دقائق الانتظار أشغلها بالاستغفار !
محطات
الأربعاء / 05 / شعبان / 1440 هـ الأربعاء 10 أبريل 2019 01:36
ريهام زامكه
لستُ أكره في هذه الدنيا أكثر من الانتظار، ليس لأني عجولة لا سمح الله، لكن لأني خُلقت لا أحب أن أنتظر، أن أترقب، أن أقلق، أن أراقب ساعتي، منذ أن كنت نُطفة ثم عَلقة ثم مُضغة جميلة (متْكيّة) داخل رحم أمي، كنتُ (أُرافس) الوقت لأخرج إلى هذه الدنيا وليتني لم أستعجل.
ذهبت إلى عيادة طبيب يعرفني ويعرف أسناني (عِز المعرفة) منذ أن كانت لبنية، ورغم أني لا أحب (دكاترة) الأسنان ولا عياداتهم لكننا مجبرون على زيارتهم بين الفينة والأخرى.
وصلت متأخرة كعادتي، (أُدندن) على ليلاي كما دندنَ فنان العرب وأقول (كل المواعيد وهم)، ثم جلست لأنتظر دوري ولفتتني عبارة مُعلقة أمامي مكتوب عليها:
«دقائق الانتظار أشغلها بالاستغفار»، قرأتها واستغفرت الله عن ما تقدم من ذنبي وما تأخر، ثم شغلت الدقائق المتبقية بتصفح مجلة مُهملة على الرف منذ عام 2002.
كنتُ في (سِكشن) انتظار السيدات، ودخلت علينا سيدة غريبة الأطوار، سمينة ومزعجة جداً وثرثارة، ألقت علينا السلام ورددنا بأحسن منها، ثم استلمتنا بالأسئلة الواحدة تلو الأخرى، وبعدها استرسلت بالحديث حتى بدت وكأنها تلقي علينا محاضرة صحوية !
فتربعت أخلاقي على (أرنبة) خَشمي، لكن تمالكت نفسي، فبالفعل غُرف الانتظار كفيلة بجعلك ترى الاختلافات السلوكية بين البشر، فتصادف المهذب الذي يحترم نفسه والمكان، وتصادف غير المهذب على الإطلاق.
وبعد أن ضقت ذرعاً بحديثها (السَمِج) قلت لها: عزيزتي لو تكرمتِ نحتاج لحظة هدوء، فقالت لي: يا أختي (خير الناس أنفعهم للناس)، فقلت لها طيب من فضلك أنا (مصدعة) انفعيني (ونئطينا) بسكاتِك الله يجزاك خير.
وبالطبع لم يعجبها ردي (فسَرسَرت) في نفسها بصوتٍ منخفض، ولا أستبعد أنها كانت تشتمني. فهذا الصنف من الشخصيات يشعرك بالشفقة لأنه لا يكُف بأي حالٍ عن الكلام.
ولا أدري من كان داعٍ عليّ في هذا اليوم، فقد كانت تجلس عن يميني واحدة شبه نائمة، وعن يساري أخرى (حلالة مشاكل) تتحدث بهاتفها وتُهدئ من روع صديقتها أم نواف التي (تلاعنت) مع أبي نواف وكفخته وكفخها ووصل خصامهم إلى عنان السماء بسبب (شخِيره) وهو صاحي ونايم، والله يهدي النفوس، ما علينا منهم.
تذكرت عادة (جاهلية) تربينا عليها، حين كنا نقذف بالسن المكسور نحو الشمس ونغني:
(يا شمس الشموسة خذي سن الحمار وأعطينا سن الغزال)، وقد أشار لتلك (الخُرافة) طرفة بن العبد في الشعر الجاهلي بقوله: «بدلتهُ الشمسُ من منبتِهِ برداً أبيض مصقولَ الأُشرْ».
والبعض الآخر -وقد كنت منهم- لا يقذفه بل يخبئه تحت مخدته ظناً منه أنه سوف يختفي ويحل محله (سبرايز) !
وقد تمكنت منّي الخرافة أشد تمكن، فقد كنت أشعر بالسعادة ما إن يسقط سن من أسناني، لأنه سوف يتحول (بقدرة قادر) في الصباح الباكر إلى مبلغ مالي، واللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا.
ثم قطع شريط ذكريات الطفولة صوت الممرضة الغليظ وهي تناديني (ريحام)، فقمت وتوجهت إلى العيادة واستقبلني دكتوري العتيد مُرحباً.
ولا أخفيكم رددت عليه بابتسامة صفراء لا تسُر الناظرين، وقلت له على عُجالة أرجوك يا دكتور خلصني، كان مهذباً ولبقاً كما عهدته وقال لي تؤمري يا ست البنات وبعدها سألني كيف حالك ؟
وفي الواقع كان فمي بين أياديه الضخمة مفتوحاً على مصرعيه فقلت له (الحنقللاه) !
* كاتبة سعودية
Twitter: @rzamka
Rehamzamkah@yahoo.com
ذهبت إلى عيادة طبيب يعرفني ويعرف أسناني (عِز المعرفة) منذ أن كانت لبنية، ورغم أني لا أحب (دكاترة) الأسنان ولا عياداتهم لكننا مجبرون على زيارتهم بين الفينة والأخرى.
وصلت متأخرة كعادتي، (أُدندن) على ليلاي كما دندنَ فنان العرب وأقول (كل المواعيد وهم)، ثم جلست لأنتظر دوري ولفتتني عبارة مُعلقة أمامي مكتوب عليها:
«دقائق الانتظار أشغلها بالاستغفار»، قرأتها واستغفرت الله عن ما تقدم من ذنبي وما تأخر، ثم شغلت الدقائق المتبقية بتصفح مجلة مُهملة على الرف منذ عام 2002.
كنتُ في (سِكشن) انتظار السيدات، ودخلت علينا سيدة غريبة الأطوار، سمينة ومزعجة جداً وثرثارة، ألقت علينا السلام ورددنا بأحسن منها، ثم استلمتنا بالأسئلة الواحدة تلو الأخرى، وبعدها استرسلت بالحديث حتى بدت وكأنها تلقي علينا محاضرة صحوية !
فتربعت أخلاقي على (أرنبة) خَشمي، لكن تمالكت نفسي، فبالفعل غُرف الانتظار كفيلة بجعلك ترى الاختلافات السلوكية بين البشر، فتصادف المهذب الذي يحترم نفسه والمكان، وتصادف غير المهذب على الإطلاق.
وبعد أن ضقت ذرعاً بحديثها (السَمِج) قلت لها: عزيزتي لو تكرمتِ نحتاج لحظة هدوء، فقالت لي: يا أختي (خير الناس أنفعهم للناس)، فقلت لها طيب من فضلك أنا (مصدعة) انفعيني (ونئطينا) بسكاتِك الله يجزاك خير.
وبالطبع لم يعجبها ردي (فسَرسَرت) في نفسها بصوتٍ منخفض، ولا أستبعد أنها كانت تشتمني. فهذا الصنف من الشخصيات يشعرك بالشفقة لأنه لا يكُف بأي حالٍ عن الكلام.
ولا أدري من كان داعٍ عليّ في هذا اليوم، فقد كانت تجلس عن يميني واحدة شبه نائمة، وعن يساري أخرى (حلالة مشاكل) تتحدث بهاتفها وتُهدئ من روع صديقتها أم نواف التي (تلاعنت) مع أبي نواف وكفخته وكفخها ووصل خصامهم إلى عنان السماء بسبب (شخِيره) وهو صاحي ونايم، والله يهدي النفوس، ما علينا منهم.
تذكرت عادة (جاهلية) تربينا عليها، حين كنا نقذف بالسن المكسور نحو الشمس ونغني:
(يا شمس الشموسة خذي سن الحمار وأعطينا سن الغزال)، وقد أشار لتلك (الخُرافة) طرفة بن العبد في الشعر الجاهلي بقوله: «بدلتهُ الشمسُ من منبتِهِ برداً أبيض مصقولَ الأُشرْ».
والبعض الآخر -وقد كنت منهم- لا يقذفه بل يخبئه تحت مخدته ظناً منه أنه سوف يختفي ويحل محله (سبرايز) !
وقد تمكنت منّي الخرافة أشد تمكن، فقد كنت أشعر بالسعادة ما إن يسقط سن من أسناني، لأنه سوف يتحول (بقدرة قادر) في الصباح الباكر إلى مبلغ مالي، واللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا.
ثم قطع شريط ذكريات الطفولة صوت الممرضة الغليظ وهي تناديني (ريحام)، فقمت وتوجهت إلى العيادة واستقبلني دكتوري العتيد مُرحباً.
ولا أخفيكم رددت عليه بابتسامة صفراء لا تسُر الناظرين، وقلت له على عُجالة أرجوك يا دكتور خلصني، كان مهذباً ولبقاً كما عهدته وقال لي تؤمري يا ست البنات وبعدها سألني كيف حالك ؟
وفي الواقع كان فمي بين أياديه الضخمة مفتوحاً على مصرعيه فقلت له (الحنقللاه) !
* كاتبة سعودية
Twitter: @rzamka
Rehamzamkah@yahoo.com