الحربُ: أسبابُها.. تكلفتُها.. مشروعيتُها
الثلاثاء / 16 / رمضان / 1440 هـ الثلاثاء 21 مايو 2019 03:17
طلال صالح بنان
الحربُ هي: مواصلةُ الدبلوماسية، بوسائلَ عنيفة. فالحربُ، ليست غايةً في حدِ ذاتِها. هي: وسيلةٌ لتحقيق الهدف السياسي من شنها، بغضِ النظرِ ما إذا كان هذا الهدفُ مشروعاً ( سياسياً.. قانونياً، وأخلاقياً ). الحربُ، أيضاً: نتيجة للعنف الذي يتولد من حركتها، تعكسُ قمة التوتر في العلاقات بين الدول وتُظْهِرُ فشلَهم في تسوية خلافاتِهم بوسائلَ (سلميةٍ)، أكثرُ فاعلية وكفاءة وأقل تكلفة من الحرب.. وربما تكون، أكثرُ توقعاً لنتائجها.
الحربُ لا تُشَنُّ، في كثيرٍ من الحالات، فجأة وبدون مقدمات. هناك مؤشرات ومقدمات، يفرضها منطقُ الحربِ نفسها.. وطبيعة الطاقة العنيفة المتولدة من حركتها. كما أن هناك محاذير سياسية وأخلاقية وقانونية تتحكم في اتخاذِ قرار الحرب. كذلك: اللجوء إلى الحربِ أو الاستسلام لإغراء خَيَارِها، ضدّ طبيعة الدولة القومية الحديثة (المحبة للسلام)، حيث تعلن التزامها، عند التقدم بعضويتها في مجتمع الدول المتمدين، بإعلاء شأن الوسائل السلمية في حل خلافاتها الدوليّة.. ونبذ العنف.. والتهديد به.. والتحريض عليه، حفاظاً على استقرارِ النِّظامِ الدولي وأمنه.
كما أن قرارَ الحربِ، لا يعتمد فقط على موارد أطرافه، المحدودة بطبيعتها، لكنه يحتاج إلى مؤازرة، أو على الأقل تعاطف أطراف دولية. في بعضِ الدولِ، قرارُ الحربِ يخضعُ مؤسساتياً ودستورياً، لصيغةِ الفصلِ بين السلطات.
لكنه، مع تعقيد قرار اللجوء لخَيَارِ الحربِ.. ومحاذير الاستسلام لإغرائها، إلا أن الحربَ نفسها، لها منطقها الخاص، بل وإرادتها الذاتية المتولدة عن حركتها العنيفة، التي لا تخضع - بالضرورةِ - لإرادةِ مَنْ بدأ بشنها. مهما بلغت دقةُ حساباتِ أطراف الحرب بتقدير تكلفة قرارها، مقابل توقعات عائدها.. ومهما بلغ حرصُهم محاذيرَ الوقوع في معمعتها.. وعدم اكتمال إرادة تجربة خوضها لديهم، فإن الحربَ قد تكون بدايتها خارج إرادة أطرافها.. وبالقطعِ: نهايتُها بعيدةٌ عن إرادةِ مَنْ بدأَ بها. في خضمِ الترويج للحرب والتلويح بخيارها والتهديد بشنها، الحربُ قد تندلع فجأة، وبالصدفة البحتة، بعيداً عن إرادةِ أطرافها. كما أن الحربَ، متى أندلعت، مِنَ الصعبِ التحكم في حركتها.. دعك من إمكانية وضع نهاية زمنية لوضع أوزارها.. أو توقع نتيجتها.
مهما بلغت دقةُ حسابات أطراف الحرب.. ومهما بلغ حماسُهم لخوضها.. ومهما بلغ استعدادُهم وحشدهم لمواردها، فإن للحربِ نفسها القول الفصل في تحديدِ مسار عملياتها... والأخطر تحديدُ ساعة صمت مدافعها. تاريخياً: قرارُ الحربِ لطالما وقع في خطيئة الخطأ في الحسابات، سواء في تقديرِ مواردَ واستعداد وتصوّر سير عملياتها، من قِبَلِ من بدأ بها.. أو في تقديره لقوة وقدرة الخصم على المواجهة وخوض غِمَارِها والاستمرار فيها.. أو تقديرِ تكلفةِ وتبعاتِ ما يتمخض عنها من دمارٍ وأضرارٍ سياسيةٍ وإنسانية.
بالإضافة إلى أنه: مهما بلغت دقةُ حسابات مَنْ بدأ بالحربِ في قدرتهِ على خوضِها وكسبِها، إلا أنه لا يضمنُ استمرار مساعدة ودعم حلفائه الخارجيين وتعاطفهم معه. مع الوقت، وعندما تُثْخِنُ آلةُ الحربِ في مسرحِ عملياتها.. ويطولُ أمدُها.. وتزدادُ تكلفةُ الاستمرار فيها المادية والبشرية والسياسية والأخلاقية.. وتخرجُ عن نطاقِ الحساباتِ الأوليةِ لتكلفتِها.. ويبتعدُ توقعُ عائدها.. وتلوحُ في الأفقِ نذرُ فشلِها وربما خسارتها، أو على الأقل ابتعادُ تحقيق الهدف السياسي من شنها.. في تلك اللحظات الفارقة من تمكن الحرب نفسها من تحديدِ مصير حركتها، يظهرُ جلياً الخطأُ في الحسابات الأولية، التي قادت لاتخاذِ قرار الحربِ.. أو عدم التحكمِ في ساعةِ صفرِ انطلاقِها، في حالةِ اندلاعِ شرارتِها بعيداً عن إرادةِ أطرافِها.
الحربُ، باختصار: يستعصي حسابُ تكلفتها بدقة، ويستحيلُ توقع عائدها بثقة. في كثيرٍ من الأحيان: تتجاوز تكلفةُ الحربِ تقديراتها المادية والبشرية.. ويُتغاضى عن عبئِها السياسي والأخلاقي.. ويَصْعُبُ، إن لم يستحل، التَحكّمُ في حركتها الذاتية.. ولا يُركن إلى مواصلةِ دعم خَيَارِها، من قبل الأطراف الدولية، خاصةً: إذا طالَ أمدُ خوضها.. واستسلمَ أطرافُها لآليةِ حركتها الذاتية.
لكن: هل معنى ذلك أن الحربَ ليست ضرورية واللجوء لخيارِها ليس مشروعاً. الحربُ، في حقيقةِ الأمرِ، حقيقةٌ تاريخية.. وهي من أدواتِ مسيرة التاريخِ السرمدية، تماماً كما هي البراكين والزلازل والفيضانات، من معالمِ حياة كوكبِ الأرض. الحروبُ الفاصلةُ في التاريخ، كانت علاماتٍ فارقة في مسيرته، وانتقالُ الحضارة البشرية إلى مراتبَ أعلى في التقدمِ والابداعِ والسلام.
كما أن الاستعدادَ للحربِ وعدم إسقاطِ خيارِها ضرورةٌ لازمةٌ لاستقرارِ الدولة واستمرارها. الدول تُنْفِقُ الجزءَ الأكبرَ من مواردها لإشباعِ حاجات الأمن، وذلك لن يتأتى إلا ببناءِ جيشٍ قويٍ قادرٍ على حمايةِ الدولة والذودِ عن أمنِها. دولُ العالمِ ( الْيَوْمَ ) بها وزارة للدفاع.. ولم تَعُد هناك وزارات للحربِ، كما كان الأمرُ سابقاً.
الحربُ المشروعةُ، سياسياً وأخلاقياً وإنسانياً، هي الحربُ الدفاعية. هذا هو السبب القانوني الوحيد الذي يجيزُ (الْيَوْمَ) سياسياً وأخلاقياً للدولة اللجوء لخَيَارِ الحربِ (دفاعاً عن النّفْسِ). قد يُساء هذا الترخيصُ الوحيدُ للحربِ لشنِ العدوان، إلا أنه يبقى المبرر الوحيد لاحتمالِ لجوءِ الدولةِ للحربِ، من أجْلِ حمايةِ استقلالِها.. والذودِ عن مصالحِها.. وتحقيقِ المنعةَ اللازمةَ، لاستقرارِها.. وضمانِ استمرارِها وأمن مواطنيها وحريتهم وخصوصية طريقة عيشهم.
الحربُ خيارٌ صعبٌ ومكْلِفٌ ويَصْعُبُ توقعُ نتائجها.. أو التّحكّمُ في حركَتِها، إلا أنها (أحياناً) لا مفرّ مِنْهَا.
* كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com
الحربُ لا تُشَنُّ، في كثيرٍ من الحالات، فجأة وبدون مقدمات. هناك مؤشرات ومقدمات، يفرضها منطقُ الحربِ نفسها.. وطبيعة الطاقة العنيفة المتولدة من حركتها. كما أن هناك محاذير سياسية وأخلاقية وقانونية تتحكم في اتخاذِ قرار الحرب. كذلك: اللجوء إلى الحربِ أو الاستسلام لإغراء خَيَارِها، ضدّ طبيعة الدولة القومية الحديثة (المحبة للسلام)، حيث تعلن التزامها، عند التقدم بعضويتها في مجتمع الدول المتمدين، بإعلاء شأن الوسائل السلمية في حل خلافاتها الدوليّة.. ونبذ العنف.. والتهديد به.. والتحريض عليه، حفاظاً على استقرارِ النِّظامِ الدولي وأمنه.
كما أن قرارَ الحربِ، لا يعتمد فقط على موارد أطرافه، المحدودة بطبيعتها، لكنه يحتاج إلى مؤازرة، أو على الأقل تعاطف أطراف دولية. في بعضِ الدولِ، قرارُ الحربِ يخضعُ مؤسساتياً ودستورياً، لصيغةِ الفصلِ بين السلطات.
لكنه، مع تعقيد قرار اللجوء لخَيَارِ الحربِ.. ومحاذير الاستسلام لإغرائها، إلا أن الحربَ نفسها، لها منطقها الخاص، بل وإرادتها الذاتية المتولدة عن حركتها العنيفة، التي لا تخضع - بالضرورةِ - لإرادةِ مَنْ بدأ بشنها. مهما بلغت دقةُ حساباتِ أطراف الحرب بتقدير تكلفة قرارها، مقابل توقعات عائدها.. ومهما بلغ حرصُهم محاذيرَ الوقوع في معمعتها.. وعدم اكتمال إرادة تجربة خوضها لديهم، فإن الحربَ قد تكون بدايتها خارج إرادة أطرافها.. وبالقطعِ: نهايتُها بعيدةٌ عن إرادةِ مَنْ بدأَ بها. في خضمِ الترويج للحرب والتلويح بخيارها والتهديد بشنها، الحربُ قد تندلع فجأة، وبالصدفة البحتة، بعيداً عن إرادةِ أطرافها. كما أن الحربَ، متى أندلعت، مِنَ الصعبِ التحكم في حركتها.. دعك من إمكانية وضع نهاية زمنية لوضع أوزارها.. أو توقع نتيجتها.
مهما بلغت دقةُ حسابات أطراف الحرب.. ومهما بلغ حماسُهم لخوضها.. ومهما بلغ استعدادُهم وحشدهم لمواردها، فإن للحربِ نفسها القول الفصل في تحديدِ مسار عملياتها... والأخطر تحديدُ ساعة صمت مدافعها. تاريخياً: قرارُ الحربِ لطالما وقع في خطيئة الخطأ في الحسابات، سواء في تقديرِ مواردَ واستعداد وتصوّر سير عملياتها، من قِبَلِ من بدأ بها.. أو في تقديره لقوة وقدرة الخصم على المواجهة وخوض غِمَارِها والاستمرار فيها.. أو تقديرِ تكلفةِ وتبعاتِ ما يتمخض عنها من دمارٍ وأضرارٍ سياسيةٍ وإنسانية.
بالإضافة إلى أنه: مهما بلغت دقةُ حسابات مَنْ بدأ بالحربِ في قدرتهِ على خوضِها وكسبِها، إلا أنه لا يضمنُ استمرار مساعدة ودعم حلفائه الخارجيين وتعاطفهم معه. مع الوقت، وعندما تُثْخِنُ آلةُ الحربِ في مسرحِ عملياتها.. ويطولُ أمدُها.. وتزدادُ تكلفةُ الاستمرار فيها المادية والبشرية والسياسية والأخلاقية.. وتخرجُ عن نطاقِ الحساباتِ الأوليةِ لتكلفتِها.. ويبتعدُ توقعُ عائدها.. وتلوحُ في الأفقِ نذرُ فشلِها وربما خسارتها، أو على الأقل ابتعادُ تحقيق الهدف السياسي من شنها.. في تلك اللحظات الفارقة من تمكن الحرب نفسها من تحديدِ مصير حركتها، يظهرُ جلياً الخطأُ في الحسابات الأولية، التي قادت لاتخاذِ قرار الحربِ.. أو عدم التحكمِ في ساعةِ صفرِ انطلاقِها، في حالةِ اندلاعِ شرارتِها بعيداً عن إرادةِ أطرافِها.
الحربُ، باختصار: يستعصي حسابُ تكلفتها بدقة، ويستحيلُ توقع عائدها بثقة. في كثيرٍ من الأحيان: تتجاوز تكلفةُ الحربِ تقديراتها المادية والبشرية.. ويُتغاضى عن عبئِها السياسي والأخلاقي.. ويَصْعُبُ، إن لم يستحل، التَحكّمُ في حركتها الذاتية.. ولا يُركن إلى مواصلةِ دعم خَيَارِها، من قبل الأطراف الدولية، خاصةً: إذا طالَ أمدُ خوضها.. واستسلمَ أطرافُها لآليةِ حركتها الذاتية.
لكن: هل معنى ذلك أن الحربَ ليست ضرورية واللجوء لخيارِها ليس مشروعاً. الحربُ، في حقيقةِ الأمرِ، حقيقةٌ تاريخية.. وهي من أدواتِ مسيرة التاريخِ السرمدية، تماماً كما هي البراكين والزلازل والفيضانات، من معالمِ حياة كوكبِ الأرض. الحروبُ الفاصلةُ في التاريخ، كانت علاماتٍ فارقة في مسيرته، وانتقالُ الحضارة البشرية إلى مراتبَ أعلى في التقدمِ والابداعِ والسلام.
كما أن الاستعدادَ للحربِ وعدم إسقاطِ خيارِها ضرورةٌ لازمةٌ لاستقرارِ الدولة واستمرارها. الدول تُنْفِقُ الجزءَ الأكبرَ من مواردها لإشباعِ حاجات الأمن، وذلك لن يتأتى إلا ببناءِ جيشٍ قويٍ قادرٍ على حمايةِ الدولة والذودِ عن أمنِها. دولُ العالمِ ( الْيَوْمَ ) بها وزارة للدفاع.. ولم تَعُد هناك وزارات للحربِ، كما كان الأمرُ سابقاً.
الحربُ المشروعةُ، سياسياً وأخلاقياً وإنسانياً، هي الحربُ الدفاعية. هذا هو السبب القانوني الوحيد الذي يجيزُ (الْيَوْمَ) سياسياً وأخلاقياً للدولة اللجوء لخَيَارِ الحربِ (دفاعاً عن النّفْسِ). قد يُساء هذا الترخيصُ الوحيدُ للحربِ لشنِ العدوان، إلا أنه يبقى المبرر الوحيد لاحتمالِ لجوءِ الدولةِ للحربِ، من أجْلِ حمايةِ استقلالِها.. والذودِ عن مصالحِها.. وتحقيقِ المنعةَ اللازمةَ، لاستقرارِها.. وضمانِ استمرارِها وأمن مواطنيها وحريتهم وخصوصية طريقة عيشهم.
الحربُ خيارٌ صعبٌ ومكْلِفٌ ويَصْعُبُ توقعُ نتائجها.. أو التّحكّمُ في حركَتِها، إلا أنها (أحياناً) لا مفرّ مِنْهَا.
* كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com