كتاب ومقالات

«البيـــــــــت»

طارق فدعق

عذرا على عنوان المقال، فهو لا يرمز إلى المأوى، أو الإسكان بأي حال من الأحوال. موضوعنا عن شركة «البيت» وهي أكبر شركة للإنتاج العسكري في الكيان الصهيوني. والكلمة معناها «نحن» باللغة العبرية. وكانت من نجوم معرض باريس الدولي للطيران والفضاء لهذا العام. وبصراحة شعرت بالحزن عندما علمت أن إحدى الدول العربية طلبت أن تزود طلبية طائرات جديدة بمعدات من إنتاج هذه الشركة، والله أعلم إن كانت لقافة منهم. و«البيت» من الشركات الكبرى المتخصصة في مجال الصناعات العسكرية المتقدمة، وتمثل إحدى أهم أركان القطاع العسكري الصهيوني بمبيعات سنوية تفوق ما يعادل 10 مليارات ريال. وتمثل أيضا أحد أهم مصادر الدعم للاقتصاد الإسرائيلي، حيث تصل نسبة التصدير من هذا القطاع للناتج الوطني المحلي حوالي 5%. وتضم مجموعة شركات تتخصص في المدفعية، والمركبات المدرعة، والطيران، شاملة الطيران بالتحكم عن بعد. وتشمل أيضا أجهزة التوجيه والتحكم من الفضاء، والسماء والبر، والبحر، والأنظمة المتقدمة المضادة للصواريخ، وأنظمة الحواسيب المتقدمة، ومنظومات التقنيات المتقدمة لسلاح الإشارة، وأنظمة البصريات المتقدمة في الطيران. وإجمالي عدد منسوبي «البيت» هو حوالي 16 ألف موظف في حيفا بداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي الولايات المتحدة. تأسست عام 1966 وكانت ضمن منظومة تشمل القطاعين العام والخاص. وكان ذراع القطاع الحكومي هي مجموعة الصناعات الإسرائيلية للفضاء والطيران واسمها العبري من أغرب ما يمكن ونطقه على وزن «حأصيع عفريت لإسرائيل» Israel Aircraft Industries התעשייה האווירית לישראל ha-ta'asiya ha-avirit le-yisra'el) يعني يحتوى على «الصياعة والعفرته» والعياذ بالله. تأسس هذا الكيان عام 1953، وشهد تطورات مهمة جدا ومنها برنامج تصنيع الطائرات المقاتلة. وتحديدا، فبعد حرب النكسة عام 1967 قطع الرئيس الفرنسي «ديجول» المبيعات الفرنسية للكيان الصهيوني. وكانت طائرات القوات الجوية الإسرائيلية المقاتلة معظمها من طراز «ميراج» و«ميستير» و«أوريجان» و«ماجيستير» وكلها فرنسية. ولمواجهة ذلك التحدي ضخت «الصياعة والعفرتة» كميات مهولة من الجهد، والمال، والسرقة، والتهريب لتصنيع مقاتلة إسرائيلية مسروقة من تصميم الميراج وأطلقوا عليها اسم «كفير» ومعناها «الشبل» بالعبرية. وكانت نواة التصنيع المتقدم لمجموعة التصنيع الحكومية، ولكنها كانت أيضا من أهم مصادر التحالف مع القطاع الخاص، حيث دخلت مجموعات كثيرة ومتعددة من الشركات في هذا المجال المهم، ومنها شركة «البيت».

تضافر الجهود بين القطاع العام والخاص الصهيوني له العديد من الأسباب ومنها نظام الخدمة العسكرية الاجبارية. والمقصود هنا هو أن جميع المواطنين بعد الثامنة عشرة يقومون بتأدية الخدمة العسكرية لمدة 32 شهرا للذكور، و24 شهرا للإناث. ويوجد أيضا برنامج احتياط ضمن الخدمة العسكرية. ويتسبب ذلك في إيجاد روابط متينة جدا بين جميع القطاعات الخاصة والعامة مع القطاع العسكري. وأحد الأسباب المهمة الأخرى هو الاستثمارات الهائلة في الأبحاث لأن الكيان الصهيوني يستثمر إحدى أعلى النسب العالمية من ناتجه المحلي في البحث العلمي.

أمنيـــــــــــة:

من العجائب أن قطاع الصناعات العسكرية المتقدمة في الكيان الصهيوني قد بدأ بعد بعض الدول العربية، ولكنه تخطى إنجازات تلك الدول اليوم كما ينعكس في المنتجات، والتقنيات، والمبيعات. أتمنى أن نوفق في منافستهم في التقنيات والاستثمارات والتعاون مع القطاع الخاص. والحمد لله أننا نتفوق عليهم في الجوانب الإنسانية، فالصناعات العربية لا تقتل المدنيين العزل كما تفعل أسلحتهم. وهذه من نعم الله علينا،

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي