إلى أين أنت ذاهب يا «معود» ؟
الجمعة / 16 / ذو القعدة / 1440 هـ الجمعة 19 يوليو 2019 02:10
عبدالله الشمالي
تقول النُكتة إن مواطناً من دولة شقيقة دخل إلى سوق للأواني المنزلية وجد فيه ستة أشخاص. وخلال تسوقه في المكان لم يتنبه أحد لوجوده، حتى وهو يضع دبوساً يحمل علم بلاده، وعلى الرغم من إخراجه محفظة تحمل ألوان العلم، وجواز سفره، ومع ذلك لم يأبه أحد لوجوده. أنهى هذا المواطن الشقيق جولته، وغادر المكان. في اليوم التالي، وجد منتحراً وبجانبه هذه الرسالة:
«مرحباً اسمي جاسم، وقد أمضيت الساعات العشر الماضية وأنا أحاول طرد مئات الأفكار التي كانت تهاجمني».
لماذا مرت السنوات وجهازنا الديموقراطي يحتوي على أشخاص، وأشخاص آخرين يعارضونهم؟ طوال الوقت؟ ينهون أي أمر إلى نزاعات؟ يختلفون حتى على ألوان علبة المياه لو أتيحت لهم المسألة؟ يمكنهم مناقشة أسباب جلوس عامل نظافة لعدة أيام دون قطرة عرق واحدة؟
أين انتهى بنا كل هذا المناخ السياسي؟ أحزاب يمسك كل منها بحبل مع كل اتجاه محاولاً جر بلادي لمنطقته؟ تلك التي لا تتحرك من مكانها؟ لأنهم يجرون جميعاً في نفس الوقت؟ مع كل الاتجاهات؟
هل سينتهي بنا الأمر كبيروت أخرى؟ أكثر من ثمانين حزباً لم تنجح في إيجاد طريقة ليس حتى لإدارة البلاد، بل لإزالة القمامة فقط؟
ألهذا انتهى اليأس بشعبه؟ ليُيَمّم كل واحد منهم شطر دولة يختارها، سامحين لعشرات الأصابع أن تتدخل في البلاد؟ بينما المواطنون يملأون فراغهم السياسي بهذا الفتات الذي يلتقطونه عن طريق الحماس لسياسات دول أخرى؟
لماذا لم يعد أي منا يهتم بشهادته؟ هو مستعد لأن يحصل عليها من طوب الأرض لو تسنى له ذلك، لأنه يعلم أن القيمة من تلك الجماهير، تكتسب بتقديم العرض الممتع المناسب لهم. لماذا لم نعد نحصل على الشهادات سوى من أجل إكمال الحد الأدنى من المتطلبات؟
لماذا لم نعد نستطيع تمييز رموزنا بسهولة؟ كيف تحولوا هم الآخرون إلى (فاشينستات)؟ جل ما يبحثون عنه إيجاد قضية مثيرة يقدمونها لجمهورهم؟ أو إضافة المكياج لقضايا أخرى؟ وجميعهم مرنون ومستعدون لفعل ما يتطلبه الأمر، (حقن فيلر)، (رموش صناعية)، أو حبوب النضارة حتى؟ وبمناسبة الحديث عن حبوب النضارة، بإمكانكم الحصول عليها من (بوتيكي) لمن يرغب في ذلك.
هل ما كنت أراه كروح وطنية جامحة تنتابنا في كل مرة يشير أحدهم تجاه بلادنا، حين ننقض جميعاً عليه كقلب رجل واحد، ما كنت أعتبره كحب لا متناهٍ، لم يكن سوى فعل لإرضاء نقص شخصي لدى كل منا؟
فكروا في الأمر، طوال السنوات العشر الماضية لم ننجح بالاجتماع سوى كردات فعل، تجاه أحد تكلم، أو آخر فعل. رجل يدخن بهدوء سيثير حنقنا وسنصب جام غضبنا عليه إن لم يبتعد عن سارية علمنا في الأمم المتحدة أربعة كيلومترات. سيرهب كل واحد منا، واقف بجانب الآخر مهما كانت طائفته أو توجهه، سننصب المشانق دون استثناء لصياد يحمل حيواناً قد اصطاده، إن كانت ألوانه -هذا الحيوان- قريبة من ألوان علمنا بعد اختلاط الدم.
بعدها سنعود كما كنا نفعل طيلة السنوات الماضية، لنتجادل، مرة بعد مرة، مختلفين تجاه كل شيء، لا يهم أبدا قيمته الحقيقية، القيمة هي التي يكتسبها من صياح الجماهير، ولا نفكر للحظة واحدة إلى أين نسير.
لهذا نحاول اعتصار الأمور لنخلق منها أشياء تجمعنا سوياً، أيا كانت، لأنها الطريقة الوحيدة لأن يحدث هذا، ولأننا نحتاج هذا الشعور بالوحدة كي لا نشعر بالقلق.
القلق، تحديداً هو ما أبقاني مستيقظاً الفترة الماضية. القلق بالمناسبة لا يمكنكم الحصول عليه من (بوتيكي) على الرغم من الكمية التي أملكها الآن منه. الضخمة جداً، والتي تزداد ضخامة في كل مرة أطرح فيها هذا السؤال على نفسي، إلى أين نحن ذاهبون؟ من يقودنا؟
مرحباً، أنا جاسم: «أرجوكم توقفوا عن ذلك، للحظة. أرجوكم، لثانية واحدة، حتى يتسنى لكم سماع حجم الخواء الذي يغمر بلادنا. بينما أغادر أنا. أرجوكم افعلوا ذلك».
* كاتب سعودي
«مرحباً اسمي جاسم، وقد أمضيت الساعات العشر الماضية وأنا أحاول طرد مئات الأفكار التي كانت تهاجمني».
لماذا مرت السنوات وجهازنا الديموقراطي يحتوي على أشخاص، وأشخاص آخرين يعارضونهم؟ طوال الوقت؟ ينهون أي أمر إلى نزاعات؟ يختلفون حتى على ألوان علبة المياه لو أتيحت لهم المسألة؟ يمكنهم مناقشة أسباب جلوس عامل نظافة لعدة أيام دون قطرة عرق واحدة؟
أين انتهى بنا كل هذا المناخ السياسي؟ أحزاب يمسك كل منها بحبل مع كل اتجاه محاولاً جر بلادي لمنطقته؟ تلك التي لا تتحرك من مكانها؟ لأنهم يجرون جميعاً في نفس الوقت؟ مع كل الاتجاهات؟
هل سينتهي بنا الأمر كبيروت أخرى؟ أكثر من ثمانين حزباً لم تنجح في إيجاد طريقة ليس حتى لإدارة البلاد، بل لإزالة القمامة فقط؟
ألهذا انتهى اليأس بشعبه؟ ليُيَمّم كل واحد منهم شطر دولة يختارها، سامحين لعشرات الأصابع أن تتدخل في البلاد؟ بينما المواطنون يملأون فراغهم السياسي بهذا الفتات الذي يلتقطونه عن طريق الحماس لسياسات دول أخرى؟
لماذا لم يعد أي منا يهتم بشهادته؟ هو مستعد لأن يحصل عليها من طوب الأرض لو تسنى له ذلك، لأنه يعلم أن القيمة من تلك الجماهير، تكتسب بتقديم العرض الممتع المناسب لهم. لماذا لم نعد نحصل على الشهادات سوى من أجل إكمال الحد الأدنى من المتطلبات؟
لماذا لم نعد نستطيع تمييز رموزنا بسهولة؟ كيف تحولوا هم الآخرون إلى (فاشينستات)؟ جل ما يبحثون عنه إيجاد قضية مثيرة يقدمونها لجمهورهم؟ أو إضافة المكياج لقضايا أخرى؟ وجميعهم مرنون ومستعدون لفعل ما يتطلبه الأمر، (حقن فيلر)، (رموش صناعية)، أو حبوب النضارة حتى؟ وبمناسبة الحديث عن حبوب النضارة، بإمكانكم الحصول عليها من (بوتيكي) لمن يرغب في ذلك.
هل ما كنت أراه كروح وطنية جامحة تنتابنا في كل مرة يشير أحدهم تجاه بلادنا، حين ننقض جميعاً عليه كقلب رجل واحد، ما كنت أعتبره كحب لا متناهٍ، لم يكن سوى فعل لإرضاء نقص شخصي لدى كل منا؟
فكروا في الأمر، طوال السنوات العشر الماضية لم ننجح بالاجتماع سوى كردات فعل، تجاه أحد تكلم، أو آخر فعل. رجل يدخن بهدوء سيثير حنقنا وسنصب جام غضبنا عليه إن لم يبتعد عن سارية علمنا في الأمم المتحدة أربعة كيلومترات. سيرهب كل واحد منا، واقف بجانب الآخر مهما كانت طائفته أو توجهه، سننصب المشانق دون استثناء لصياد يحمل حيواناً قد اصطاده، إن كانت ألوانه -هذا الحيوان- قريبة من ألوان علمنا بعد اختلاط الدم.
بعدها سنعود كما كنا نفعل طيلة السنوات الماضية، لنتجادل، مرة بعد مرة، مختلفين تجاه كل شيء، لا يهم أبدا قيمته الحقيقية، القيمة هي التي يكتسبها من صياح الجماهير، ولا نفكر للحظة واحدة إلى أين نسير.
لهذا نحاول اعتصار الأمور لنخلق منها أشياء تجمعنا سوياً، أيا كانت، لأنها الطريقة الوحيدة لأن يحدث هذا، ولأننا نحتاج هذا الشعور بالوحدة كي لا نشعر بالقلق.
القلق، تحديداً هو ما أبقاني مستيقظاً الفترة الماضية. القلق بالمناسبة لا يمكنكم الحصول عليه من (بوتيكي) على الرغم من الكمية التي أملكها الآن منه. الضخمة جداً، والتي تزداد ضخامة في كل مرة أطرح فيها هذا السؤال على نفسي، إلى أين نحن ذاهبون؟ من يقودنا؟
مرحباً، أنا جاسم: «أرجوكم توقفوا عن ذلك، للحظة. أرجوكم، لثانية واحدة، حتى يتسنى لكم سماع حجم الخواء الذي يغمر بلادنا. بينما أغادر أنا. أرجوكم افعلوا ذلك».
* كاتب سعودي