كتاب ومقالات

حادثة نيوزيلندا تكذب التقنية الأمريكية.. والكونجرس يتحمل المسؤولية

عبد الرزاق بن عبد العزيز المرجان

هل الكونجرس الأمريكي يتحمل المسؤولية؟ وما علاقة الكونجرس الأمريكي بهذه الجريمة البشعة؟ وهل فشل الذكاء الاصطناعي لكشف المحتوى المتطرف؟ وماذا فعلت الأمم المتحدة بدعم المملكة؟

كان يوم 15 مارس 2019م يوماً كارثياً بارتكاب الإرهابي برينتون تارانت أبشع جريمة عنصرية إرهابية مخططة عرفها التاريخ في مسجدين وقتل مجموعة من المسلمين صغاراً وكباراً في السن. والأبشع في هذه الجريمة الإرهابية انتهاكها لجميع حقوق الإنسان من تعدٍّ على الأرواح والأماكن المقدسة إلى بث الرعب لجميع البشر باستخدام الإرهابي برينتون تارانت تطبيق الفيسبوك لنشر جريمته الإرهابية ليصنع من نفسه رمزاً للتطرف اليميني ويقتل 50 مسلماً في مسجدين مختلفين في نيوزيلندا عن طريق سلاح ناري مرخص. وهو ما يخلد هذه الجريمة كجريمة لا يمكن أن تنسى.

احتيال وتدليس شركات التواصل الاجتماعي:

هذه الجريمة أكدت بما لا يدع لشك مجالاً احتيال وتدليس شركات التواصل الاجتماعي وعمالقة التقنية على العالم في مبادراتها التي أطلقت عام 2017م، وزعمهم بقدرتهم كشف المحتوى المتطرف. بل ووصل الاستهتار بهذه الشركات وخاصة تويتر أنها تعلن أن باستطاعتها كشف المحتوى قبل التغريدة الأولى.

منفذ العملية الإرهابية في نيوزيلندا الإرهابي برينتون تارانت سرح ومرح في وسائل التواصل الاجتماعي في تويتر وفيسبوك قبل ارتكاب الجريمة بنشر المحتوى المتطرف عن سيادة العرق الأبيض ورسائل لليمين المتطرف ضد الأقليات المسلمة ونشر مقاطع حية من جريمته الإرهابية على المصلين في الفيسبوك. وقد ذكرت رويترز أن المتطرف أنشأ حساباً ونشر 63 تغريدة متطرفة تدعو للعنف ويتبعه 318 متابعاً. وذكر أنه سوف ينفذ هجوماً على الغزاة، وسوف يقوم بنشر الهجوم مباشرة على الفيسبوك. ونشر الحادثة لمدة 17 دقيقة دون كشفها من الذكاء الاصطناعي للفيسبوك كما زعمت الشركة. ولم يتم اكتشافه من عمالقة التقنية.

دحض مزاعم تقرير الشفافية لشركة تويتر للنصف الأول لعام 2017:

أعلنت توتير وزعمت أنها أغلقت 300 ألف حساب في النصف الأول من عام 2017م لكونها تروج للإرهاب. وزعمت أنها تمكنت من تعليق ثلاثة أرباع الحسابات قبل أن يتمكن مستخدموها من نشر تغريداتهم الأولى. وادعت أنها قامت بذلك بسبب الخوارزميات التي صممتها لرصد الحسابات الإرهابية عند إنشائها وقبل نشر التغريدة الأولى.

ولكنّ هناك حادثتين تؤكدان كذب وزيف خوارزميات تويتر في كشف المحتوى قبل التغريدة الأولى وكذلك كشف المحتوى المتطرف.

•حادثة قتل المصلين في نيوزلندا:

فشل تويتر في كشف حساب المتطرف وتغريداته الـ 63 المتطرفة. وفشل في كشف تغريدة إعلان المتطرف الهجوم على الغزاة وأنه سوف يقوم بنشر الهجوم مباشرة على الفيسبوك.

• حادثة انتشار التسجيل الصوتي لأبي بكر البغدادي بعنوان «وكفى بربك هادياً ونصيرا»:

خلال بث التسجيل الصوتي بعنوان «وكفى بربك هادياً ونصيرا» ذي الـ 46 دقيقة لزعيم داعش الذي بثته مؤسسة الفرقان مساء يوم الخميس الموافق 28 سبتمبر 2017م الساعة السابعة مساء، تم رصد فشل تويتر بإغلاق 30 حساباً جديداً ساهمت في نشر هذا التسجيل الصوتي. وأنشأت هذه الحسابات تزامناً مع ظهور التسجيل ولم يتم إغلاق هذه الحسابات قبل أو منذ التغريدة الأولى كما زعم تويتر.

كذبة عام 2017م منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب:

بعد أن قامت الدول الأوروبية بالضغط على شركات التواصل الاجتماعية، أطلقت شركات الفيسبوك وتويتر واليوتيوب ومايكرسوفت في منتصف عام 2017م مبادرة أثبتت أنها وهمية باسم منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب لمنع نشر دعاية الجماعات الإرهابية. وقد وصل عدد المواد المتواجدة في قواعد البيانات للمواد الإرهابية (hash) 40 ألف مادة كما ادعوا ليتم تبادلها بين الشركات حتى يتم منع الإرهابيين من تخزين ونشر دعايتهم عبر برامج التواصل الاجتماعي.

Hash هو عبارة عن بصمة رقمية تعريفية للفيديو والصور لتساعدهم بالتعرف على هذه المواد وحذفها.

ولكن هذه المبادرة لم تثبت جدواها في حذف ووقف المحتوى المتطرف وآخرها الحادثة الإرهابية في نيوزيلندا.

السؤال لماذا لم تكتشف خوارزميات تويتر تغريداته؟ هل يوجد وضوح وكلمات أكثر من تغريدات برينتون؟ ولماذ لم تكتشف تقنية الذكاء الاصطناعي هذا المحتوى الإرهابي الواضح؟

بعض الدول الغربية ساهمت في نشر التطرف والكراهية بمحاولتها تسييس الإرهاب والتطرف. كان تفكيرهم ربط الإرهاب بالإسلام ليجدوا لأنفسهم العذر بالدخول في مجتمعاتنا. وانشغلوا بتوزيع محاضرات في حقوق الإنسان وبالديمقراطية المزعومة ولم ينفذوا أيّاً منها وكانت النتيجة استشهاد 50 مسلماً في نيوزيلندا وانشغلوا بملف خاشقجي. ولم يعيروا اهتماماً باستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب. لماذا لا تصدر الأمم المتحدة التي أشغلت نفسها بمتابعة قضية خاشقجي وحقوق الإنسان مؤشرات سنوية لمعرفة مدى التزام الدول بهذه الاستراتيجية؟ وما مدى نسبة تطبيق الدول لهذه الاستراتيجية؟

أمريكا لا تطبق الاستراتيجية على شركاتها:

أمريكا لم تطبق هذه الاستراتيجية على شركات وسائل التواصل الاجتماعي. وساهم قانون آداب الاتصالات في أمريكاthe 1996 Communications Decency Act بانتشار المواد الإرهابية. بسبب توفيره حصانة شاملة لشركات وبرامج التواصل الاجتماعي من مسؤولية المحتوى المتواجدة في خوادم الشركات. هذا القانون الذي يعفي برامج التواصل الاجتماعي من المسؤولية القانونية من المحتوى المتطرف والإرهابي المتواجد في خوادمهم إدى إلى نتائج وخيمة تعدت آثاره 11 سبتمبر. وعليه تورطت الشركات الأمريكية كاليوتيوب في عمليات إرهابية في دول عدة من ضمنها في فبراير 2018م كشفت جلسة محاكمة مجموعة إرهابية من 10 متهمين مرتبطة بداعش، أن المتهم الأول نفذ عملية إرهابية لاستهدف دورية أمنية بقصد قتل رجال الأمن فيها أثناء قيامهم بواجبهم بحي ضاحية لبن بمدينة الرياض بإطلاق النار من سلاح رشاش طلقات عدة على رجلي أمن داخل الدورية باتجاه الرأس. وقام بتنفيذ هذه العملية بناءً على اعترافاته استجابة وتنفيذاً للاستنفار الذي سمعه في كلمة تحريضية على اليوتيوب في الذب عن تنظيم داعش باستهداف جنود الحكومات للمنجنيق السوري والملقب بأبي محمد العدناني وهو أحد زعماء تنظيم داعش الإرهابي.

وقد بينت اعترافات المتهم أن توافر المواد الإرهابية لمحاضرات أبي محمد العدناني في برنامج اليوتيوب ساهمت بشكل مباشر بتغير معتقداته عن طريق المتابعة المستمرة التي ساهمت بتأثر فكرهم حيث أصبح متعاطفاً ومحباً لداعش ومتابعاً لكل جديد يصدر عن التنظيم.

وذكر مارك جينسبير في موقع Huffpost أن في عام 2017م عثر FBI على أقراص صلبة تحتوي على خطب تحريضية للهالك أنور العولقي في آخر هجومين إرهابيين ناجحين في أمريكا كان مصدرها اليوتيوب. ففي حادثة دهس سائق شاحنة صغيرة حشداً من المارة في نيويورك عام 2017م وأدت إلى مقتل 8 أشخاص وإصابة أكثر من عشرة، تم العثور على 90 مقطع فيديو و3800 صورة دعاية لداعش على أحد الهواتف الذكية اللذين تم العثور عليهما في الشاحنة.

دور الكونجرس الأمريكي في ضبط المحتوى:

على الكونجرس أن يقوم بدوره لحماية المدنيين وحماية الأمن والسلم الدوليين بتعديل قانون آداب الاتصالات لعام 1996، وأن يترك المهاترات والتدخل في شؤون الدول العربية والإسلامية. ليكون المحتوى المتواجد على خوادم هذه الشركات تحت مسؤوليتهم القانونية ما يضع هذه الشركات تحت ضغط لفحص المحتوى وحذف المحتوى المتطرف بشكل سريع. وسيسهم هذا التغير بحذف جميع المواد الإرهابية ليس فقط من اليوتيوب وبرامج التواصل الاجتماعي، بل من الشركات الأمريكية التي تستضيف المواقع الإرهابية. وعلى الحكومة الأمريكية الضغط على شركات وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب لتطبيق استراتيجية الآمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.

محاسبة هيئة الامم المتحدة:

هل تعلمون أن العالم لم يدفع لمكتب مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة إلا 20-30% فقط. أوروبا دفعت 8 ملايين دولار وروسيا 2 مليون دولار وباقي دول العالم 2 مليون دولار وأمريكا لم تدفع دولاراً واحداً. والمملكة لوحدها دفعت 125 مليون دولار. وخصص 120 مليون دولار لمركز مكافحة الإرهاب الذي هو جزء من المكتب.

المملكة دفعت في حدود 90% للمركز. وجاء الوقت للمملكة أن تقوم بمحاسبة الأمم المتحدة. هل تعلمون أن هذا المركز لا يمتلك مرصداً لرصد المحتوى المتطرف! إذاً ماذا يفعل؟

التعاون الدولي:

لا بد أن يكون هناك تعاون دولي في مكافحة الجريمة الإلكترونية لأنها من أهم اسباب انتشار الإرهاب والجريمة المنظمة في العالم. ولا بد أن يكون هناك تعريف دولي وموافق عليه من الجميع للإرهاب، وألاّ يتم تسييس الإرهاب وحقوق الإنسان فهما أداتان لضرب الحكومات ودعم الجماعات الإرهابية.

* عضو الأكاديمية الأمريكية للطب الشرعي -استشاري الأدلة الرقمية

Dr_Almorjan@