كتاب ومقالات

إيران .. ورطة الناقلتين وفقدان ميزة المناورة !

نجيب يماني

لم أستطع فهم «الحماقة» الجديدة التي أقدم عليها النظام الإيراني الذي دمر بلاده وناسه بعد أربعين عاما من الثورة الخمينية سلطة مطلقة تحبس المجتمع وتحسب عليه أنفاسه بعد أن تخلصت من كافة المعارضين لها ثم اهتمت بتصدير ثورة فاشلة وأهملت الداخل حتى أصبح كورقة في مهب الريح، هذا النظام الأحمق استهدف ناقلتي نفط في خليج عمان، وتولى الحرس الثوري تنفيذ هذه المهمة، مما يؤكد أن نظام الملالي بدأ الدخول فعلياً في مرحلة «الانتحار»، فقد خالفت هذه العمليات ما درج عليه النظام من إشعال بؤر الصراع بالوكالة، من خلال الجيوب والذيول التي صنعها في المحيط حوله، وبخاصة الخليجي العربي، من خلال حزب الله في لبنان، وجماعة الحوثي الإرهابية في اليمن، غير غافلين بالطبع عن مشاركته المؤثرة في تأجيج الأزمة في سورية، وتدمير العراق، وامتداد أيادي العبث في مملكة البحرين، وغير ذلك مما هو مشاهد ومعروف ومثبت من نشاطه الخبيث، ودوره في إشعال نار الفتن والصراعات الدموية.

لقد ظل النظام الإيراني يقوم بهذه الأدوار عبر «الريموت كنترول»، محتفظاً بـ«ساتر من ذرائع الإنكار» تمنحه فرص المناورة والاستفادة من حالة التوازنات العالمية بين الأقطاب المتعددة، واللعب على وتر المصالح، بما حقق له النجاة والإفلات من العقوبات، برغم توفر القرائن الموصلة إليه بوصفه الفاعل والمحرك لكافة الأزمات التي عصفت بمنطقة الخليج مؤخراً، هذه الحالة أعطت الغطاء لهذا النظام المأفون ليستمر في هذا المسلك المهدد لجيرانه، والباعث على القلق عالمياً، لما تشكله منطقة الخليج من بعد إستراتيجي كبير لكافة دول العالم، يتصل بشكل أساسي بالبعد الاقتصادي المنظور في موارد الطاقة التي يعتمد عليها العالم بنسب متفاوتة، ولا يجد عنها بديلاً.

غير أن «نظام الملالي» قد فقد هذه الميزة في حادثة استهداف ناقلتي النفط بسبب مشاركة عناصر الحرس الثوري بنفسها في ارتكاب هذه الحماقة، التي لا تنفصل عن الحماقات التي ظل يرتكبها هذا النظام، على الرغم من أن التدبير لها يحمل البصمات الإيرانية بامتياز؛ وكان من الممكن أن تظل هذه الحادثة حبيسة في دائرة الاتهام والشك غير المكتمل الأركان ليصبح تهمة في وجه النظام، لولا الرصد التوثيقي الأمريكي للحادثة، بما يفسر السرعة التي اتهمت بها الإدارة الأمريكية الجانب الإيراني، على أعلى مستوياتها ممثلة في الرئيس الأمريكي ونائبه ووزارة الدفاع، وكل منظومة الإدارة الأمريكية، وتبعتها في ذلك بريطانيا، معضدة للجانب الأمريكي، عبر موثوقية التسجيل، وبظني أن الجانب الأمريكي أراد من خلال نشر الفيديو المصور، بهذه السرعة، أن يقطع الطريق على النظام الإيراني وحلفائه من ممارسة ذات الأسلوب المراوغ القديم، وبخاصة روسيا، بوصفها الحليف المساند للنظام الإيراني في كل ما يقوم بهم من مآثم وجرائم في المنطقة، فلم تجد أمام هذا الدليل المادي سوى الاكتفاء باعتراف مفخخ تولت إعلانه وزارة خارجيتها بالقول: «ندين بشدة هذه الهجمات بغض النظر عن المسؤول عنها، لكن من الضروري الامتناع عن استخدام نتائج متسرعة»! لتمضي في ذات النهج المستغل لعامل الوقت بحثاً عن تمرير أجندة المصالح وتغليبها من تحت الطاولة بالقول: «من غير المقبول اتهام أي جهة بأنها على علاقة بهذا الحادث حتى يتم الانتهاء من تحقيق دولي شامل وحيادي».

إن هذا المجتزأ من بيان الخارجية الروسية هو الذي مكّن النظام الإيراني من اقتراف كثير من المآثم، والخروج منها نظيف اليدين في الظاهر، برغم كل المؤشرات والدلائل على تورطه فيها، وليس آخرها قصف مطار أبها الدولي بمقذوفات إيرانية الصنع، وادعاء جماعة الحوثي الإرهابية أنها الجهة المصنعة، وكان يمكن لحادثة استهداف ناقلتي النفط أن تمر من ذات الثقب إذا ما استبعدنا التوثيق الأمريكي، ونظرنا إلى الترتيب التآمري الخبيث الذي زاملها، فالعملية تمت في جنح الظلام؛ بما يوفر غطاء الستر والتحرك بأريحية تضمن على الأقل حالة من التشكيك في مقترفها دون القطع والجزم بفاعلها، مقروناً ذلك مع الإشارة إلى أن إحدى الناقلتين تابعة لشركة يابانية، والرئيس الياباني في لحظة استهداف الناقلة في زيارة رسمية لإيران، والغاية خفض التوتر والتوسط بينها وبين الإدارة الأمريكية، فمن غير المنطقي أن يستهدف النظام الإيراني ناقلة لبلد يحل رئيسها ضيفاً عليها، بكل مسعاه النبيل.. هذا ما كان مرجحاً ومتوقعاً أن يذهب إليه الرأي العالمي ويضعه أمام اعتقاد راسخ باستبعاد الاستهداف من قبل إيران لانتفاء المسوغات المنطقية لذلك.. كل هذا كان محتملاً بذات التخطيط الإيراني الخبيث القديم.. لكن واقع الحال في هذه الحادثة غيره في مثيلاتها.. بما يضع النظام الإيراني والمحيط الإقليمي لها والعالم أجمع أمام وضع متغير جديد، يدفع بآفاق الحل إلى البحث عن نهايات منطقية توقف هذا العبث عند حده، وتتجاوز دوائر المصالح الآنية، والتكتيكات المرحلية، إلى استشعار هذا الخطر الداهم، الذي يتجاوز في نواتجه منطقة الخليج إلى العالم كله، وقد بات تدفق النفط في خطر حقيقي عند مروره بمضيق يتحكم فيه الملالي!

* كاتب سعودي