كتاب ومقالات

الصحوة التي لا عقل لها.. حتمية النهاية

يحيى الأمير

اليوم وبعد عملية مسح تاريخي يسير للصحوة وخطابها ورموزها يمكن القول إنها كانت مشروعا تلقائيا ومشروعا غير عقلاني.

هكذا تضافرت عوامل إقليمية وداخلية وسياسية أوجدت مناخا ملائما للظاهرة التي ما لبثت أن أصبحت واقعا مؤثرا امتدت تأثيراته التنموية والاجتماعية لتصبح قصة محورية في مسيرة المجتمع السعودي والمنطقة كذلك.

كان لدى الصحوة قاموس ومنابر وتكتيك، تتطور أهدافها تبعا لاتساع سيطرتها وحضورها.

يمكن تقسيم تأثيرات ومناطق عمل الصحوة إلى مستويين: المستوى الاجتماعي السلوكي العام الذي تتضح ملامحه في هيمنة النمط الواحد في اللبس والهيئة والمظهر الاجتماعي العام، والمستوى الثاني هو مستوى التكتيك السياسي الذي تشبع وانتشى بحالة الهيمنة والامتداد الاجتماعي فاتسعت لديه دوائر الطموح ليصبح لاعبا سياسيا وشريكا في القرار.

جاءت الأحداث الإقليمية في المنطقة لتعزز الطموح السياسي للصحوة من خلال رموزها الذين باتت خطبهم المنبرية تتجاوز قضايا السلوك والحجاب وسماع الأغاني إلى قضايا الحاكمية ودور العلماء في المجتمع وأهمية توقيرهم والاستماع لهم.

لم تعرف كل التجربة الصحوية من يمكن وصفه بالمفكر العقلاني العميق صاحب المشروع الحقيقي وتفاوتت مهاراتهم في الخطابة بين خطيب مفوه وفي الكتابة بينما يحمل معظمهم آراء تقليدية في القضايا العامة، ورغم أن بعضهم انصرف للعمل السياسي أكثر إلا أن الإلحاح على القضايا السلوكية والوعظ الأخلاقي يعطي مؤشرا حيويا لقياس مدى سيطرتهم على المجتمع.

كان أول تكتيك اتخذته الصحوة من خلال مواقفها ورموزها ذلك الذي يدور حول بناء خلاف بين المجتمع والدولة؛ إيهام المجتمع أن الدولة ليست على ما هي عليه من التزام وتقوى، وأن كثيرا من القرارات والمواقف تعارض الشريعة وتحاربها، وأن على المجتمع أن ينتصر لدينه من خلالهم ومن خلال اتباعهم واتباع ما يقولون.

ضمت الصحوة شخصيات صادقة، بسيطة، وتقليدية، وترى أن التشديد هو الصواب، ولا تحمل وعيا أعمق من ذلك، هؤلاء ربما لا تأثير لهم لأن أداءهم لم يكن حركيا ولم يتعامل مع الأدوات الفقهية مثل سد الذرائع بصفتها موقفا فقهيا فقط، بل أداة من أدوات مواجهة كل خطوة جديدة في المجتمع.

تعقدت الصحوة حينما هيمنت عليها الحركية الحزبية، حدثت تلك الهيمنة حينما بات معظم الفاعلين في صفوفها من المنظَّمين الذين يتحركون وفق تكتيك توزيع الهيمنة والأدوار، وتجلى ذلك حينما استوت (السرورية) بصفتها النسخة المحلية التي تجمع بين الحركية الحزبية من جهة والتشدد السلفي من جهة أخرى، وليس أكثر خطرا واندفاعا من متشدد حركي.

توزعت الأدوار والشخصيات؛ أسماء مهمتها محاولة السيطرة على التعليم وأخرى على المنابر وثالثة على القضاء، أسماء ظلت تتحرك بصفتها الوظيفية دون إبداء أي موقف داعم للحركة، وأسماء أعلنت صراحة مواقفها وتحولاتها، كانت ذروة تلك المواقف في حرب تحرير الكويت حين اتجهت السعودية لبناء التحالف الدولي للتحرير، كان انكشافا كبيرا للجماعة بمختلف فصائلها، لكن الدولة اتخذت مواقف واضحة خاصة بعد ظهور مذكرة النصيحة التي تمثل لحظة استغلال سياسي بدائي للظرف الإقليمي الذي كانت تمر به المملكة.

دخلت الصحوة الحركية معارك ثقافية كبرى حين رأت أن ثمة أصواتا وشخصيات تقدم خطابا مؤثرا في الواقع السعودي فاتجه التكتيك الحركي للاستفادة من قوة الحركة وتأثيرها في الوجدان العام فتوجهت تهم التكفير والعلمنة والماسونية لتلك الشخصيات.

بعد الحادي عشر من سبتمبر يمكن القول إنه ولأول مرة يشهد المجتمع السعودي ظهور صوت جديد مناوئ للتشدد والحزبية والحركية وتفتح له الصحف ووسائل الإعلام أبوابها، طيف من الأصوات الإعلامية الوطنية التي مثلت صدمة كبرى للتيارات التي ظلت تمثل الصوت الواحد والعالي في المجتمع السعودي، بدأت هنا مواجهة ثقافية كانت حتمية للغاية بين من يحملون خطابا وطنيا وبين من يحملون خطابا أمميا. حملات من التشويه والتخوين طالت ذلك التيار الجديد لكنها لم تسقطه أبداً، بسبب أن الشارع ما لبث أن أصبح شريكا في تلك المواجهة.

اتسع الأفق الاجتماعي وتنوعت المعرفة أدوات ومضامين وبقيت الصحوة الحركية تحذر من سماع الأغاني وقيادة المرأة السيارة وتمكين العلمانيين.

كانت الأحداث الإرهابية تجليا واقعيا للإنكار بصفته المحور الأساسي لدى تيار الصحوة الحركي، ومع الإرهاب اتسعت أصوات نقد التشدد واتسعت المعرفة أيضا وبات الشارع يبحث عن واقع أفضل لحياته ومستقبله.

اليوم أي اعتذار عن الصحوة هو موقف فردي شجاع لكنه يحسب للفرد فقط ولا يمثل أي تحول في التجربة التي ماتت ولم يبق إلا التخلص من آثارها.

* كاتب سعودي