ثقافة وفن

مُتسعٌ من الليل

59172

حسن الصلهبي

في الليلِ مُتسعٌ

لأن تنسلَّ أغنيةٌ إلى أعماقِ نبضكَ،

ثم تصمتُ...

دونَ أن يأتي الهطولْ.

يبني عليكَ الشَّوقُ بيتَ العنكبوتِ

لكي تظلَّ مغلفًا بالحزنِ

تسترقُ الأُفُولْ،

وتهيمُ عند جداركَ العالي،

وتخبرك الشُّجيراتُ الصِّغارُ

بأَنَّ عاشقةً

ستأتي في ثيابِ المسكِ،

تكتبُ جملةً من رجفتينِ

رأيتها في الحلمِ

من قبل الحُلُولْ،

وتردُّ هاتفَكَ المُلغَّم لهفةً

لجرابِ جيبِكَ،

لستَ منسجمًا مع الأصواتِ

والأوراقِ

والذَّراتِ

والنَّجمِ الأَفُولْ،

قد مَرَّكَ العَرَّافُ قبلَ الوقتِ،

لكنَّ الحمامةَ أودعتكَ بحضنها،

وسقتكَ كأسًا من أطايبها،

ووارتكَ الحقولْ.

قد مَرَّكَ العَرَّافُ من قبل،

ولكن مَرَّ في وجلٍ عجولْ.

***

في الليلِ مُتسعٌ لحزنكَ،

أو لرسمِ دوائرٍ في نبعِ قلبكَ،

أو لطمرِ الجرحِ

بالفلِّ المُبلَّلِ من شفاهكَ،

أو لتوطئةِ الرسالةِ:

«يا... أحبكِ،

ها أنا قدرُ الشُّموسِ

بأن تُواري حزنها

في البحرِ من بعد النُّزولْ».

تُصغي لكَ النبضاتُ في أوكارها،

ويَدُكُّ مَعْقِلكَ الذُّبولْ.

والآنَ تقبعُ في الدُّجى،

بيديكَ سورةُ عاشقٍ،

وعليكَ ينشطرُ الذُّهولْ.

وخلالكَ الأيامُ تمضي،

لا طريق أنتَ للذِّكرى،

ولكن فجركَ الغافي كسولْ.

قد مَرَّكَ العَرَّافُ من قبل،

ولكن مَرَّ في وجلٍ عجولْ.

***

في الليلِ مُتسعٌ لحبكَ،

أو لصمتكَ،

أو لخوفكَ،

أو لأن يغفو السَّحابُ

على يديكَ،

وأنتَ في ضجرٍ تُقلِّبُ

كيفَ آلَ لما يؤولْ،

وتُردِّدُ الألحانَ،

لكنَّ الجَوَى نسرٌ

وأنيابٌ

وأسئلةٌ تطولْ.

قد مَرَّكَ العَرَّافُ من قبل،

ولكن مَرَّ في وجلٍ عجولْ.

***

في الليلِ مُتسعٌ لصوتكَ

أَنْ يصولَ،

وأَنْ يجولْ.

ويطيرُ في آفاقِ كونكَ

مترعًا بالأمنياتِ الخمسِ

والوعدِ القديمِ،

وسرِّ ذاك القاربِ المحصورِ

في شركِ العبابِ،

وكيفَ لا تمتدُّ أشرعةُ الوصولْ.

قد مَرَّكَ العَرَّافُ من قبل،

ولكن مَرَّ في وجلٍ عجولْ.

***

في الصَّمْتِ آخرُ فرصةٍ

للنَّجمةِ الكبرى

لتغسلَ وجهَكَ المكلوم

من عبثِ الغبارِ على طريقِكَ،

والنَّسائمُ تُغدقُ الأحداقَ

بالشَّوقِ المهولْ.

قد مَرَّكَ العَرَّافُ من قبل،

ولكن مَرَّ في وجلٍ عجولْ