هل خسر «اليورو» الرهان ؟!
الأحد / 03 / ذو الحجة / 1440 هـ الاحد 04 أغسطس 2019 01:05
علي محمد الحازمي
في أواخر تسعينات القرن الماضي كان الشغل الشاغل لأغلب الشعب الأوروبي هو الوحدة الاقتصادية والنقدية حول توقيتها وعضويتها واحتمالاتها، كان أغلب المحللين الاقتصاديين والماليين في ذلك الوقت يرون أن إنشاء اليورو هو أكبر تغيير في الوضع النقدي العالمي منذ انهيار نظام برايتون ودوز لأسعار الصرف الثابتة في أوائل السبعينات، كان أهم سؤالين يشغلان هؤلاء المحللين هما هل سينجح اليورو في طرح الدولار الأمريكي أرضاً باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم؟ أما السؤال الآخر فهو: هل من المحتمل أن يجعل الاتحاد النقدي الأوروبي النظام النقدي العالمي أكثر أو أقل استقراراً؟
الفريق الأول وهم المحللون المتفائلون في ذلك الوقت الذين يرون أن اليورو سيتسيد المشهد الاقتصادي والنقدي العالمي كان لديهم الأسباب المقنعة على أن اليورو سيلعب دوراً عالمياً أكثر أهمية من الدولار بشرط أن يكون اليورو مدعوماً بسياسات نقدية موثوقة، من أهم تلك الأسباب هو أن الناتج المحلي لدول أوروبا في ذلك الوقت يصل إلى أكثر من 31% في المقابل أن الناتج المحلي لأمريكا لا يتجاوز 26% حتى عندما يتم استبعاد تدفقات التجارة البينية الأوروبية، فإن الاتحاد الأوروبي يصدر أكثر من الولايات المتحدة، إضافة إلى ذلك تمثل الدول الأوروبية التي انضمت إلى الاتحاد النقدي الأوروبي في ذلك الوقت حصة أكبر قليلاً من التجارة العالمية من أمريكا.
على الجانب الآخر الفريق الذي يرى أن الدولار سيكون هو العملة العالمية الأولى، وذلك وفق عدد من الحجج أهمها حجم وعمق وسيولة أسواق رأس المال الأمريكية الذي يجعل الدولار مهيمناً على النظام النقدي العالمي، علاوة على ذلك سوق أمريكا للأوراق المالية المحلية هو ضعف حجم الأسواق المشتركة لدول الاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت، لذلك حتى مع التكامل المالي الأوروبي، من غير المرجح أن يتم تحدي تفوق أميركا في أسواق رأس المال.
اليوم وبعد مرور عشرين عاماً على الوحدة الاقتصادية والنقدية الأوروبية نستطيع أن نجيب على السؤالين اللذين كانا يدوران في خلد أغلب المحللين الاقتصاديين والماليين في ذلك الوقت، اليوم 62% من احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية حول العالم هي بعملة الدولار الأمريكي أما اليورو فلا يشكل سوى 21% من احتياطيات تلك البنوك، إضافة إلى ذلك أكثر من 33% من الناتج المحلي العالمي يأتي من أمريكا أو دول تربط عملتها بالدولار، أما إذا نظرنا إلى أسواق صرف العملات الأجنبية فالدولار يشكل أكثر من 90% من معاملات تلك الأسواق، في المقابل التعامل باليورو لا يتجاوز حاجز 31%، علاوة على ذلك 40% من الديون العالمية تصدر بعملة الدولار لهذا السبب تحتاج البنوك الأجنبية إلى الكثير من الدولارات لممارسة نشاطاتها التجارية. على الرغم من أن الأزمة العالمية في عام 2007 حدثت في أمريكا إلا أنها جعلت الدولار يستخدم على نطاق واسع، فمثلاً في عام 2017 احتفظت بنوك اليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة بخصوم مقومة بالدولار أكثر من عملاتها. إلى اليوم ما زالت كل واردات أوروبا من النفط تسعر بالدولار وأكثر من 70% من واردات الغاز على الرغم من محاولات الاتحاد الأوروبي لاستخدام عملة اليورو لعقود الطاقة على دول التكتل.
في ظل المعطيات السابقة تبرز الإجابة واضحة أن الدولار ما زال العملة العالمية الأولى، أما الإجابة على السؤال الثاني فالصورة ما زالت قاتمة جداً في منطقة اليورو على ضوء تزايد المخاوف الجيوسياسية وأيضاً خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في شهر أكتوبر كما صرح رئيس الوزراء الجديد «جونسون» وأيضاً تصاعد التوترات التجارية، كما أن أزمة الديون السيادية ما زالت تهيمن على أجواء دول الاتحاد الأوروبي، لذلك تبرز هذه المعطيات صعوبات أن يجعل الاتحاد النقدي الأوروبي النظام النقدي العالمي أكثر استقراراً.
* كاتب سعودي
الفريق الأول وهم المحللون المتفائلون في ذلك الوقت الذين يرون أن اليورو سيتسيد المشهد الاقتصادي والنقدي العالمي كان لديهم الأسباب المقنعة على أن اليورو سيلعب دوراً عالمياً أكثر أهمية من الدولار بشرط أن يكون اليورو مدعوماً بسياسات نقدية موثوقة، من أهم تلك الأسباب هو أن الناتج المحلي لدول أوروبا في ذلك الوقت يصل إلى أكثر من 31% في المقابل أن الناتج المحلي لأمريكا لا يتجاوز 26% حتى عندما يتم استبعاد تدفقات التجارة البينية الأوروبية، فإن الاتحاد الأوروبي يصدر أكثر من الولايات المتحدة، إضافة إلى ذلك تمثل الدول الأوروبية التي انضمت إلى الاتحاد النقدي الأوروبي في ذلك الوقت حصة أكبر قليلاً من التجارة العالمية من أمريكا.
على الجانب الآخر الفريق الذي يرى أن الدولار سيكون هو العملة العالمية الأولى، وذلك وفق عدد من الحجج أهمها حجم وعمق وسيولة أسواق رأس المال الأمريكية الذي يجعل الدولار مهيمناً على النظام النقدي العالمي، علاوة على ذلك سوق أمريكا للأوراق المالية المحلية هو ضعف حجم الأسواق المشتركة لدول الاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت، لذلك حتى مع التكامل المالي الأوروبي، من غير المرجح أن يتم تحدي تفوق أميركا في أسواق رأس المال.
اليوم وبعد مرور عشرين عاماً على الوحدة الاقتصادية والنقدية الأوروبية نستطيع أن نجيب على السؤالين اللذين كانا يدوران في خلد أغلب المحللين الاقتصاديين والماليين في ذلك الوقت، اليوم 62% من احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية حول العالم هي بعملة الدولار الأمريكي أما اليورو فلا يشكل سوى 21% من احتياطيات تلك البنوك، إضافة إلى ذلك أكثر من 33% من الناتج المحلي العالمي يأتي من أمريكا أو دول تربط عملتها بالدولار، أما إذا نظرنا إلى أسواق صرف العملات الأجنبية فالدولار يشكل أكثر من 90% من معاملات تلك الأسواق، في المقابل التعامل باليورو لا يتجاوز حاجز 31%، علاوة على ذلك 40% من الديون العالمية تصدر بعملة الدولار لهذا السبب تحتاج البنوك الأجنبية إلى الكثير من الدولارات لممارسة نشاطاتها التجارية. على الرغم من أن الأزمة العالمية في عام 2007 حدثت في أمريكا إلا أنها جعلت الدولار يستخدم على نطاق واسع، فمثلاً في عام 2017 احتفظت بنوك اليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة بخصوم مقومة بالدولار أكثر من عملاتها. إلى اليوم ما زالت كل واردات أوروبا من النفط تسعر بالدولار وأكثر من 70% من واردات الغاز على الرغم من محاولات الاتحاد الأوروبي لاستخدام عملة اليورو لعقود الطاقة على دول التكتل.
في ظل المعطيات السابقة تبرز الإجابة واضحة أن الدولار ما زال العملة العالمية الأولى، أما الإجابة على السؤال الثاني فالصورة ما زالت قاتمة جداً في منطقة اليورو على ضوء تزايد المخاوف الجيوسياسية وأيضاً خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في شهر أكتوبر كما صرح رئيس الوزراء الجديد «جونسون» وأيضاً تصاعد التوترات التجارية، كما أن أزمة الديون السيادية ما زالت تهيمن على أجواء دول الاتحاد الأوروبي، لذلك تبرز هذه المعطيات صعوبات أن يجعل الاتحاد النقدي الأوروبي النظام النقدي العالمي أكثر استقراراً.
* كاتب سعودي