كتاب ومقالات

تناقضات أخطر

بصوت القلم

محمد بن سليمان الأحيدب

تطرقت في مقال سابق إلى تناقضاتنا واستشهدت بمحاسبة الفاسد ماليا وترك الفاسد إداريا، وضربت مثلا بعدم معاقبة نسبة كبيرة من أطباء حكوميين يتركون مقر عملهم للعمل في مستشفى خاص مخلفين أخطاء طبية وهدرا للصحة والمال، وتطرقت لمدير يتقشف في خدمات أساسية وقيمة تغيير ورد مكتبه يوميا تفوق ما يرفض تقشفا.

ثمة الكثير من التناقضات التي لا تقل خطورة، منها محاولة الاعتراض على علاج مرضى في الخارج لا يتوفر علاجهم في الداخل، بحجة التوفير، بينما عدم علاجهم وتعريضهم وأسرهم للنتائج المترتبة على الإهمال جسديا ونفسيا وإعلاميا تحتاج إلى تعامل نفسي ومعنوي وإعلامي أكثر تكلفة بكثير من انتداب مستحق للعلاج، والمثال القديم الجديد على ذلك تعنت طبيب في رفض استكمال انتداب بنات مواطن يعانين من مرض العظام الزجاجية في المرحلة الأخيرة من العلاج، بينما إهمال المراحل السابقة خسارته المادية أكبر بكثير وتكاليف مراجعة البنات عند كل كسر كبيرة جدا، أما المثال الجديد فهو رفض انتداب شاب تقرر داخليا بتر قدمه بينما هو وجد علاجا في ألمانيا عن طريق طبيب سعودي ينقذه من البتر (حسب برنامج يا هلا)، وبصرف النظر عن التفاصيل الطبية فإن الأثر النفسي وأثر الإعاقة ونتائجه مجتمعيا لو بترت قدمه وهو يشعر بوجود حل أكبر من تكاليف إرساله للخارج ومنحه الفرصة، كما أن البعد الإعلامي لقصته وشكواه يكلف أكثر، وفي الحالتين، العظام الزجاجية والبتر إن ترك القرار لنفس الطبيب أو نفس اللجنة له محاذيره، فمن حق المريض أخذ رأي طبي ثان وثالث في قرار مصيري.

ومن تناقضاتنا أننا نخصص أعدادا كبيرة من الموظفين لاستقبال البلاغات والشكاوى سواء في وزارة التجارة أو الصحة ونخصص لها أرقاما قصيرة، بينما التجاوب معها يستغرق أرقاما طويلة من الشهور أو السنوات!

ومن تناقضاتنا المجتمعية أن الشخص ينتقد سوء الرعاية الصحية وهو ينفث سيجارة ويستعد لإشعال أخرى! وفي هذه الأيام ارتفعت عقيرة التنافس في إقامة حفلات التخرج لأطفال في الروضة أو الابتدائية أو حتى الثانوية، يتنافس فيها أهل الطالب أو الطالبة في التباهي والمفاخرة في تكلفة الحفل وقيمة هدية التخرج، بينما أمر مذاكرة الطالب ومتابعة واجباته متروك للعاملة المنزلية والسائق، بل إن الأب والأم لا يعرف موقع المدرسة قبل حفل التخرج الذي يقهر فيه طالب يتيم أو والداه لا يستطيعان مجاراة غيرهما في قيمة الهدية وتكلفة الحفل!

ومنا من يدعي ليبرالية وحرية رأي، بينما هو يضرب ابنه إذا ناقشه ويعنف زوجته إذا أبدت رأيا يخالف رأيه أو طلبت حقا مشروعا ولو بزيارة أهلها!

وشاهدنا وشهدنا من يدعي الوطنية والولاء قولا ويمارس تشويه وطنه في أقرب سفارة أو قناة إعلامية معادية!

* كاتب سعودي