كتاب ومقالات

الحلاب الأكبر والأمير المتسول

ميثولوجيا سياسية

نورا المطيري

أمير برتبة متسول، أو متسول برتبة أمير، لا فرق، فحين استدعاه «الحلاب الأكبر»، على حد وصفه، كانت قائمة الشروط بالموافقة على حضوره، تزيد على 100 بند، وافق عليها كلها، سعيداً سعادة العبد حين يكلفه سيده بمهمة، كان يعلم أنها ستكلفه مبالغ تفوق 500 مليار دولار، ولكنّ مستشاريه أبلغوه إذا لم يدفع هذه المبالغ فإن العشاء المزعوم مع الحلاب في واشنطن سيكون «العشاء الأخير»، وأنه لن يتناول عشاءه بعدها أبداً.

وافق الحلاب على استدعاء الأمير المتسول للمثول بين يديه؛ لغرض واحد فقط، قرر أن يصدر له أمرا مباشرا حول خضوعه للسلطان العثماني، واستلابه من قبل السلطان الخامنئي الملالي، كان القرار الذي أبلغه إياه علانية كما قال هوميروس: «يكفيك سيد واحد، فإذا وفرت لك الحماية، فلن تحتاج إلى سيد آخر، تخضع له»

توعد الحلاب الأكبر الأمير المتسول بالويل والثبور وفظائع الأمور إذا لم ينفذ قائمة الشروط كاملة، الآن أو لاحقاً، بل صدر منه الأمر أن يعلن المتسول أمام الكاميرات بدفع مبلغ 185 مليار دولار، وبالتعهد بتأمين 500 ألف فرصة عمل للأمريكيين، وهو الشرط القطعي، ليوافق الحلاب بمد يده ومصافحة المتسول أمام الناس، الحقيقة كانت تلك تكلفة عالية لمجرد مصافحة عابرة.

سقطت كرامة الأمير حين استقبله مندوب الحلاب في الباحة الخلفية المخصصة مواقف للسيارات، لكنه في قرارة نفسه كان يشعر بالسعادة، لم يهتم لما يقوله الناس، بالنسبة له، فإن موقف السيارات أقل حدّة من المواقف الكثيرة السابقة التي استقبلوه فيها بموظف صغير، أو المواقف المحرجة الكثيرة التي وضع نفسه فيها عندما وافق على تولي الإماراة الصغيرة جداً في تلك الناحية من شرق سلوى.

لم يعرف الأمير المتسول في حياته، شيئاً من المعاني العظيمة، فالوالد الذي انقلب على والده لم يكن يدرك شيئاً عن القيم، كالتزام الحق والخير والبطولة والصبر، بل على العكس، كان معروفاً بالخيانة، وموسوماً بالغدر؛ لذلك لم يكن صعباً على الأمير المتسول قبول الإهانات المتلاحقة، ليتسول الحماية والرعاية والقبول، فظهر أمام الكاميرات، يرقص فرحاً أنه عبد ذليل لسيده الحلاب الأكبر.

ترمب، الحلاب الأكبر، على حد وصف إعلام الأمير المتسول، كان يعلم أنه لا سقف لإهانة المتسول، حتى حين قال له بأنك قمت ببناء قاعدة عسكرية لنا على أرضكم من أموالكم بقيمة تتجاوز 8 مليارات دولار، فابتسم المتسول، وأخذته النشوة، وكأنه لا يدرك حجم الإهانة العظيمة في ما قاله الحلاب، بأنه بات منزوع السيادة، وأنه لم يعد أميراً، بل مجرد مقاول صغير يبني قواعد عسكرية!

غضب الديمقراطيون، سألوا ترمب، كيف انتفخت كالآلهة؟ فقال: ألم تقرأوا ما قاله «فرعون»، عندما تجد أمثال هذا المتسول، فستشعر فورا بأنك سيد، فهو الذي يعطيك المساحة لتفعل ذلك، بل هو يصرّ على ذلك، كان جواب «فرعون» عن من ألّهه؟ فقال: عبيدي!.

لم يكن مستغرباً أن تبدأ الاحتفالات والتطبيل في ناحية شرق سلوى على مؤتمر نزع السيادة عن الناحية وعن أميرها ونظامها، فالعبيد والمرتزقة يرون ذلك نصراً مبيناً، كيف لا، وقد ذابت فيهم العبودية وذابوا فيها من قبل ومن بعد، ولم يعد تحدياً بالنسبة لهم الانعتاق منها، بل يعملون جاهدين على تكريسها، فضجّ إعلام الأمير المتسول بتقطيع المقابلات، وتغيير الترجمات، وإعداد التقارير، التي تعلن بوضوح أن شرق الناحية باتت مجرد ضاحية صغيرة تابعة لواشنطن.

الحلاب الأكبر، كان يعلم أن أهم صفتين وراثيتين في الأمير المتسول وحاشيته في شرق سلوى هما الخيانة والغدر؛ لذلك أصرّ أن يتم توقيع اتفاقيات محكمة، تُنتزع فيها السيادة أبدياً منهم، ويجري توثيق ذلك بالتعهد بضخ الأموال، والاستثمارات في جدول زمني واضح، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة.

* روائية وباحثة سياسية

Noura_almoteari@yahoo.com