كتاب ومقالات

القليل من النسيان يا نيسان

أريج الجهني

إنه الأسبوع الأخير من شهر مارس، الشهر الأجمل في العام وكل عام، سنستقبل شهر أبريل بكذباته وعذوبته بطاقة متجددة فهو شهر مشاغب بالمجمل ومحتال، لكن بذات الوقت يحمل البشائر والربيع وربما قصص عشق أخرى، مقال اليوم فاصلة زمنية بين المقالات، والمفارقة أنني وجدت بالبحث مقالا للدكتور سعد البازعي يكاد يكون الوحيد الذي اختص هذا الشهر بالحديث بعنوان «قصائد أبريل ومفارقاته»، حيث تناول المقال عددا من النصوص الأدبية حول أبريل لكل من محمود درويش وشكسبير وتي إس إليوت، عالج من خلاله قراءة الوضع الإنساني والتاريخ والإبداع من خلال النصوص، وهذا الطرح هو ما يساعد القارئ لإعادة النظر في الكثير من السرديات التي نتلقفها دون معرفة.

إن نظرة الأدباء والنقاد للأمور غالبا ما تثمر عن لوحة حسية أو تترك خلفها حقيقة طازجة كانت مبهمة للناس، كيف نقرأ الأشهر وكيف نتشعر الأزمنة، هل بما نأخذه منها؟ أو بما تهديه لنا؟ ماذا عن تلك اللحظات العصيبة؟ ماذا عن ساعات القلق ودقائق الانتظار؟، لعل شهر أبريل سيكون فرصة جيدة ما قبل منتصف العام أن نحدد موقعنا الإنتاجي في الحياة، لهذا سأخصص مقالاتي الأربعة القادمة عن «التعليم العالي»، وربما ألحقها ببعض التوصيات عن جودة الحياة.

حتى يحين أبريل، نحتاج لجرعة عالية من النسيان، مضى ثلاثة أشهر من عام ٢٠١٩ لم يكن سيئا بقدر ما كان مضطرباً، وكأنه مقدر لنا هذا الشتات، بقدر ما تتفاءل بقدر ما تسحقك لحظات معينة وتجعلك تيأس أن كل ما تقوم به ضياع وهدر، قد يختطف عقلك شبح الإحباط وتدخل في دوامة من الاكتئاب حتى تظن أنك لن تخرج منها، وقد تخرج لكن بتكلفة عالية جدا، فكل شيء لوهلة تظنه يعمل ضدك، بل حتى أعشاب الأرض تظن بأنها عميلة في داخل مؤامرة كونية للقضاء عليك.

النسيان في نيسان سيكون فضيلة، وربما هو ضرورة، فلا مانع من أن تلغي كل ما يربطك بخريطة الألم، وأن تحذف كل ما يهندس آلامك من برامج وأفكار وأشخاص وأماكن، نعم إن فكرة الحذف فكرة صحية جدا في زمن الترهل الإلكتروني، وهذه عادة أمارسها ببراعة، وقد أفقد معها بعض المعلومات المهمة وحتى الأشخاص، لكني لا أهتم طالما أن هذا الحذف سيريح أعصابي أو يهدئ نفسي.

خططوا لحياتكم بحب وشغف، بعيدا عن الكلام التجاري الممجوج، التوقف بين الأشهر وإطلاق النظر في ما مضى وفي ما هو قادم هدية لنفسك لا يعدلها شيء، بل هي ركيزة في الحياة، ولا تكونوا قساة على أنفسكم فيكفيكم قسوة البشر وانتهاكهم المستمر لمساحات طهركم ونقائكم، وحوش الطاقة، والمستنزفون يستحقون أن يبقوا خارج أسوار حديقتكم، مهما بدت ملامحهم جميلة في أعينكم، ليس كل ما نراه جميلا هو بالفعل جميل، الجمال الحقيقي هو سكون الروح وأن تحيا أيامك وأشهرك وأعوامك بوعي واتزان.

أعيدوا قراءة النصوص، جهزوا أكاذيبكم الجميلة، اذهبوا إلى أبريل خفافا وقد حملتم في قلوبكم أرواحكم المتجددة، سافروا واخرجوا من دائرة نطاقكم الزمني ستعلمون أن اختلاف التوقيت مجرد كذبة.

خاتمة: يقول محمود درويش: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

* كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com