لا.. يا دكتور صالح.. الدبلوماسية السعودية ليست غائبة عن رؤية 2030
الخميس / 22 / ذو القعدة / 1440 هـ الخميس 25 يوليو 2019 00:00
نزار عبيد مدني
أحرص دوما على متابعة التحليلات المعمقة والموضوعية التي دأب أخي وصديقي الدكتور صالح بن محمد الخثلان رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى على طرحها في تناوله للقضايا السياسية، وخاصة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية للمملكة، ولهذا السبب فلقد اطلعت باهتمام بالغ على المقالة التي كتبها مؤخرا بعنوان «الدبلوماسية السعودية غائبة عن رؤية المملكة ٢٠٣٠» والمنشورة بتاريخ ١١ ذي القعدة ١٤٤٠هـ الموافق ١٤ يوليو ٢٠١٩ في عدد هذه الصحيفة الغراء ذي الرقم ١٩٣١٤، وقد تبين لي بعد مطالعة المقالة وجود مواضع تتلاقى فيها وجهات النظر مع ما طرحه الأخ الدكتور صالح، كما تبين لي في الوقت ذاته وجود مواضع أخرى لا تحظى بمثل هذا التوافق والاتفاق.
بداية، يكمن اختصار المحور الرئيس الذي ترتكز عليه المقالة في أن «حراك الدبلوماسية السعودية يتم بمعزل تام عن رؤية المملكة ٢٠٣٠» وأننا «لا نكاد نجد ذكرا للرؤية في خطاب الدبلوماسية السعودية» وأن «سبب تجاهل (كذا) الدبلوماسية السعودية لرؤية ٢٠٣٠ يعود إلى هيمنة الملفات التقليدية على النشاط السياسي للمملكة» وأن «الجهاز الدبلوماسي السعودي لا يزال مقصرا (كذا) في التعاطي مع رؤية ٢٠٣٠ وخدمة أهدافها الإستراتيجية» وكذلك أن «الرؤية لا تحضر في الخارج سوى خلال زيارات سمو ولي العهد، ويظهر ذلك جليا من خلال الخطاب السائد خلال الزيارات، وكذلك تشكيل الوفد المرافق والاتفاقيات التي توقع، ما عدا ذلك فإن الرؤية تغيب (كذا) عن النشاط الدبلوماسي السعودي».
ولما كان إطلاق مثل هذه «التوصيفات» وبدون الرجوع إلى مصادرها للتثبت مما جاء فيها من دعاوى لا يصمد أمام الحقائق والوقائع، فلقد رأيت من واجبي أن أسلط الضوء على النقاط التي جانب فيها أخي الدكتور صالح الصواب، وذلك حتى تكتمل الصورة وتستقيم الأمور، ولعلي أُجملُ ملاحظاتي في النقاط الآتية:
أولا- إن القول بأن «الجهاز الدبلوماسي السعودي لا يزال مقصرا في التعاطي مع رؤية ٢٠٣٠ وخدمة أهدافها الإستراتيجية» فيه تجاوز للحد المعقول من المصداقية والموضوعية، فحقيقة الأمر هي أنه منذ إطلاق رؤية المملكة ٢٠٣٠، فلقد بادرت وزارة الخارجية إلى التعاطي معها بكل ما تستحقه من اهتمام، وتتطلبه من عناية، وتستلزمه من متابعة، حيث أصدرت تعليماتها وتوجيهاتها إلى كافة بعثاتها في الخارج ببذل أقصى الجهود نحو شرح أهداف الرؤية، وتوضيح مضامينها، والحرص على «تسويقها» بالشكل الذي يتفق مع أهميتها، ويتلاءم مع مراميها ويتناسب مع ما تعلقه المملكة عليها من آمال وتطلعات.
ثانيا- إن القول بأن «حراك الدبلوماسية السعودية يتم بمعزل تام عن رؤية ٢٠٣٠ وأن سبب «تجاهل» الدبلوماسية السعودية للرؤية يعود إلى هيمنة الملفات التقليدية على النشاط السياسي للمملكة» فيه الكثير من التبسيط المخل، وبدون الدخول في التفصيلات أكتفي هنا بالقول إن الاهتمام بالقضايا التي تمس الأمن الوطني، وتلك التي تهدف إلى تحقيق الأمن والسلم والاستقرار، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي هي إحدى أولويات العمل السياسي الخارجي، ليس بالنسبة للمملكة فحسب، وإنما بالنسبة لجميع الدول الأخرى على حد سواء، بالإضافة إلى أن انشغال الدبلوماسية السعودية بهذه القضايا يسهم بشكل فعال وإلى حد كبير في تحقيق أهداف رؤية ٢٠٣٠ ومراميها، وذلك – كما أشار الدكتور صالح نفسه – «من خلال تهيئة بيئة سلمية خارجية تمكن المملكة من الانصراف إلى الداخل، وتركيز مواردها وإمكاناتها على مشروعها الوطني الضخم في إعادة البناء»، مع تحفظي على استعمال تعبير «الملفات التقليدية» في الإشارة إلى القضايا السياسية الحيوية التي تعالجها الدبلوماسية السعودية.
ثالثا- إن القول بأن «الرؤية لا تحضر في الخارج سوى خلال زيارات سمو ولي العهد، وأن ذلك يظهر جليا من خلال الخطاب السائد خلال الزيارات وكذلك تشكيل الوفد المرافق والاتفاقيات التي توقع، ما عدا ذلك فإن الرؤية تغيب عن النشاط الدبلوماسي السعودي»، يفتقر إلى الكثير من البراهين والأدلة التي تمكنه من الصمود أمام الحقيقة والواقع، وإذا كان من الطبيعي أن تكون الرؤية حاضرة خلال زيارات سمو ولي العهد، باعتبار أن سموه رائدها ومهندسها، فإن الواقع أيضا أن الرؤية كانت ولا تزال حاضرة دوما وبكل قوة في اللقاءات التي يجريها كبار المسؤولين في وزارة الخارجية سواء أثناء زياراتهم إلى الخارج أو خلال زيارات الوفود الرسمية إلى المملكة، فعلى سبيل المثال – وإن كنت أجد حرجا في ذكر ذلك – فإن موضوع الرؤية ومضامينها وأهدافها من القضايا التي كانت تستأثر بكثير من الاهتمام وتعطى لها الأولوية في الاجتماعات التي كنت أعقدها – قبل تركي للعمل في الوزارة – سواء مع الوفود الزائرة للمملكة، أو خلال الزيارات الرسمية التي كنت أقوم بها إلى الخارج، وقد بلغ بي الحرص على ذلك أنني كنت أكلّف في كل اجتماع من تلك الاجتماعات إحدى الزميلات بعرض الرؤية وأهدافها كمدخل للنقاش حولها والإجابة عن ما قد يطرأ من استفسارات حول مضامينها وأهميتها بالنسبة للمملكة.
رابعا- لا أرى ضيرا البتة في الأخذ بالمقترحات الأربعة التي طرحها الدكتور صالح في نهاية مقالته، على أن لا يكون منطلقها هو معالجة ما أسماه «غياب» الدبلوماسية السعودية عن رؤية ٢٠٣٠، وإنما أن يكون الهدف منها هو دعم الجهود القائمة والمبذولة من أجل تسويق الرؤية والمساهمة في جذب الشركاء باعتبار ذلك أحد أهم جوانبها.
خامسا- أنتهز هذه السانحة لكي أقول إنه على الرغم من أن رؤية ٢٠٣٠ لم تتطرق إلى السياسة الخارجية بشكل مباشر، وإنما ارتكزت على 3 عوامل أساسية لها صلة بالجوانب السياسية وهي: العمق العربي الإسلامي، والقوة الاستثمارية، والموقع الجغرافي، إلا أن من الواضح أنها كانت تمهد الطريق، وتحشد الإمكانات، وتضع الأسس نحو إرساء قواعد سياسية خارجية جديدة تنطلق من روح الرؤية وأهدافها وفلسفتها.
فمما لا شك فيه أن المضي قدما نحو تنفيذ خطة طموحة واستشرافية على مستوى رؤية ٢٠٣٠ لا بد أن يتزامن ويتكامل مع إستراتيجية مستقبلية محددة للسياسة الخارجية تدعم الرؤية، وتتعامل بفاعلية ومهنية مع العوامل الخارجية التي لا بد وأن يكون لها تأثيرات على الجوانب التطبيقية لها، نظرا لما بين الأوضاع الداخلية والخارجية من ترابط وتكامل واعتماد متبادل.
وبالله التوفيق..
* وزير الدولة للشؤون الخارجية سابقا
بداية، يكمن اختصار المحور الرئيس الذي ترتكز عليه المقالة في أن «حراك الدبلوماسية السعودية يتم بمعزل تام عن رؤية المملكة ٢٠٣٠» وأننا «لا نكاد نجد ذكرا للرؤية في خطاب الدبلوماسية السعودية» وأن «سبب تجاهل (كذا) الدبلوماسية السعودية لرؤية ٢٠٣٠ يعود إلى هيمنة الملفات التقليدية على النشاط السياسي للمملكة» وأن «الجهاز الدبلوماسي السعودي لا يزال مقصرا (كذا) في التعاطي مع رؤية ٢٠٣٠ وخدمة أهدافها الإستراتيجية» وكذلك أن «الرؤية لا تحضر في الخارج سوى خلال زيارات سمو ولي العهد، ويظهر ذلك جليا من خلال الخطاب السائد خلال الزيارات، وكذلك تشكيل الوفد المرافق والاتفاقيات التي توقع، ما عدا ذلك فإن الرؤية تغيب (كذا) عن النشاط الدبلوماسي السعودي».
ولما كان إطلاق مثل هذه «التوصيفات» وبدون الرجوع إلى مصادرها للتثبت مما جاء فيها من دعاوى لا يصمد أمام الحقائق والوقائع، فلقد رأيت من واجبي أن أسلط الضوء على النقاط التي جانب فيها أخي الدكتور صالح الصواب، وذلك حتى تكتمل الصورة وتستقيم الأمور، ولعلي أُجملُ ملاحظاتي في النقاط الآتية:
أولا- إن القول بأن «الجهاز الدبلوماسي السعودي لا يزال مقصرا في التعاطي مع رؤية ٢٠٣٠ وخدمة أهدافها الإستراتيجية» فيه تجاوز للحد المعقول من المصداقية والموضوعية، فحقيقة الأمر هي أنه منذ إطلاق رؤية المملكة ٢٠٣٠، فلقد بادرت وزارة الخارجية إلى التعاطي معها بكل ما تستحقه من اهتمام، وتتطلبه من عناية، وتستلزمه من متابعة، حيث أصدرت تعليماتها وتوجيهاتها إلى كافة بعثاتها في الخارج ببذل أقصى الجهود نحو شرح أهداف الرؤية، وتوضيح مضامينها، والحرص على «تسويقها» بالشكل الذي يتفق مع أهميتها، ويتلاءم مع مراميها ويتناسب مع ما تعلقه المملكة عليها من آمال وتطلعات.
ثانيا- إن القول بأن «حراك الدبلوماسية السعودية يتم بمعزل تام عن رؤية ٢٠٣٠ وأن سبب «تجاهل» الدبلوماسية السعودية للرؤية يعود إلى هيمنة الملفات التقليدية على النشاط السياسي للمملكة» فيه الكثير من التبسيط المخل، وبدون الدخول في التفصيلات أكتفي هنا بالقول إن الاهتمام بالقضايا التي تمس الأمن الوطني، وتلك التي تهدف إلى تحقيق الأمن والسلم والاستقرار، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي هي إحدى أولويات العمل السياسي الخارجي، ليس بالنسبة للمملكة فحسب، وإنما بالنسبة لجميع الدول الأخرى على حد سواء، بالإضافة إلى أن انشغال الدبلوماسية السعودية بهذه القضايا يسهم بشكل فعال وإلى حد كبير في تحقيق أهداف رؤية ٢٠٣٠ ومراميها، وذلك – كما أشار الدكتور صالح نفسه – «من خلال تهيئة بيئة سلمية خارجية تمكن المملكة من الانصراف إلى الداخل، وتركيز مواردها وإمكاناتها على مشروعها الوطني الضخم في إعادة البناء»، مع تحفظي على استعمال تعبير «الملفات التقليدية» في الإشارة إلى القضايا السياسية الحيوية التي تعالجها الدبلوماسية السعودية.
ثالثا- إن القول بأن «الرؤية لا تحضر في الخارج سوى خلال زيارات سمو ولي العهد، وأن ذلك يظهر جليا من خلال الخطاب السائد خلال الزيارات وكذلك تشكيل الوفد المرافق والاتفاقيات التي توقع، ما عدا ذلك فإن الرؤية تغيب عن النشاط الدبلوماسي السعودي»، يفتقر إلى الكثير من البراهين والأدلة التي تمكنه من الصمود أمام الحقيقة والواقع، وإذا كان من الطبيعي أن تكون الرؤية حاضرة خلال زيارات سمو ولي العهد، باعتبار أن سموه رائدها ومهندسها، فإن الواقع أيضا أن الرؤية كانت ولا تزال حاضرة دوما وبكل قوة في اللقاءات التي يجريها كبار المسؤولين في وزارة الخارجية سواء أثناء زياراتهم إلى الخارج أو خلال زيارات الوفود الرسمية إلى المملكة، فعلى سبيل المثال – وإن كنت أجد حرجا في ذكر ذلك – فإن موضوع الرؤية ومضامينها وأهدافها من القضايا التي كانت تستأثر بكثير من الاهتمام وتعطى لها الأولوية في الاجتماعات التي كنت أعقدها – قبل تركي للعمل في الوزارة – سواء مع الوفود الزائرة للمملكة، أو خلال الزيارات الرسمية التي كنت أقوم بها إلى الخارج، وقد بلغ بي الحرص على ذلك أنني كنت أكلّف في كل اجتماع من تلك الاجتماعات إحدى الزميلات بعرض الرؤية وأهدافها كمدخل للنقاش حولها والإجابة عن ما قد يطرأ من استفسارات حول مضامينها وأهميتها بالنسبة للمملكة.
رابعا- لا أرى ضيرا البتة في الأخذ بالمقترحات الأربعة التي طرحها الدكتور صالح في نهاية مقالته، على أن لا يكون منطلقها هو معالجة ما أسماه «غياب» الدبلوماسية السعودية عن رؤية ٢٠٣٠، وإنما أن يكون الهدف منها هو دعم الجهود القائمة والمبذولة من أجل تسويق الرؤية والمساهمة في جذب الشركاء باعتبار ذلك أحد أهم جوانبها.
خامسا- أنتهز هذه السانحة لكي أقول إنه على الرغم من أن رؤية ٢٠٣٠ لم تتطرق إلى السياسة الخارجية بشكل مباشر، وإنما ارتكزت على 3 عوامل أساسية لها صلة بالجوانب السياسية وهي: العمق العربي الإسلامي، والقوة الاستثمارية، والموقع الجغرافي، إلا أن من الواضح أنها كانت تمهد الطريق، وتحشد الإمكانات، وتضع الأسس نحو إرساء قواعد سياسية خارجية جديدة تنطلق من روح الرؤية وأهدافها وفلسفتها.
فمما لا شك فيه أن المضي قدما نحو تنفيذ خطة طموحة واستشرافية على مستوى رؤية ٢٠٣٠ لا بد أن يتزامن ويتكامل مع إستراتيجية مستقبلية محددة للسياسة الخارجية تدعم الرؤية، وتتعامل بفاعلية ومهنية مع العوامل الخارجية التي لا بد وأن يكون لها تأثيرات على الجوانب التطبيقية لها، نظرا لما بين الأوضاع الداخلية والخارجية من ترابط وتكامل واعتماد متبادل.
وبالله التوفيق..
* وزير الدولة للشؤون الخارجية سابقا