ثقافة وفن

خبز الغرقى

محمد علوان

امرأة تلاحق العمر، لا هو ينتظر، ولا هي تتوقف.. لم تثمر أطفالاً كالأخريات، أنهكها هذا السباق بلا جدوى. أسمتها أمها التي أنجبتها (زينب)، كانت تغدق الماء على جسدها كل صبح ومساء علها تثمر أطفالاً، كان نهر «دجلة» في ذهنها يسبغ عليها فكرة نبوءةٍ حدثتها بها أمها قبل موتها: إن عرافة أنبأتها أن الأطفال سيهبطون من غيمة مارقة لا يعلم سرها إلا الله وهذا النهر.

كان هذا النهر هو الذي سينقذها من هذا «المحل» تخلط الماء بقليل من ماء «دجلة» لكن لا فائدة وأخذت تحسب السنين التي تسقط من عمرها، ثم الشهور.. نبت حزنها حين بدأت تعد الأيام ولم تثمر. توقفت أن تكون شجرة، اتجهت إلى القمح وكان التنور الذي تشعل فيه الحطب يمنحها دفئاً غريباً، غزاها شعور عجيب ومخيف، تحولت أقراص الخبز إلى أطفال أطلقت عليها الأسماء إلا أنها لم تفقد حزنها وظلت عيناها تترقرقان بدمع لا يهطل وكانت أشبه باسمها الذي يحمل جمالاً يتجدد.. اخترع لها الناس كنية جديدة «أم الربيعين»

في كل سنة تمرق من عمرها لم تفقد بهجتها وحبها للحياة.

في عيد النيروز استيقظت كعادتها في كل ربيع تمنح العصافير واليمام والبط بجانب دجلة لتنثر خبز الأرض لهم.

في ذلك اليوم استيقظت وإذا الموت يحصد كل شيء أحبته، الرجل، المرأة، الأطفال أصابها جنون مربك وبدأت تخبز عشرات الأقراص.. في تلك اللحظة كبرت «أم الربيعين»..

لم يعلم بانهيار عمرها إلا دجلة هذا النهر الذي ابتلع في جوفه النساء والرجال والأطفال.

زينب كانت تشعر بهاجس سماوي يدفعها للنهر وأقراص الخبز تملأ سلة كبيرة مظفورة من نخيل البصرة رافعة رأسها إلى السماء مطوحة بأقراص الخبز إلى بطن النهر أشبه بطقس مقلوب، أو تعويذة عمياء لبقاء الآخرين.