كتاب ومقالات

فعاليات 2019

محمد مفتي

تكتظ منصة «فعاليات السعودية» بقدر كبير من الفعاليات والأنشطة المتنوعة والمختلفة والمتعددة، ما بين المهرجانات والمواسم والمعارض، بخلاف المناسبات والمؤتمرات والندوات والمنتديات والملتقيات، ومن الواضح أن هذه الفعاليات تلقى نجاحاً كبيراً وتشهد حضوراً اجتماعياً لافتاً، وعلى الرغم من عدم حضوري أي من تلك الفعاليات؛ نظراً لارتباطاتي العملية ولضيق الوقت، إلا أنني أوجه تقديري وشكري للقائمين على العملية التنظيمية لتلك الفعاليات، التي من الواضح أنها تتمتع بقدر كبير من التنظيم وحسن الإدارة.

من المؤكد أن هذه الفعاليات باتت ترجمة واضحة ومباشرة للكثير من بنود رؤية 2030، التي تطمح لاستغلال جميع إمكانيات المملكة المتعددة في ما يتعلق بالمجال السياحي، فهى تهدف لاستغلال المسطحات المائية الشاسعة التي تمتلكها المملكة في تدشين فعاليات الغوص والتجديف وركوب الأمواج وغيرها، كما تهدف لتشجيع الرياضة باختلاف فروعها واستغلالها في سياحة الترفيه والمسابقات والعروض الرياضية، بخلاف استقطاب كبار النجوم العالميين لإقامة حفلاتهم داخل المملكة باعتبارها مركزاً ثقافياً، وملتقى سياحياً وترفيهياً لا يُضاهى في منطقة الشرق الأوسط.

استمرار تلك الفعاليات ونجاحها يقترن بتنشيط القطاع السياحي بالمملكة، وهو دون جدال بات يشهد زخماً وازدهاراً وانتعاشاً لافتاً خلال فترة زمنية لا يسعنا سوى أن نصفها بالقصيرة، وتلك الفعاليات على اختلافها ليست غريبة على السعوديين ولا تمثل جديداً بالنسبة لغالبيهتم، لكن الجديد فيها هو أن تقام داخل بلدهم دون حاجة لقطع آلاف الأميال لحضورها، ودون أن تهرب رؤوس أموالهم للخارج لتصب في شرايين اقتصاد دول أخرى، لقد أصبحت المملكة دولة جاذبة بالفعل للكثير من الفعاليات العالمية، التي وجدت في أرضها مناخاً استثمارياً ملائماً.

من الواضح أننا نشهد حالياً في المملكة طفرة سياحية ملحوظة -وإن كانت موسمية- تمكنت من البناء الرأسي والأفقي على ما تم تشييده وإنجازه من قبل، فبخلاف السياحة الدينية التي سيطرت عليها المملكة دوماً في ما سبق، وسياحة المؤتمرات والمعارض التي تميزت فيها على الدوام، تم إطلاق تلك الفعاليات التي غدا بمقدورها استغلال الموارد الطبيعية والإمكانيات البشرية كأركان أساسية في عملية التنمية السياحية، وقد بات من الواضح أن الأنشطة والفعاليات السياحية المرتبطة بالسياحة المائية والصحراوية وتفعيل العنصر البشري والاهتمام بالأنشطة والفعاليات الأسرية غدت العناصر والمرتكزات الرئيسية في عملية التنشيط السياحي التي تجري على قدم وساق حالياً في المملكة.

من العناصر الجديرة بالذكر، الاهتمام بتوزيع تلك الفعاليات لتغطي الكثير من مدن المملكة، وهي بهذا غير مقتصرة على بعض مدن المملكة فحسب، وهذا الأمر بخلاف كونه يتيح الأنشطة الترفيهية لسكان تلك المدن دون تمييز بينهم وبين سكان المدن الكبرى، فإنه أيضاً يشجع على تحديث وتطوير جميع مدن المملكة على نحو متقارب، فكما نعرف جميعاً أن قطاع السياحة هو قطاع ثري الموارد متعدد الروافد، تخدمه الكثير من القطاعات الإنتاجية الأخرى، تزدهر بازدهاره وتضمحل بتدهوره، أي تتأثر به سلباً وإيجاباً، وهذا الأمر يعيدنا مرة أخرى للإشادة بخطة 2030، التي يتم خلالها استخدام قطاع السياحة لضخ المزيد من الدخل في الاقتصاد الوطني، بالتوازي مع إسهامه في تطوير وتنمية جميع المناطق بالمملكة على قدم المساواة.

في المملكة الكثير من العناصر الاستثمارية؛ سواء من ناحية الموارد الطبيعية أو من ناحية الثروة البشرية، أو في ما يتعلق بتوفر رأس المال واتزان معادلات العرض والطلب، ولكننا -وللأسف- كنا مستغرقين في السابق في ممارسة ثقافة النفط الاستهلاكية، وعلى الرغم من الدعوات والمبادرات السابقة -على كثرتها- لكسر تلك الثقافة والانخراط في ثقافة التصنيع والإنتاج البديلة، إلا أن الأمر كان يحتاج لرؤية شاملة وقيادة حاسمة تستطيع ترجمة المبادرات النظرية والإسهامات المتواضعة لواقع حي موفور النشاط، وهو ما نجح فيه بامتياز الأمير الشاب محمد بن سلمان، ولعل النجاح الباهر المتمثل في زيادة الإقبال والمشاركة في تلك الفعاليات والأنشطة، هو الدليل الحاسم على أننا ولجنا بالفعل لعالم جديد ومختلف كثيراً عما عشناه من قبل.

بيد أننا نتمنى ألا تقتصر تلك الفعاليات والأنشطة على موسم الصيف وعلى فترة الإجازة الصيفية للطلاب فحسب، بل نتمنى تطوير ما تم إنجازه بالفعل إلى أن يتم تحويله لسياسة استثمارية سياحية مستدامة، يجب تنشيط القطاع السياحي مدعماً بتلك الفعاليات لتستمر في الانعقاد طوال العام، فمن الممكن أن تنعقد خلال فترة إجازة نهاية كل أسبوع، والفكر السياحي يقتضي تنشيط قطاع السياحة طول العام مستعيناً بالكثير من الآليات والتقنيات التي يعرفها المختصون والمطورون العاملون في ذلك القطاع، فينبغي أن نكمل مسيرة النجاح وأن نبني فوق ما شيدناه بالفعل، وقد باتت لدينا الآن ثقة كبيرة في مواردنا وفي قدراتنا السياحية، وفي قدرة قطاع السياحة نفسه على الإسهام في عملية التنمية المستدامة في المجتمع نفسه، وفي التحول الفعلي والتطبيقي لمرحلة وعصر ما بعد النفط.

* كاتب سعودي