بيوت الفكر وصناديق العقول
الخميس / 13 / شعبان / 1440 هـ الخميس 18 أبريل 2019 01:50
أريج الجهني
شاع في السنوات الأخيرة مصطلح «خلية التفكير ثنك تانك» أو «صناديق العقول»، وهو مصطلح يرمي بالمجمل للمنظمات أو التجمعات التي مهمتها فقط توظيف عقول لتقرأ وتتناقش وتفكر وتنتج وتعيد صناعة المعلومات، بيوت التفكير أو خلايا التفكير حاجة مجتمعية لا جدال عليها، والعمل في هذه المنظمات عالميا يتطلب مهارات تفكير عليا ولا يوظف فيها أي شخص عادي، في أمريكا وحدها يوجد أكثر من خمسين «خلايا تفكير» متنوعة بين السياسة والمجتمع والأعمال والاقتصاد من أشهرها معهد الأرض ومعهد كاتو ومؤسسة راند والكثير غيرها وقد تكون تابعة لبعض الجامعات مثل هارفرد وغيرها وقد تكون عائلية ومستقلة، وتدر على أصحابها أموالا طائلة وبشكل مستمر.
السؤال هنا «ما الذي يجعل هذا النوع من المنظمات ينجح في الغرب؟» وهل لو وجد بشكل مواز في العالم العربي سيحقق ذات القيمة المعرفية والاقتصادية؟ بل الأهم هل سيكون مستقلا بمعنى لا يخضع للسلطات والعادات والتقاليد؟، وهل نحن بحاجة لمثل هذه البيوت خاصة في الجانب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي؟، كنا نعول كثيرا على ان تتبنى الجامعات مهمة التفكير وريادة المجتمع، لكن حتى اللحظة ما زالت بعض الجامعات خاصة النائية تصر على تكريس مفهوم «محو الأمية»، من خلال استنساخ النماذج العربية البالية، التحول المعرفي المنشود لمواكبة المستقبل لن يحدث من تلقاء نفسه ما لم تتحرك قيادات التعليم العالي والمنظمات المجتمعية والسلطة الإعلامية للاعتراف بالخلل.
نعم هناك خلل حقيقي في المنظومة الفكرية السائدة، تلك المنظومة التي تقوم على مبدأ «شيلني وأشيلك»، مجاملات وعلاقات ومصالح، تنتهي بالقضاء على الفكر الإصلاحي الحقيقي أمام ترسانة النفاق المجتمعي، إن البيوت الفكرية المستقلة حاجة ماسة لتشخيص الواقع، والتجرد من أي أهواء مادية أو مجتمعية، نحتاج على الأقل إلى عشرة أو ثلاثة عشر مركزا مستقلا يركز على حاجات كل منطقة في المملكة، من أبناء المنطقة نفسها، وتخصص لها ميزانيات من دعم القطاع الخاص أو حتى الحكومي لمدة عشر سنوات وتكون مستقلة لا تخضع لسلطة التعليم أو أي جهة أخرى.
تكون لها رؤية واضحة بأن تكون مراكز فكرية ذات تنفيذ محلي وتخطيط عالمي، ورسالة تحمل معها مهمة النهوض بالمناطق من خلال خطط فكرية وفحص عميق للتوجهات والمشاكل المجتمعية، وأهداف طويلة المدى، للأسف أكاد أجزم أن أغلب مشكلاتنا التنظيمية هي عدم التفكير بالديمومة، أمام موجة الفلاشات السريعة!.
لدينا عقول عظيمة وطاقات متجددة، المحك هو كيف تتم الاستفادة منها وتحريكها، والمقلق فعليا هو كيف يتم توفير الحياة الكريمة لهذه العقليات، التي قد تجدها عاطلة أو تبحث عن عمل، بينما ملف البطالة لا يزال شبه متوقف فوزارة العمل -سلمها الله- منشغلة جدا بقضية مخالفات الزي للمرأة! ومعاقبتها وخصم راتبها حسب ما ورد في آخر إنجازاتها، نعم هذا ما يحدث عندما يكون ملف البطالة الأمني وهو الأشد خطرا في ذيل قائمة اهتمام المسؤولين.. وبعض المشايخ والدعاة المنشغلين جدا بالشعرات الزائدة في حاجب المرأة وأظافيرها وما تحتها.
لهذا لن يكون لهذه المراكز أي قيمة اعتبارية إن لم تكن حرة ومستقلة وبعيدة عن أيدي المؤدلجين، إن غياب المهنية بالمجمل أمر مقلق وجعل الكثير من الملفات تتعطل لسنوات وعقود، لكن لعل الرؤية تحمل معها هذه المهمة لتذيب الفوارق الاجتماعية والطبقية، وتجعل المكان لمن يقوم به لا لمن يقوم عليه! وهكذا.
* كاتبة سعودية
السؤال هنا «ما الذي يجعل هذا النوع من المنظمات ينجح في الغرب؟» وهل لو وجد بشكل مواز في العالم العربي سيحقق ذات القيمة المعرفية والاقتصادية؟ بل الأهم هل سيكون مستقلا بمعنى لا يخضع للسلطات والعادات والتقاليد؟، وهل نحن بحاجة لمثل هذه البيوت خاصة في الجانب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي؟، كنا نعول كثيرا على ان تتبنى الجامعات مهمة التفكير وريادة المجتمع، لكن حتى اللحظة ما زالت بعض الجامعات خاصة النائية تصر على تكريس مفهوم «محو الأمية»، من خلال استنساخ النماذج العربية البالية، التحول المعرفي المنشود لمواكبة المستقبل لن يحدث من تلقاء نفسه ما لم تتحرك قيادات التعليم العالي والمنظمات المجتمعية والسلطة الإعلامية للاعتراف بالخلل.
نعم هناك خلل حقيقي في المنظومة الفكرية السائدة، تلك المنظومة التي تقوم على مبدأ «شيلني وأشيلك»، مجاملات وعلاقات ومصالح، تنتهي بالقضاء على الفكر الإصلاحي الحقيقي أمام ترسانة النفاق المجتمعي، إن البيوت الفكرية المستقلة حاجة ماسة لتشخيص الواقع، والتجرد من أي أهواء مادية أو مجتمعية، نحتاج على الأقل إلى عشرة أو ثلاثة عشر مركزا مستقلا يركز على حاجات كل منطقة في المملكة، من أبناء المنطقة نفسها، وتخصص لها ميزانيات من دعم القطاع الخاص أو حتى الحكومي لمدة عشر سنوات وتكون مستقلة لا تخضع لسلطة التعليم أو أي جهة أخرى.
تكون لها رؤية واضحة بأن تكون مراكز فكرية ذات تنفيذ محلي وتخطيط عالمي، ورسالة تحمل معها مهمة النهوض بالمناطق من خلال خطط فكرية وفحص عميق للتوجهات والمشاكل المجتمعية، وأهداف طويلة المدى، للأسف أكاد أجزم أن أغلب مشكلاتنا التنظيمية هي عدم التفكير بالديمومة، أمام موجة الفلاشات السريعة!.
لدينا عقول عظيمة وطاقات متجددة، المحك هو كيف تتم الاستفادة منها وتحريكها، والمقلق فعليا هو كيف يتم توفير الحياة الكريمة لهذه العقليات، التي قد تجدها عاطلة أو تبحث عن عمل، بينما ملف البطالة لا يزال شبه متوقف فوزارة العمل -سلمها الله- منشغلة جدا بقضية مخالفات الزي للمرأة! ومعاقبتها وخصم راتبها حسب ما ورد في آخر إنجازاتها، نعم هذا ما يحدث عندما يكون ملف البطالة الأمني وهو الأشد خطرا في ذيل قائمة اهتمام المسؤولين.. وبعض المشايخ والدعاة المنشغلين جدا بالشعرات الزائدة في حاجب المرأة وأظافيرها وما تحتها.
لهذا لن يكون لهذه المراكز أي قيمة اعتبارية إن لم تكن حرة ومستقلة وبعيدة عن أيدي المؤدلجين، إن غياب المهنية بالمجمل أمر مقلق وجعل الكثير من الملفات تتعطل لسنوات وعقود، لكن لعل الرؤية تحمل معها هذه المهمة لتذيب الفوارق الاجتماعية والطبقية، وتجعل المكان لمن يقوم به لا لمن يقوم عليه! وهكذا.
* كاتبة سعودية