كتاب ومقالات

خذلوني

وفاء الرشيد

أشبعني الخذلان حتى الوجع... أشبعني الخذلان حد النأي عن كل شيء، فلم يعد يهمني ما كان يهم، ولم تعد الأيام تشرق كما كانت... فالخذلان درس من أكبر دروس الحياة ومن لم يتعلم منه.. غبي...

فقد تمر بنا لحظات تخرجنا من حال إلى حال وتعصف صافقةً بنا جدراناً بجدران، لنفيق بخيبة أمل من أحلام كنا قد علقنا عليها الآمال لنجد أنفسنا في طريق نظن اختياره وقد تقدّر.. إلى أن تحين ساعة الأجل.

لا أريد أن أنكأ أحزانكم بسطوري هذه في أول أيام الأسبوع، قرائي الأعزاء، فالإيجابية طبيعة متأصلة عندي، ولكن الروح واقعية، يبدلها حال من الأحوال، وللألم عندها طعم حقيقي. ووسط هذا الكم من زحام الحياة وزيف وجوهها، أجد أن ألم الخذلان لحظة مقيتة هادرة، يقف عندها كل شيء وتسقط الأقنعة المزركشة، لينزوي الواحد منا في مكعب هارباً من كل شيء حوله..

الخذلان يعني أن نكفن ثم ندفن أولئك العابرين الذين كنا نظنهم لا يتسربون.

وهذا الأسبوع كان ثقيلاً جاثماً.. بثقل الخذلان الذي عاد يطرق باب روحي، لأنزوي داخل مكعبي بعيداً عن الحياة مرة أخرى.. وعاد المشهد مراراً وتكرر وتكرر على خاطري وتأملت فيه أكثر وأكثر... كيف كان ذاك الخذلان؟

لكل من يراهن على صديق للعمر أقول له؛ سيخذلك أولئك الذين تظن أن الحياة ستكون بوجودهم أفضل... سيخذلونك بالرغم من كل عطاءاتك.. من كل صدقك... فليتهم يصطفون ضدك، ولا يصطفون خلفك ليتقاسموا ظهرك بخناجر غدرهم، فتترك لهم ظلك شامخاً وترحل...

لكل زوجة تنتظر زوجها حتى الفجر أقول لها... نامي يا عزيزتي.. نامي، فقمة الخذلان أن تنتظريه مع إشراقة كل صباح، وتترقّبيه مع طلة كل قمر، وتكتبيه بمداد العمر، كأنك سيدة العمر، فيخذلك، وتخذلين انتظاره، فتضيعين ويضيع عمرك، وتصبحين في غمضة عين هباءً منثوراً...فنامي عسى أن تكون الأحلام بدونه سكوناً أصدق...

أرجوكم لا ترفعوا سقف توقعاتكم بأحد حتى لا تخذلكم الحياة... «فما بين صدري والمقابر، علاقات بالاسم والمعنى ودفن الضحية، الفرق بأنّ المقبرة تدفن أمواتا، وأنا دفنت أشياء بالصدر حيّة»...

قد ندفن حبيباً حياً وصديقاً حياً وأخاً حياً... ونكمل مشوار الحياة، فالخذلان إحساس يعرفه من رقّ حسه ولم يقس قلبه في يوم من الأيام...

الخذلان مثل الموت... يسقط من أمامك وهو واقف، فتحفر له جباً يليق به ثم تنزله في قبره وهو حي، وتودعه قائلاً: جزاك الله عني ألف خير...

نكأت وحذرت لكني بالرغم من كل هذا سأدفن كل الخذلان وأبتسم..

اللهم فاشهد.

* كاتبة سعودية

WwaaffaaA@