علم النفس السياسي
السبت / 26 / شوال / 1440 هـ السبت 29 يونيو 2019 04:07
محمد مفتي
علم النفس السياسي هو أحد العلوم الاجتماعية الشهيرة متعددة التخصصات، التي تعتمد على فهم السلوك السياسي من منظور نفسي، وهو بهذا -كعلم النفس- يُعنى بفهم العلاقات بين أفراد المجتمع وبين واقعهم السياسي، ويهتم بتحليل العلاقات السياسية وتفسير طرق تكوين السياسات الداخلية والخارجية، ودور وسائل الإعلام في تشكيل التوجهات السياسية، وفي اعتقادي أنه يمكن الاستعانة بهذا العلم لتفسير الأزمة الأخيرة المندلعة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وبين نظام طهران وذيوله من جهة ثانية.
في ظل التوتر العارم المتفاقم يوماً بعد يوم قد يصل المتتبع لتلك الأحداث والتصريحات المتبادلة لنوع من الذهول والشعور البالغ بحدة التناقض، ففي الوقت الذي استفاضت فيه الولايات المتحدة في تحذير طهران من العواقب الوخيمة، نجد التصريحات الإيرانية تتمادى في التلويح بإغراق المنطقة في حرب ضروس، حتى يكاد المتابع لتلك التصريحات يشعر وكأن الصراع يكاد أن يندلع بين قوتين متكافئتين، سواء عسكرياً أو تكنولوجياً!
تعلم إيران، أنه مهما بلغ حجم تقدمها في صناعة السلاح وفي مجال تطويره فلن تضاهي أبداً الولايات المتحدة، وبخلاف ذلك، فإن إيران دولة منهكة ومحاصرة اقتصادياً ودولياً، ولا تقوى بأي صورة من الصور على تحمل تكاليف الحرب أو دفع فاتورتها طويلة الأجل، فالحرب بين طهران وبين الولايات المتحدة ليست بين دولتين فقط، بل هي حرب بين دولة مارقة مصرة على تعكير صفو السلم الدولي العام، وبين مجتمع دولي متحد ضدها ومجمع على ضرورة تهذيب سلوكياتها.
اعتقدَ الإيرانيون بأن تراجع الرئيس ترمب يصب في خانة الخوف من الصراع مع إيران! ولا أظن أنني بحاجة إلى توضيح أن أسباب هذا التراجع عديدة، ويعود أغلبها لأسباب داخلية تخص الجانب الأمريكي، فمن المؤكد أن الرئيس ترمب لا يريد توجيه ضربة عسكرية تخلف خسائر بشرية كبيرة يمكن أن تُستغل لتشويه صورته في الانتخابات الرئاسية القادمة، وقد يكون ترمب مقتنعاً بالفعل بأن العقوبات الاقتصادية أكثر تأثيراً ونفعاً من ضرب إيران عسكرياً، أو أن الخسائر البشرية المتوقعة من ضرب إيران عسكرياً لا تتوازى مع إسقاط طائرة مسيرة مهما بلغت تكلفتها أو تطورها، غير أنه أياً كانت الأسباب، فإن امتناع الولايات المتحدة عن تصعيد الصراع مع إيران هدفه التروي وإعمال العقل.
اعترفت إيران بعدم إسقاطها طائرة حربية أمريكية تقل جنوداً أمريكيين، والسبب في ذلك أنها تعلم أن أي رئيس أمريكي قد يتحمل الخسائر المادية، غير أنه لا يقبل أبداً بالخسائر البشرية، بل قد يعلن الحرب بسببها لأنها تمثل أهمية قصوى للشعب الأمريكي، ونذكر أن صدام حسين خلال حرب الخليج الثانية كان يمتلك الكثير من أسلحة الدمار الشامل -قبل تدميرها- وبعد احتلاله للكويت توعد جيوش التحالف باستخدام كل ما لديه من أسلحة في حال اندلاع الحرب لتحرير الكويت، ويذكر جيمس بيكر في مذكراته أنه قبل اندلاع الحرب وجَّه تحذيراً لطارق عزيز وزير الخارجية العراقي آنذاك، بأن استخدام العراق لأسلحة محرمة دولياً سيواجه برد أمريكي عنيف للغاية لأن الشعب الأمريكي سيطالب رئيسه بالثأر.
كان ذلك التصريح كفيلاً بردع العراق تماماً، وهذا الأمر تعرفه إيران جيداً، فهي لن تتحمل غضب الولايات المتحدة ولن تستطيع أبداً مواجهتها، بل ومن المؤكد أنها لن تتحمل الحصار الاقتصادي المفروض عليها للأبد، ومن الواضح تماماً أن قوى النظام الإيراني قد خارت وبدأت إيران تتصرف على نحو أكثر حماقة من ذي قبل، ومع المزيد من انهيارها تتعالى أصوات صراخها لحفظ ماء وجهها ولحفظ صورتها التي بدأت تتداعى أمام أعين المواطن الذي تتزايد آلامه يوماً بعد يوم.
تراهن إيران على وقوف حلفائها من الدول الغربية معها، غير أن استقراءها للتاريخ ينبئها بأن «المصالح» فقط هي ما يجمع الحلفاء ويفرقهم، وليس نبل القضية أو الولاء المطلق لها، لذلك لا تجد أمامها إلا التمسك بأهداف أمل خادع لعله يعطي انطباعاً بقوتها الوهمية، فتلجأ بدون تفكير في العواقب لضرب المدنيين والمطارات للإيهام بأنها قوية وقادرة على تصعيد النزاع، وهي ليست حريصة على إخفاء دورها بل تتفاخر به، وهو ما يؤكده أن الطائرات المسيرة التي ضربت أبها صناعة إيرانية بحتة.
إيران حريصة كل الحرص على عدم إخفاء تدخلها في اليمن وغير اليمن، بل تريد العكس تماماً، تريد عن عمد توصيل رسالة لدول الخليج ولحلفائها بأنها متواجدة في الحرب وقادرة على الإيذاء، وكلما ازداد الحصار وأحكم ضدها كلما زادت آلامها وتصرفاتها غير المحسوبة، وهي تتمادى في الكذب لتصور لشعبها أنها قادرة على المواجهة وعلى التحمل، غير أنها بدون شك تتألم كثيراً من هذا الحصار وتسعى بكافة السبل والطرق لكسره، غير أن المزيد من السلوكيات الخرقاء لن يفك الحصار المفروض ضدها، والطريقة الوحيدة لتفكيكه هي أن تتوقف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وأن توقف أنشطتها النووية، وأن تتخلى عن دور الدولة المشاكسة التي لا تتوقف عن ترويع جيرانها وزعزعة استقرارهم.
* كاتب سعودي
في ظل التوتر العارم المتفاقم يوماً بعد يوم قد يصل المتتبع لتلك الأحداث والتصريحات المتبادلة لنوع من الذهول والشعور البالغ بحدة التناقض، ففي الوقت الذي استفاضت فيه الولايات المتحدة في تحذير طهران من العواقب الوخيمة، نجد التصريحات الإيرانية تتمادى في التلويح بإغراق المنطقة في حرب ضروس، حتى يكاد المتابع لتلك التصريحات يشعر وكأن الصراع يكاد أن يندلع بين قوتين متكافئتين، سواء عسكرياً أو تكنولوجياً!
تعلم إيران، أنه مهما بلغ حجم تقدمها في صناعة السلاح وفي مجال تطويره فلن تضاهي أبداً الولايات المتحدة، وبخلاف ذلك، فإن إيران دولة منهكة ومحاصرة اقتصادياً ودولياً، ولا تقوى بأي صورة من الصور على تحمل تكاليف الحرب أو دفع فاتورتها طويلة الأجل، فالحرب بين طهران وبين الولايات المتحدة ليست بين دولتين فقط، بل هي حرب بين دولة مارقة مصرة على تعكير صفو السلم الدولي العام، وبين مجتمع دولي متحد ضدها ومجمع على ضرورة تهذيب سلوكياتها.
اعتقدَ الإيرانيون بأن تراجع الرئيس ترمب يصب في خانة الخوف من الصراع مع إيران! ولا أظن أنني بحاجة إلى توضيح أن أسباب هذا التراجع عديدة، ويعود أغلبها لأسباب داخلية تخص الجانب الأمريكي، فمن المؤكد أن الرئيس ترمب لا يريد توجيه ضربة عسكرية تخلف خسائر بشرية كبيرة يمكن أن تُستغل لتشويه صورته في الانتخابات الرئاسية القادمة، وقد يكون ترمب مقتنعاً بالفعل بأن العقوبات الاقتصادية أكثر تأثيراً ونفعاً من ضرب إيران عسكرياً، أو أن الخسائر البشرية المتوقعة من ضرب إيران عسكرياً لا تتوازى مع إسقاط طائرة مسيرة مهما بلغت تكلفتها أو تطورها، غير أنه أياً كانت الأسباب، فإن امتناع الولايات المتحدة عن تصعيد الصراع مع إيران هدفه التروي وإعمال العقل.
اعترفت إيران بعدم إسقاطها طائرة حربية أمريكية تقل جنوداً أمريكيين، والسبب في ذلك أنها تعلم أن أي رئيس أمريكي قد يتحمل الخسائر المادية، غير أنه لا يقبل أبداً بالخسائر البشرية، بل قد يعلن الحرب بسببها لأنها تمثل أهمية قصوى للشعب الأمريكي، ونذكر أن صدام حسين خلال حرب الخليج الثانية كان يمتلك الكثير من أسلحة الدمار الشامل -قبل تدميرها- وبعد احتلاله للكويت توعد جيوش التحالف باستخدام كل ما لديه من أسلحة في حال اندلاع الحرب لتحرير الكويت، ويذكر جيمس بيكر في مذكراته أنه قبل اندلاع الحرب وجَّه تحذيراً لطارق عزيز وزير الخارجية العراقي آنذاك، بأن استخدام العراق لأسلحة محرمة دولياً سيواجه برد أمريكي عنيف للغاية لأن الشعب الأمريكي سيطالب رئيسه بالثأر.
كان ذلك التصريح كفيلاً بردع العراق تماماً، وهذا الأمر تعرفه إيران جيداً، فهي لن تتحمل غضب الولايات المتحدة ولن تستطيع أبداً مواجهتها، بل ومن المؤكد أنها لن تتحمل الحصار الاقتصادي المفروض عليها للأبد، ومن الواضح تماماً أن قوى النظام الإيراني قد خارت وبدأت إيران تتصرف على نحو أكثر حماقة من ذي قبل، ومع المزيد من انهيارها تتعالى أصوات صراخها لحفظ ماء وجهها ولحفظ صورتها التي بدأت تتداعى أمام أعين المواطن الذي تتزايد آلامه يوماً بعد يوم.
تراهن إيران على وقوف حلفائها من الدول الغربية معها، غير أن استقراءها للتاريخ ينبئها بأن «المصالح» فقط هي ما يجمع الحلفاء ويفرقهم، وليس نبل القضية أو الولاء المطلق لها، لذلك لا تجد أمامها إلا التمسك بأهداف أمل خادع لعله يعطي انطباعاً بقوتها الوهمية، فتلجأ بدون تفكير في العواقب لضرب المدنيين والمطارات للإيهام بأنها قوية وقادرة على تصعيد النزاع، وهي ليست حريصة على إخفاء دورها بل تتفاخر به، وهو ما يؤكده أن الطائرات المسيرة التي ضربت أبها صناعة إيرانية بحتة.
إيران حريصة كل الحرص على عدم إخفاء تدخلها في اليمن وغير اليمن، بل تريد العكس تماماً، تريد عن عمد توصيل رسالة لدول الخليج ولحلفائها بأنها متواجدة في الحرب وقادرة على الإيذاء، وكلما ازداد الحصار وأحكم ضدها كلما زادت آلامها وتصرفاتها غير المحسوبة، وهي تتمادى في الكذب لتصور لشعبها أنها قادرة على المواجهة وعلى التحمل، غير أنها بدون شك تتألم كثيراً من هذا الحصار وتسعى بكافة السبل والطرق لكسره، غير أن المزيد من السلوكيات الخرقاء لن يفك الحصار المفروض ضدها، والطريقة الوحيدة لتفكيكه هي أن تتوقف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وأن توقف أنشطتها النووية، وأن تتخلى عن دور الدولة المشاكسة التي لا تتوقف عن ترويع جيرانها وزعزعة استقرارهم.
* كاتب سعودي