محمد الرميحي: وقعت في قدر الهريس صغيراً .. والديوانية محطة الأخبار المخفيّة
الخميس / 25 / رمضان / 1440 هـ الخميس 30 مايو 2019 02:34
علي الرباعي (جدة) Okaz_online@
يعد الدكتور محمد غانم الرميحي أحد علماء الاجتماع، إلا أنه يجمع بين التخصصية الأكاديمية والعشق البحثي والثقافة، إذ سبق أن رأس مجلة العربي، وتولى أمانة المجلس الوطني للثقافة والآداب، إضافة إلى عمله في جامعة الكويت أستاذا ومساعد عميد ورئيس قسم. وبرغم صرامة منهجه وجديّة حياته إلا أن له وجها اجتماعيا مرحا، يعلق به من عرفه عن قرب وهنا نص مسامرتنا معه:
• من تفتقد في رمضان؟
• • أفتقد بعض الأصدقاء الذين رحلوا إلى بارئهم، وفي المواسم يتذكر الإنسان هؤلاء الأصدقاء والرفاق وأفراد العائلة بكل احترام، ويوقن أن هذه الدار فانية ولا يبقى منها إلا الذكر الحسن.
• ماذا تبقى في ذاكرة الطفولة من رمضانات سلفت؟
• • في ذاكرتي رمضان وأنا طفل وكانت الأم وقتها هي التي تقوم بأعمال المنزل، فتطبخ وتخبز خبز الرقاق (لزوم التشريبة) كما نقول هنا، وبالتالي يشتعل المنزل قبل ساعات الإفطار بما يشبه خلية نحل، وأنا أتحدث عن منزلنا الذي كان يضم وقتها أسرة ممتدة (إخواني وزوجاتهم بجانب الوالد والوالدة)، وكنت الصغير (آخر العنقود) كما يقال، في تلك الأيام وقبل وصول (المساعدين في البيت) بل وحتى قبل دخول الكهرباء! والماء المسال، فكان (الكندري) جالب الماء يصل وسط الكثير من الاحتفال، ربما كنا محظوظين بتوفر (بئر) في وسط المنزل، إلا أن الحاجة لماء الشرب كانت أساسية، ومما أذكر أنني ذات مرة وقعت في قِدر (الهريس) وأنا ألهو حول أمي وزوجات إخواني وكانت واقعة تذكرها العائلة لسنوات طويلة، وكنت أشتهي (الحنوة) وهي قرص الرقاق الصغير والمكسور عليه بيضة وهو هدية الوالدة لي بعد أن تنتهي من (التاوة) وهي قطعة الصاج التي تنضج الخبز الذي تنبعث منه رائحة شهية.
• طبق يلازم مائدتك؟
•• لا أشترط نوعا من الطعام بعينه على المائدة فكل ما يوضع بالنسبة لي يؤكل، وكان هناك نوعان من الطعام (التشريبة) أو (القريد) وهو خبز الرقاق مع المرق واللحمة، وكان هناك طبق (الهريس) ذلك كان التقليد في الماضي مع شيء من الحلو (المحلبية)؛ وهي تصنع من النشا أو مطحون الدقيق، أما مع تقدم (الرفاه) فقد تحول الأمر. ولم يكن تناول السمك تقليدا محببا في رمضان، أما مع تقدم الزمن فقد سمح بالسمك وأنواع جديدة من المأكولات جاءت بها العولة!
• أيهما الأقرب لك نهار رمضان أم عشياته؟
•• مساء رمضان له طعم خاص في الكويت بوجود الديوانية فهي ملتقى ومكان للمباركة وهي أيضا محطة لسماع الأخبار التي لا تنشر أو تذاع، في يوم رمضاني عادي أتفرغ للقراءة في السنوات الأخيرة وفي المساء زيارة الديوانيات، وكل مجموعة لها عدد من الديوانيات أنا أذهب بشكل منتظم لعدد منها، في الأسبوع الأول وربما حتى الثاني فإن المباركة هي الأساس، ولكني في حالتي فإن الذهاب إلى ديوانية بعد الحادية عشرة مع أصدقاء عادة مستمرة ربما منذ نصف قرن، وعادة في كل ليلة بعد السمر في هذه الديوانية نتسحر جميعا ثم نعود إلى البيوت.
• ماذا عن إمكانية الانقطاع عن مواقع التواصل في رمضان؟
•• التواصل الاجتماعي مشكلة وفرصة، خصوصاً في رمضان والمناسبات، تأتيك عشرات التهاني وتنهال عليك وعليك أن ترد عليها، بعضها لا أكثر من (قص ولصق) دون عاطفة تذكر أو كلمات لها معنى، هي آفة العصر نكرهها ونحبها، وأكثر ما يزعجني صور التهاني التي هي مفرغة من المشاعر.
• ما الموسيقى العالقة في الذاكرة منذ زمن ولم تبرحها؟
•• ربما أغنيتان (أهلا رمضان) في الأيام الأولى، وليلة العيد (يا ليلة العيد آنستينا) كلاهما لسيدة الغناء أم كلثوم.
• كم فاتورة مقاضي رمضان؟
•• لا أذهب للسوق لتأمين المقاضي الرمضانية، ولا أذكر طوال حياتي أني جلست في مقهى.
• إلام يتجه مؤشر بوصلة إفطار رمضان؟
•• الفطور خارج المنزل لا أحبه وأتردد في قبول دعوات الإفطار، بل هي ثقيلة في تصوري لأن الإفطار في المنزل له (راحته) وله (رائحته)، عند الضرورة أذهب إلى دعوة ولكني مقل جدا جدا.
• ماذا يشدك على الشاشة عقب الإفطار؟
•• في الكثير من الأوقات أتابع المسلسلات العربية ذات المعنى وأكتب عن بعضها، لقد تحولت الثقافة الرمضانية العربية من (استعراضات) في السابق إلى مسلسلات اليوم، كما أن وفرة الأجهزة الحديثة مثل (الآي باد) سهل متابعة المسلسلات، فما هي إلا أيام حتى يعرض عليك أكثر من موقع متابعة المسلسل وأنت تختار الوقت، كل شيء حولنا يتغير.
• أي مدينة تستهويك للصوم فيها؟
•• الإنسان بطبعه (ألوف) ألا تذكر البيت الجميل للمتنبي (خلقت الوفا لو رجعت إلى الصبا، لفارقت شيبي موجع القلب باكيا) الإنسان يألف ما عاش فيه وحوله، وعادة أنا لا أترك الكويت في رمضان بسبب الأجواء التي ذكرت ولو سافرت مضطراً فإن ذلك عليّ لمن أشقّ الأمور!
• هل بزيادة التعبد في رمضان يرتفع مؤشر التديّن؟
•• مؤشر التدين أصلا عندنا مرتفع وذلك بسبب جهلنا بديننا، فهو دين يحث على الحياة وعمارة الأرض، بل إن كل ما يثاب عليه المسلم في الآخرة هو ما فعله أو عمله في الدنيا، تلك حقيقة ثابتة في النصوص وفي التراث، ولكن بسبب الجهل فقد تقدمت فكرة ازدراء الدنيا توقا للآخرة، وهي فلسفة معاكسة في نظري لمبادئ الدين الإسلامي.
• كيف تقرأ اعتقاد البعض ببركة الموت في رمضان؟
•• الحياة والموت بيد الله جل قدرته، ويثاب المرء على قدر ونوع عمله لا على توقيت وفاته!
• متى تتشوق للذهاب للمطاعم؟
•• لا أذهب إلى المطاعم في رمضان إلا في القليل النادر وتحت اضطرار كبير، جو المنزل هو المكان المريح.
• ما الذي يفتح نوافذ الحنين على قلبك (ورد، رسالة، أغنية، ذكرى)؟
•• ما يفتح على قلبي نوافذ الحنين كلمات أمير الشعراء شوقي وصوت عبد الوهاب في (مضناك جفاه مرقده) أليس ذلك جميلا وكافياً لفتح النوافذ والأبواب على القلب لإغناء الروح.
• من تفتقد في رمضان؟
• • أفتقد بعض الأصدقاء الذين رحلوا إلى بارئهم، وفي المواسم يتذكر الإنسان هؤلاء الأصدقاء والرفاق وأفراد العائلة بكل احترام، ويوقن أن هذه الدار فانية ولا يبقى منها إلا الذكر الحسن.
• ماذا تبقى في ذاكرة الطفولة من رمضانات سلفت؟
• • في ذاكرتي رمضان وأنا طفل وكانت الأم وقتها هي التي تقوم بأعمال المنزل، فتطبخ وتخبز خبز الرقاق (لزوم التشريبة) كما نقول هنا، وبالتالي يشتعل المنزل قبل ساعات الإفطار بما يشبه خلية نحل، وأنا أتحدث عن منزلنا الذي كان يضم وقتها أسرة ممتدة (إخواني وزوجاتهم بجانب الوالد والوالدة)، وكنت الصغير (آخر العنقود) كما يقال، في تلك الأيام وقبل وصول (المساعدين في البيت) بل وحتى قبل دخول الكهرباء! والماء المسال، فكان (الكندري) جالب الماء يصل وسط الكثير من الاحتفال، ربما كنا محظوظين بتوفر (بئر) في وسط المنزل، إلا أن الحاجة لماء الشرب كانت أساسية، ومما أذكر أنني ذات مرة وقعت في قِدر (الهريس) وأنا ألهو حول أمي وزوجات إخواني وكانت واقعة تذكرها العائلة لسنوات طويلة، وكنت أشتهي (الحنوة) وهي قرص الرقاق الصغير والمكسور عليه بيضة وهو هدية الوالدة لي بعد أن تنتهي من (التاوة) وهي قطعة الصاج التي تنضج الخبز الذي تنبعث منه رائحة شهية.
• طبق يلازم مائدتك؟
•• لا أشترط نوعا من الطعام بعينه على المائدة فكل ما يوضع بالنسبة لي يؤكل، وكان هناك نوعان من الطعام (التشريبة) أو (القريد) وهو خبز الرقاق مع المرق واللحمة، وكان هناك طبق (الهريس) ذلك كان التقليد في الماضي مع شيء من الحلو (المحلبية)؛ وهي تصنع من النشا أو مطحون الدقيق، أما مع تقدم (الرفاه) فقد تحول الأمر. ولم يكن تناول السمك تقليدا محببا في رمضان، أما مع تقدم الزمن فقد سمح بالسمك وأنواع جديدة من المأكولات جاءت بها العولة!
• أيهما الأقرب لك نهار رمضان أم عشياته؟
•• مساء رمضان له طعم خاص في الكويت بوجود الديوانية فهي ملتقى ومكان للمباركة وهي أيضا محطة لسماع الأخبار التي لا تنشر أو تذاع، في يوم رمضاني عادي أتفرغ للقراءة في السنوات الأخيرة وفي المساء زيارة الديوانيات، وكل مجموعة لها عدد من الديوانيات أنا أذهب بشكل منتظم لعدد منها، في الأسبوع الأول وربما حتى الثاني فإن المباركة هي الأساس، ولكني في حالتي فإن الذهاب إلى ديوانية بعد الحادية عشرة مع أصدقاء عادة مستمرة ربما منذ نصف قرن، وعادة في كل ليلة بعد السمر في هذه الديوانية نتسحر جميعا ثم نعود إلى البيوت.
• ماذا عن إمكانية الانقطاع عن مواقع التواصل في رمضان؟
•• التواصل الاجتماعي مشكلة وفرصة، خصوصاً في رمضان والمناسبات، تأتيك عشرات التهاني وتنهال عليك وعليك أن ترد عليها، بعضها لا أكثر من (قص ولصق) دون عاطفة تذكر أو كلمات لها معنى، هي آفة العصر نكرهها ونحبها، وأكثر ما يزعجني صور التهاني التي هي مفرغة من المشاعر.
• ما الموسيقى العالقة في الذاكرة منذ زمن ولم تبرحها؟
•• ربما أغنيتان (أهلا رمضان) في الأيام الأولى، وليلة العيد (يا ليلة العيد آنستينا) كلاهما لسيدة الغناء أم كلثوم.
• كم فاتورة مقاضي رمضان؟
•• لا أذهب للسوق لتأمين المقاضي الرمضانية، ولا أذكر طوال حياتي أني جلست في مقهى.
• إلام يتجه مؤشر بوصلة إفطار رمضان؟
•• الفطور خارج المنزل لا أحبه وأتردد في قبول دعوات الإفطار، بل هي ثقيلة في تصوري لأن الإفطار في المنزل له (راحته) وله (رائحته)، عند الضرورة أذهب إلى دعوة ولكني مقل جدا جدا.
• ماذا يشدك على الشاشة عقب الإفطار؟
•• في الكثير من الأوقات أتابع المسلسلات العربية ذات المعنى وأكتب عن بعضها، لقد تحولت الثقافة الرمضانية العربية من (استعراضات) في السابق إلى مسلسلات اليوم، كما أن وفرة الأجهزة الحديثة مثل (الآي باد) سهل متابعة المسلسلات، فما هي إلا أيام حتى يعرض عليك أكثر من موقع متابعة المسلسل وأنت تختار الوقت، كل شيء حولنا يتغير.
• أي مدينة تستهويك للصوم فيها؟
•• الإنسان بطبعه (ألوف) ألا تذكر البيت الجميل للمتنبي (خلقت الوفا لو رجعت إلى الصبا، لفارقت شيبي موجع القلب باكيا) الإنسان يألف ما عاش فيه وحوله، وعادة أنا لا أترك الكويت في رمضان بسبب الأجواء التي ذكرت ولو سافرت مضطراً فإن ذلك عليّ لمن أشقّ الأمور!
• هل بزيادة التعبد في رمضان يرتفع مؤشر التديّن؟
•• مؤشر التدين أصلا عندنا مرتفع وذلك بسبب جهلنا بديننا، فهو دين يحث على الحياة وعمارة الأرض، بل إن كل ما يثاب عليه المسلم في الآخرة هو ما فعله أو عمله في الدنيا، تلك حقيقة ثابتة في النصوص وفي التراث، ولكن بسبب الجهل فقد تقدمت فكرة ازدراء الدنيا توقا للآخرة، وهي فلسفة معاكسة في نظري لمبادئ الدين الإسلامي.
• كيف تقرأ اعتقاد البعض ببركة الموت في رمضان؟
•• الحياة والموت بيد الله جل قدرته، ويثاب المرء على قدر ونوع عمله لا على توقيت وفاته!
• متى تتشوق للذهاب للمطاعم؟
•• لا أذهب إلى المطاعم في رمضان إلا في القليل النادر وتحت اضطرار كبير، جو المنزل هو المكان المريح.
• ما الذي يفتح نوافذ الحنين على قلبك (ورد، رسالة، أغنية، ذكرى)؟
•• ما يفتح على قلبي نوافذ الحنين كلمات أمير الشعراء شوقي وصوت عبد الوهاب في (مضناك جفاه مرقده) أليس ذلك جميلا وكافياً لفتح النوافذ والأبواب على القلب لإغناء الروح.