلة المياه عندما قال «ولو تفلت بالبحر والبحر مالحٌ، لأضحى أجاج البحر من ريقها حلوا» فرد القصيبي: «هذه وينها يا حمد هذه محطة تحلية كبرى توفر على الميزانية نبي نستوردها».
ولفت القاضي إلى شعوره بالمعاناة الشديدة خلال تقلده وزارة العمل، وكشف عن تلقيه رسالة خاصة منه بخط يده حكى فيها معاناته من وزارة العمل قال فيها: «يا حمد إن كل يوم يمضي لي بهذه الوزارة يستنزف من عمري».
وأكد القاضي أنه رغم ما في بعض قصائده من شجن إلا أنه ينظر للحياة من منطلق جميل، مشيراً إلى أنه أوفر حظاً وحضوراً وشعراً بعد غيابه.
فيما ذهب الكاتب محمد رضا نصرالله إلى أن حياة غازي القصيبي وتجربته امتازت بالمبادرة بين الإبداع الأدبي وبين البيروقراطية وأطلق على المبادرات «الإبداع المركب» وتساءل: «هل بسبب كونه شاعراً، اصطبغت محاضراته في التدريس الجامعي أستاذاً في العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود، بحيوية الدرس وانبهار الطلاب، كما اتسمت تجربته الإدارية وزيراً للصناعة والكهرباء، عبر إنشائه شركة سابك، ومأسسة شركة الكهرباء، وكهربة الريف، فوزيراً للصحة ثائراً على تخلف الخدمات وفساد الذمم، ثم وزيراً للمياه وأخيراً وزيراً للعمل مصراً على السعودة، ومحارباً بطالة العمالة الوطنية، وتجارة الفيز.. بشجاعة غير مسبوقة في الانتصار لحق المواطن، وهل بسبب كونه شاعراً صافي المشاعر، نبيل المعاني، عميق التدين، وطني المنبت، قومي الانتماء، إنساني الرؤية اصطبغت تجربته بالبعد المضاف؟ فلم يكن أسير تنظيراته الأكاديمية المجردة في قضايا التنمية، وقضايا الحراك الاجتماعي والثقافي، وإنما كسر بمواهبه العديدة وجرأته الأدبية، وقبل ذلك بوطنيته الفذة، جمود النمطية وبلادة البيروقراطية، فإذا بغازي القصيبي الشاعر الرومانسي القومي، يبدو وزيراً ناجحاً، ومفكراً تفاعلياً، وروائياً طليعيا».
ولفت نصرالله إلى أن روايتيه «شقة الحرية» و«العصفورية» شكلتا منعطفاً مفصلياً في تاريخ الأدب الروائي السعودي، ما شجع قوافل كتاب القصة وكاتباتها نحو الانطلاق، بعد ملامسته المسكوت عنه في نفسية جيله المنفتح في عقد الستينات، على التجارب السياسية والأفكار الآيديولوجية، قبل أن يعود ورفاقه من القاهرة وبيروت والولايات المتحدة الأمريكية؛ لمواصلة مسار التنظيم في مؤسسات الدولة والمجتمع، والتحديث في حركة الثقافة والتعليم الجامعي في المملكة.
وتوقف عند تجربة غازي الروائية التي ابتدأها برواية «شقة الحرية»، وأخضع مجمل قضايا المجتمع المتغيرة في المملكة والخليج للنقد التحليلي، بأسلوب روائي، زاوج فيه كاتبها بين أشكال التعبير المختلفة، مزاوجته للتناقضات التي عاشها جيله في الخمسينات والستينات، باحثاً عن قيمة الحرية على مفترق طرق آيديولوجية متباينة، بل قل متصارعة، هي ما جعلت ذلك الجيل يعيش الحرية -تارة- في الانغماس الوجودي بلذائذ الشهوة الأبيقورية -وتارة- مقتحماً الثالوث المحرّم، بحثاً عن الحرية في مظاهرة قومية، أو موقف آيديولوجي، تأكيداً لتحرر ذات مثقلة بتركات الماضي.
وعدّ «شقة الحرية» بانفتاحها غير المسبوق على المسكوت عنه في حياتنا، نقطة انطلاق لمحاولات روائية أخرى، تجرأت على ملامسة تجارب المجتمع، وتفاعل الأجيال بما يجري حولنا.
ويرى نصرالله أن الدكتور تركي الحمد -وهو تلميذ للقصيبي بالمصطلح التعليمي والمعنى الأدبي- افتقر إلى المهارة الفنية في صياغة قصصه، إلا أنه وضع يده على جروح عدة، ما كان له أن يقوم بذلك، لو لم يجد أمامه معلماً ملهماً ونموذجاً طازجاً بالقضايا، ومفعماً بالتعبير الحر المؤثر.
وذهب إلى أن غازي كثف التجربة في رواية «العصفورية» بأداء نوعي فائق، مفجراً طاقته السردية، عبر «وحش النوع الأدبي» حسب وصف الناقد الأمريكي روبرت همفري، بسخرية مرّة عبرت عن اغتراب المثقف العربي، وأصيب بصدمة الاحتكاك مع الآخر، وبين الجنون والعقل. هذه المرة الثنائية تأتي من الداخل، يستخدم غازي عبر روايته حيلاً فنية بارعة في بناء شخصياته، مستفيداً من نظرية فرويد في التحليل النفسي، مازجاً بين معاناة أخيه الراحل المتفلسف نبيل، ومعاناة الأديبة اللبنانية مي زيادة، التي انتهت بها ظروف الحجر النفسي والاجتماعي والسياسي إلى مستشفى «العصفورية» في محاولة يائسة للعلاج من هذه الأمراض، المستحكمة بالنفسية العربية.
ولخص تجربته الواسعة، المتعددة والمثيرة، بأنها إبداع مركب واستثناء في الكم والنوع، بما حواه غازي من مواهب، إذ هو وزير مصلح ومفكر إصلاحي، وشاعر متمرد على النسق وتقاليد العائلة وروائي أشد تمرداً على الأوضاع والأشكال. وكل ذلك مما يشار به للقصيبي اليوم في العالم العربي وخارجه.
واستعاد مواقف البذل التي رواها رئيس المركز الإسلامي بلندن الدكتور حمد الماجد إذ عندما فاز القصيبي بجائزة تبرع بقيمتها للمركز وطلب من الماجد ألاّ يعلم بذلك أحدا، وتبرع لإمام جامع المزروعية بالأحساء، الذي كتب له عن ترميم الجامع فأرسل له 30 ألف ريال وطلب من الإمام أن يكون الأمر بينهما.
وذهب القاضي إلى أن أعز قصائده «يا أعز النساء همي ثقيل، هل بعينيك مرتع ومقيل» التي مزج فيها بين الجانب العاطفي والهم القومي، وقال عنها في لقاء إنها أغلى قصائده.
وعن طرافته وسرعة بديهته روى أن غازي زار مجلس الشورى والتقى بالأعضاء وتحدث عن نقص المياه وضرورة الترشيد وعندما حانت مداخلة القاضي قال: أحد زملائك الشعراء القدامى حل مشكلة المياه عندما قال «ولو تفلت بالبحر والبحر مالحٌ، لأضحى أجاج البحر من ريقها حلوا» فرد القصيبي: «هذه وينها يا حمد هذه محطة تحلية كبرى توفر على الميزانية نبي نستوردها».
ولفت القاضي إلى شعوره بالمعاناة الشديدة خلال تقلده وزارة العمل، وكشف عن تلقيه رسالة خاصة منه بخط يده حكى فيها معاناته من وزارة العمل قال فيها: «يا حمد إن كل يوم يمضي لي بهذه الوزارة يستنزف من عمري».
وأكد القاضي أنه رغم ما في بعض قصائده من شجن إلا أنه ينظر للحياة من منطلق جميل، مشيراً إلى أنه أوفر حظاً وحضوراً وشعراً بعد غيابه.
فيما ذهب الكاتب محمد رضا نصرالله إلى أن حياة غازي القصيبي وتجربته امتازت بالمبادرة بين الإبداع الأدبي وبين البيروقراطية وأطلق على المبادرات «الإبداع المركب» وتساءل: «هل بسبب كونه شاعراً، اصطبغت محاضراته في التدريس الجامعي أستاذاً في العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود، بحيوية الدرس وانبهار الطلاب، كما اتسمت تجربته الإدارية وزيراً للصناعة والكهرباء، عبر إنشائه شركة سابك، ومأسسة شركة الكهرباء، وكهربة الريف، فوزيراً للصحة ثائراً على تخلف الخدمات وفساد الذمم، ثم وزيراً للمياه وأخيراً وزيراً للعمل مصراً على السعودة، ومحارباً بطالة العمالة الوطنية، وتجارة الفيز.. بشجاعة غير مسبوقة في الانتصار لحق المواطن، وهل بسبب كونه شاعراً صافي المشاعر، نبيل المعاني، عميق التدين، وطني المنبت، قومي الانتماء، إنساني الرؤية اصطبغت تجربته بالبعد المضاف؟ فلم يكن أسير تنظيراته الأكاديمية المجردة في قضايا التنمية، وقضايا الحراك الاجتماعي والثقافي، وإنما كسر بمواهبه العديدة وجرأته الأدبية، وقبل ذلك بوطنيته الفذة، جمود النمطية وبلادة البيروقراطية، فإذا بغازي القصيبي الشاعر الرومانسي القومي، يبدو وزيراً ناجحاً، ومفكراً تفاعلياً، وروائياً طليعيا».
ولفت نصرالله إلى أن روايتيه «شقة الحرية» و«العصفورية» شكلتا منعطفاً مفصلياً في تاريخ الأدب الروائي السعودي، ما شجع قوافل كتاب القصة وكاتباتها نحو الانطلاق، بعد ملامسته المسكوت عنه في نفسية جيله المنفتح في عقد الستينات، على التجارب السياسية والأفكار الآيديولوجية، قبل أن يعود ورفاقه من القاهرة وبيروت والولايات المتحدة الأمريكية؛ لمواصلة مسار التنظيم في مؤسسات الدولة والمجتمع، والتحديث في حركة الثقافة والتعليم الجامعي في المملكة.
وتوقف عند تجربة غازي الروائية التي ابتدأها برواية «شقة الحرية»، وأخضع مجمل قضايا المجتمع المتغيرة في المملكة والخليج للنقد التحليلي، بأسلوب روائي، زاوج فيه كاتبها بين أشكال التعبير المختلفة، مزاوجته للتناقضات التي عاشها جيله في الخمسينات والستينات، باحثاً عن قيمة الحرية على مفترق طرق آيديولوجية متباينة، بل قل متصارعة، هي ما جعلت ذلك الجيل يعيش الحرية -تارة- في الانغماس الوجودي بلذائذ الشهوة الأبيقورية -وتارة- مقتحماً الثالوث المحرّم، بحثاً عن الحرية في مظاهرة قومية، أو موقف آيديولوجي، تأكيداً لتحرر ذات مثقلة بتركات الماضي.
وعدّ «شقة الحرية» بانفتاحها غير المسبوق على المسكوت عنه في حياتنا، نقطة انطلاق لمحاولات روائية أخرى، تجرأت على ملامسة تجارب المجتمع، وتفاعل الأجيال بما يجري حولنا.
ويرى نصرالله أن الدكتور تركي الحمد -وهو تلميذ للقصيبي بالمصطلح التعليمي والمعنى الأدبي- افتقر إلى المهارة الفنية في صياغة قصصه، إلا أنه وضع يده على جروح عدة، ما كان له أن يقوم بذلك، لو لم يجد أمامه معلماً ملهماً ونموذجاً طازجاً بالقضايا، ومفعماً بالتعبير الحر المؤثر.
وذهب إلى أن غازي كثف التجربة في رواية «العصفورية» بأداء نوعي فائق، مفجراً طاقته السردية، عبر «وحش النوع الأدبي» حسب وصف الناقد الأمريكي روبرت همفري، بسخرية مرّة عبرت عن اغتراب المثقف العربي، وأصيب بصدمة الاحتكاك مع الآخر، وبين الجنون والعقل. هذه المرة الثنائية تأتي من الداخل، يستخدم غازي عبر روايته حيلاً فنية بارعة في بناء شخصياته، مستفيداً من نظرية فرويد في التحليل النفسي، مازجاً بين معاناة أخيه الراحل المتفلسف نبيل، ومعاناة الأديبة اللبنانية مي زيادة، التي انتهت بها ظروف الحجر النفسي والاجتماعي والسياسي إلى مستشفى «العصفورية» في محاولة يائسة للعلاج من هذه الأمراض، المستحكمة بالنفسية العربية.
ولخص تجربته الواسعة، المتعددة والمثيرة، بأنها إبداع مركب واستثناء في الكم والنوع، بما حواه غازي من مواهب، إذ هو وزير مصلح ومفكر إصلاحي، وشاعر متمرد على النسق وتقاليد العائلة وروائي أشد تمرداً على الأوضاع والأشكال. وكل ذلك مما يشار به للقصيبي اليوم في العالم العربي وخارجه.