كتاب ومقالات

المادة التي شغلت الناس

الشريف خالد بن هزاع بن زيد

منذ أن صدرت تعديلات نظام العمل بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم م/‏46 وتاريخ 5/‏6/‏1436هـ، والمادة 77 محور نقاشٍ لا يتوقف بين المعنيين والمهتمين، ومثار قلق بين الموظفين والعمال وخصوصاً السعوديين، إلى درجة أنها أصبحت بمثابة الشبح الذي يطاردهم في يقظتهم وسباتهم!

كانت هذه المادة قبل تعديلها تنص على أنه (إذا أُنهي العقد لسبب غير مشروع، كان للطرف الذي أصابه ضرر من هذا الإنهاء الحق في تعويض تقدره هيئة تسوية الخلافات العمالية، يراعى فيه ما لحقه من أضرار مادية وأدبية حالة واحتمالية وظروف الإنهاء).. فأصبحت بهذا النص (ما لم يتضمن العقد تعويضاً محدداً مقابل إنهائه من أحد الطرفين لسبب غير مشروع يستحق الطرف المتضرر من إنهاء العقد تعويضاً على النحو الآتي:

1- أجر 15 يوماً على كل سنة من سنوات خدمة العامل، إذا كان العقد غير محدد المدة.

2- أجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة.

3- يجب ألا يقل التعويض المشار إليه في الفقرتين 1 و 2 من هذه المادة عن أجر العمل لمدة شهرين

فهذه المادة بصياغتها القائمة، وفي ظل إلغاء المادة 78 السابقة، التي تتضمن أنه يجوز للعامل الذي يفصل من عمله بغير سبب مشروع أن يطلب إعادته إلى العمل؛ تكرّس ضمناً للإنهاء غير المشروع الذي هو فصلٌ تعسفي بالنسبة للعامل في كل الأحوال وإلا ماذا يكون؟ فهي إن لم تكن قد ألغت معيار المشروعية ذاته في إنهاء العقد، فقد يسّرت السبيل إلى خرق هذا المعيار من خلال عدم مساءلة صاحب العمل الذي ينهي العقد لسبب غير مشروع إلا عن قيمة التعويض المقرر بموجب المادة.

يطرح البعض حجة تدعم هذا التوجه مفادها؛ أن تمكين العامل المُنهى عقده لسبب غير مشروع من العودة إلى العمل بحكم قضائي، ورغماً عن إرادة صاحب العمل، سيجعل العلاقة بينهما تسوء إلى الحد الذي ينعدم فيه الاستقرار الوظيفي للعامل، ويؤثر على مصالح صاحب العمل، إلا أن هذا - وإن كان واقعاً - ليس مبرراً قانونياً لإلغاء أو إضعاف ضابط توافر السبب المشروع لإنهاء العقد، لأنه باختصار يخرج عن دائرة العدالة التي يهدف إليها القانون وعما هو مستقر قانوناً، فضلاً عن أن هذه الحجة لا تنطبق على الموظفين والعمال السعوديين الذين يعملون في الهيئات والمؤسسات الحكومية، أو الذين أسبغت الأنظمة عليهم صفة الموظف العمومي، فالمصلحة التي تعمل لتحقيقها هذه الجهات مصلحة عامة وليست مصلحة خاصة.

حتى لو ساءت العلاقة بين المسؤول في هذه الهيئات والمؤسسات، وبين الموظف أو العامل فيها! فالمسؤول فيها ممثلٌ لصاحب العمل وليس صاحب العمل ذاته الذي هو الحكومة، وقد يكون العمر الوظيفي للموظف أو العامل فيها أطول من العمر الوظيفي لذلك المسؤول. في تقديري أن هذه الحجة تقتصر على أصحاب العمل الطبيعيين والاعتباريين في القطاع الخاص التقليدي دون غيرهم، وربما صيغت المادة على هذا الأساس، وبالتالي لا يمكن أن تكون أساساً لقاعدة قانونية تتسم بالعمومية والتجريد.

أمر آخر، هو أن هذه المادة ساوت بين المراكز القانونية للعامل وصاحب العمل، على رغم التباين الكبير بينهما، فالعامل هو الطرف الأضعف في العلاقة العمالية، وبالتالي لا يمكن مساواته بصاحب العمل (الطرف الأقوى)، سواء في الحكم أم في الجزاء المترتب عن الإنهاء غير المشروع للعقد، لاسيما وأن المادة جعلت أجر العامل معياراً في تقدير التعويض، هذا إضافة إلى أن العامل - في الغالب - ليس في مركزٍ تفاوضي يمكنه من فرض شرط جزائي في العقد على صاحب العمل في حال إنهائه العقد لسبب غير مشروع.

كما أن هذه المادة بتحديدها قيمة التعويض، تخالف القواعد العامة التي توجب أن يُراعى في تقدير التعويض الضرر الذي لحق بالمضرور، فالمادة حددت مقدار التعويض بطريقة عشوائية، وبصياغة جامدة لا تراعي الأضرار المادية والأدبية، فماذا لو كان ما لحق العامل الذي أُنهي عقده لسبب غير مشروع من خسارة أو ما فاته من ربح يفوق مقدار التعويض المقرر فيها؟! وهذا ما يحدث في الغالب، خصوصاً إذا كانت سنوات خدمة العامل قليلة، ليس هذا فحسب، فالمادة خرجت عما هو مستقر قانوناً أيضاً من خلال انتزاع سلطة تقدير التعويض من القاضي

يضاف إلى ما تقدم، أن الحكم الوارد في المادة 77 لا ينسجم مع ما أُلتزم به من اتفاقات إقليمية ودولية، من أبرزها الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والاتفاق الدولي للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فضلاً عن اتفاقات منظمة العمل ذات العلاقة، سواء من ناحية توفير فرص العمل، وشروطه العادلة والمُرضية، أم من ناحية مكافحة التمييز العنصري أو التمييز على أساس الجنس في العمل، إذ إنها تكرّس البطالة، وتتضمن شروطاً غير عادلة وغير مُرضية، إضافة إلى أن الإنهاء غير المشروع قد يكون لأسباب تمييزية

الحل بسيط جداً، وهو العدول عن هذا التوجه بإعادة المادة 78 السابقة الملغاة، وتعديل المادة 77 بالقدر الذي يتلافى الإشكالات التي ذكرت بعضها، أو بإلغائها، لاسيما وأن من التزامات وأهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030 خفض معدل البطالة، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل.