صوت المواطن

الذكاء الصناعي يعود إلى الواجهة

العروي

محمد العروي*

بدأ مصطلح الذكاء الاصطناعي يظهر بشكل ملحوظ ومُلحّ حتى أصبح شبه مستهلك، فبعد مرور هذا العلم بفترة سبات شتوي قاربت 30 سنة، عاد من جديد للواجهة، ولهذا الظهور عوامل ومسببات متعددة، ليس غاية المقال حصرها، لكن نذكر أهم هذه العوامل، وهي وفرة البيانات في الوقت الراهن بكميات لا يمكن تصورها، وسهولة الوصول إليها وطبيعتها الرقمية القابلة للحوسبة، ما فتح آفاقا للتعاطي معها واستخراج المعارف منها، ناهيك عن التطور السريع في العتاد والحواسيب المركزية فائقة الأداء التي كانت جزءاً مهماً في المنظومة الرقمية، إضافة إلى البنية التحتية للاتصالات التي بدورها قدمت وسيطاً مهماً لنقل هذه البيانات وإجراء العمليات الحوسبية عليها في أماكن متعددة في نفس الوقت دون الحاجة لنقلها، والذي بدوره فتح بوابة الحوسبة السحابية على مصراعيها.

فهذه المكونات المهمة لم تكن متوفرة في تلك الفترة، وزخم البيانات لم يكن متاحاً كما هو الآن على الشبكة العنكبوتية، لهذا كان لها الأثر الكبير في هذا الظهور السريع والمؤثر، فإنترنت الأشياء ليس شيئاً من المستقبل، وإنما واقعٌ حالياً، وكمية المستشعرات والطرفيات التي تستطيع جمع البيانات كثيرة، وكمُّ البيانات المجموعة كبير، فكل ما حولنا به علوم كامنة، تستخلص بالتحليل والاستقراء السليم.

وأسهمت الوفرة في البيانات وبكميات كبيرة في نهوض علم الذكاء الصناعي وتعلّم الآلة، الذي بدوره أتاح الوصول والاستفادة من هذه البيانات بشكل أكبر لاتخاذ قرارات أفضل واستخراج معارف وعلوم أكثر. فالاستثمار فيها أمر مهم جداً من جهات عدة، فهنالك شركات نموذجها مبني على البيانات وتحليلها والاستفادة منها في تسويق خدماتها مثل جوجل، وأمازون، وغيرها الكثير.

وتزخر البلاد الإسلامية وعلى رأسها مملكتنا الحبيبة بموارد بشرية وقدرات تعتبر ثقلاً مهماً للنهوض الاقتصادي والمعرفي. وتعتبر الجامعات السعودية ومخرجاتها من الطلبة المتخصصين في علوم الحاسب ونظم المعلومات من أهم الروافد وأفضل الخبرات في مجالهم، وعلى درجة عالية من المهارة، فتوجيه الاستثمار في هذه الموارد للانخراط في العمل البحثي أو التطبيقي المؤسسي له انعكاسات إيجابية كبيرة.

فخارج إطار استهلاك كلمة الذكاء الصناعي في كل شيء بشكل تسويقي، يجب الحرص على التطبيق في دراسة علم البيانات والاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مجالات الصحة، الصناعة، الهندسة المدنية وهندسة المدن، والحج وإدارة الحشود والمجالات الأخرى التي قد يكون بدئ العمل فيها فعلاً، فيجب أن نتعلم قبل الآلة كيف يمكن لنا أن نستفيد من تراكم البيانات لدينا من كل نوع وصنف في الخروج بقرارات أفضل وأدق مدعومة علمياً ورصينة، تقلل الهدر وتزيد الكفاءة في كل صغيرة وكبيرة لاقتصاد مزدهر ونمو ثابت.

ولبلادنا مكان مهم في قلوب المسلمين، وتسخير التقنية بشكل كبير لخدمتهم شرف كبير وأمر مهم وجليل، فقدرات الشباب والشابات السعوديات كبيرة والآمال فيهم عظيمة، ولا يقل عبء تأهيل الكوادر المؤهلة للقيام بهذه المهمة عن أهميّة أمن هذه المعلومات والحفاظ عليها.

*الباحث السعودي في «كاوست»

Mohammed.alarawi@kaust.edu.sa