أخبار

موسى بن جعفر .. دبلوماسي من عُمان ارتبط اسمه بـ «اليونيسكو»

موسى بن جعفر مع عبدالله المدني (الأول والثاني من اليمين) خلال مباراة في كرة القدم بالجامعة الأمريكية ببيروت سنة 1974.

بقلم: د. عبدالله المدني أستاذ العلاقات الدولية مملكة البحرين

في مدينة مطرح المجاورة لمسقط أو «مسكت» بلهجة الرعيل الخليجي الأول، حيث البحر والنوارس والحوانيت العتيقة وقصص الغزاة البرتغاليين وتجّار الهند والسند وصناعة المراكب المتجهة صوب زنجبار وممباسا وغيرهما من مدن شرق أفريقيا التي كانت يوما ما جزءا من الإمبراطورية العمانية، ولد «موسى بن جعفر بن حسن» (أبوسالم) في سنة 1950 ابناً لعائلة كان ربها (جعفر بن حسن) من التجار «اللواتية» الذين يشكلون منذ القدم جزءا لا يتجزأ من المجتمع العماني متعدد الأعراق والملل، فيما كانت ربتها (سكينة بنت سالم) أماً حنونة نصوحة ترعى شؤون بيتها وأولادها كغيرها من نساء ذلك الزمن.

وكغيره من أبناء جيله، درس أبوسالم المرحلة الابتدائية بالمدرسة السعيدية بمطرح، علما بأن المدرسة السعيدية هذه تم افتتاحها في نوفمبر عام 1959، في عهد السلطان سعيد بن تيمور، وكان مقرها -آنذاك- في حارة الشمال في بيت يملكه الحاج علي عبداللطيف اللواتي، ويسمى بيت المنذري، واشتملت الدراسة فيها على صفوف التمهيدي والأول والثاني الابتدائي. وفي العام الدراسي 1960/‏‏1961 انتقلت المدرسة إلى مقرها الجديد على الطريق البحري بمطرح، حيث تم إنشاء مبان خاصة بها مع سكن لمدير المدرسة، واكتملت بالمدرسة المرحلة الابتدائية بعد نشوئها بسنتين، وتخرج الفوج الأول فيها عام 1963، وقد قام بالتدريس فيها معلمون عمانيون وآخرون من الدول العربية (انظر كتاب «نهضة التعليم في سلطنة عمان: لمحات عن ماضي التعليم في عمان» ــ وزارة التربية والتعليم وشؤون الشباب/‏‏ مسقط/‏‏1985).

من هذه المدرسة العريقة، التي كانت فرعا لمدرسة حملت الاسم نفسه في مسقط منذ افتتاحها سنة 1940، تخرج أبوسالم حاملا الشهادة الابتدائية، ليبدأ بعدها مباشرة رحلة الهجرة إلى خارج بلاده من أجل إكمال دراسته، على نحو ما كان يفعله كل أقرانه من العمانيين المتعطشين للعلم والمعرفة آنذاك، ممن اضطروا للحصول على الشهادتين الإعدادية والثانوية من مدارس الدول الخليجية المجاورة بسبب عدم وجود مدارس هاتين المرحلتين داخل حدود السلطنة زمن السلطان سعيد بن تيمور.

وهكذا ارتحل موسى إلى دبي أولا، وفيها نال شهادة الإعدادية من «مدرسة دبي»، ثم ارتحل إلى أبوظبي للالتحاق بمدرسة جابر بن حيان التي أنهى فيها دراسته الثانوية في مطلع السبعينات من القرن العشرين. ومن أبوظبي سافر إلى بيروت التي شهد عصرها الذهبي ما بين عامي 1971 و1976 وتشبع من أجوائها الثقافية والفنية والأدبية، فيما كان يتابع دراسته في تخصص الجغرافيا بكلية الآداب التابعة لجامعة بيروت العربية، ويقيم في منطقة الحمراء مع صديق عمره رضا بن علي بن عبداللطيف (شقيق سفير عمان الأسبق لدى بلاط السانت جيمس حسين عبداللطيف) داخل شقة في بناية بطرس سماحة.

ولأني كنت أدرس في الحقبة نفسها في بيروت، ولأني كنت من رواد أحد مقاهي شارع الحمراء الشهيرة (مقهى الويمبي)، ناهيك عن كوني أحد الطلبة الناشطين في التجمعات الطلابية الخليجية آنذاك، فقد تعرفتُ على أبي سالم وزملائه العمانيين الطيبين في ذلك المقهى. وسرعان ما فعلت الكيمياء الشخصية عملها لجهة انجذاب كل منا نحو الآخر، بل وتعلق بعضنا ببعض من خلال الحرص على حضور معظم الفعاليات الفنية والثقافية البيروتية سويا، ومساعدتي له في إدارة بعض الأنشطة الطلابية داخل نادي الطلبة العمانيين ببيروت الذي تولى قيادته لسنوات طويلة بعد ضمور واضمحلال ما كان يسمى برابطة الطلبة العمانيين وخليفتها «الاتحاد الوطني لطلبة عمان» ذي التوجهات الثورية اليسارية.

جملة القول أنه نشأت علاقة صداقة مستمرة بيننا مذاك وحتى يومنا هذا دون انقطاع، رغم ذهاب كل منا في درب منفصل. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن علاقتنا تخللتها أيام صعبة وظروف حياتية قاسية وتهجير وإيذاء وتجويع بسبب مناخات الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في منتصف أغسطس 1975 وكان كلانا شاهدا على حماقاتها، فما زادتنا تلك الصعوبات إلا تلاحما إلى أن قدر الله لكلينا الخروج من بيروت بمعجزة ربانية تمثلت في حلولنا معا في القاهرة لنبدأ سويا رحلة أخرى في عاصمة عربية كبرى كانت تتلمس آنذاك خطواتها الأولى نحو الخروج من أسر النهج الاشتراكي الناصري الصارم إلى النهج الرأسمالي المنفتح. وهنا أيضا كنا شاهدين على هذه التحولات وتداعياتها السلبية والإيجابية كوننا أقمنا معا في شقة واحدة بمدينة الأطباء والصيادلة في منطقة الدقي.

وبسبب علاقتي الجميلة هذه بأبي سالم فإني أستطيع أن أقول بثقة إنه من رجالات عمان المتميزين بثقافة واسعة، وشغف بالاطلاع على مختلف الفنون والثقافات، وحرص شديد على إبراز الوجه التاريخي الناصع لبلاده في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، هذا فضلا عن أنه صاحب بديهة حاضرة وملكات جميلة وقفشات وظرف وحديث ممتع لا يُمل منه.

في عام 1965، بدأ أبوسالم نشاطه الإداري الأول وذلك حينما أسس «النادي الأهلي العماني» في مسقط رأسه بمدينة مطرح، وتولى رئاسته، وشارك في أنشطته الثقافية والمسرحية. ونتوقف هنا لنقرأ عن دور النادي الأهلي في الحركة المسرحية العمانية. ففي تحقيق لها قالت صحيفة الوطن العمانية (27/‏‏9/‏‏2015): «العروض المسرحية كانت في الغالب تأخذ مسار الكوميديا الاجتماعية إضافة إلى بعض التجارب المسرحية المتأثرة بما شاهده الطلبة من عروض مسرحية أثناء دراستهم في الخارج.. وتعتبر تجربة النادي الأهلي هي التجربة الأكثر ثراء وتوثيقا في هذا المجال والتي أبرزت مسرحيين أبدعوا في عطائهم ويعود لهم فضل الريادة في الحركة المسرحية في عمان ومنهم الفنان محمد بن إلياس فقير الذي كتب وأخرج ومثل العديد من مسرحيات النادي الأهلي، وأيضا الفنان رضا عبداللطيف الذي بدوره كتب وأخرج ومثل في فرقة النادي الأهلي، (وموسى بن جعفر بن حسن الذي ألف وأخرج مسرحيات عودة شنجوب، وين زمانك يا بحر، من الحياة، وسكيتشات الدراويش الغنائية)».

وحينما كان أبوسالم طالبا في دولة الإمارات العربية المتحدة شارك في تأسيس نادي لطلبة عمان في إمارة دبي، كما تولى رئاسة نادي طلبة الأقسام الداخلية في إمارة أبوظبي حينما كان طالبا في المرحلة الثانوية. ومما لا شك فيه أن هذه الخبرات التي اكتسبها من تأسيس وإدارة الأندية انتقلت معه إلى بيروت حينما وصلها للدراسة الجامعية في مطلع السبعينات. فقد انتخب رئيسا لرابطة الطلبة العمانيين في العاصمة اللبنانية، ثم عمل على تصحيح مسار هذه الرابطة بتأسيس «نادي طلبة عمان في بيروت» ككيان اجتماعي ثقافي بعيد عن العمل السياسي، فانتخب رئيسا له وظل في منصبه هذا حتى قيام الحرب اللبنانية الأهلية على نحو ما أسلفنا.

أما لجهة سيرته المهنية، التي بدأت بمجرد إنهاء تحصيله الجامعي في سنة 1976 وحصوله على ليسانس الجغرافيا العامة، ومن ثمّ عودته إلى بلاده للمشاركة في نهضتها، فقد كانت باكورتها توليه منصب مدير دائرة العلاقات الثقافية في وزارة التربية والتعليم زمن وزيرها الأسبق الدكتور أحمد بن عبدالله الغزالي، علما بأنه انتخب في العام نفسه للمرة الثانية رئيسا للنادي الأهلي بمطرح، كما انتخب في عام 1983 كأول أمين عام للنادي الجامعي بمسقط والذي عُدل اسمه إلى «النادي الثقافي» بعد تأسيس جامعة السلطان قابوس سنة 1986.

وما لبث أنْ حصل في عام 1982 على ترقية وظيفية تمثلت في تعيينه مديرا عاما للبعثات والعلاقات الخارجية بوزارة التربية والتعليم، وبهذه الصفة شارك -مذاك- في جميع مؤتمرات اليونيسكو، ومكتب التربية الدولي، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) التابعة لجامعة الدول العربية، كما عين في هذه الفترة عضوا في مجلس الأمناء لكلية الخليج للتكنولوجيا بالبحرين.

على أن الرجل لم يستمر في وظيفته الجديدة طويلا، فبعد مرور عامين نال ترقية أخرى مستحقة تجسدت في نقله إلى باريس مندوباً دائماً لبلاده لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، قبل أن يصدر في عام 1991 مرسوم سلطاني يقضي بمنحه لقب «سفير سلطنة عمان لدى اليونيسكو».

ويمكننا القول إن انتقاله إلى العاصمة الفرنسية شكل منعطفا مهما في حياته، كيف لا وهو العاشق للفنون والثقافة والجمال والآثار والمتاحف وغير ذلك مما تكتنز به العاصمة الفرنسية. فهو لئن شرع يؤدي واجباته الوظيفية بتفانٍ وعشق من خلال المؤسسة العالمية الأبرز في مجال التربية والتعليم والعلوم والثقافة والمشاريع التراثية والحضارية، فإنه من جهة أخرى استثمر جزءا من وقته في مواصلة تعليمه العالمي. وشاهدنا هو أنه في ما تبقى من سنوات الثمانينات، ترأس وفد عمان إلى العديد من المؤتمرات ومنها على سبيل المثال: المؤتمر الدولي لمحو الأمية (باريس 1985)، ومؤتمر اليونسكو العام (صوفيا 1985)، ومؤتمر التربية الدولي (جنيف 1988)، كما ترأس المجموعة العربية لدى اليونيسكو في عام 1986 (ظل كذلك حتى عام 2004)، وفي الوقت نفسه كان طالبا ملتحقا بجامعة باريس الخامسة المعروفة بجامعة السربون القديمة (رينيه ديكارت)، التي درس بها دكتوراه المرحلة الثالثة ثم دكتوراه الدولة التي أنجزها في القانون في يوليو عام 1990 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، حيث كانت لجنة التحكيم مكونة من نائب رئيس الجامعة وعميد كلية الحقوق فيها البروفيسور بيار فيلارد، والبروفيسورة مدام جيفري أسبينوزي أستاذة القانون المقارن بالجامعة، والبروفيسور باسم الجسر أستاذ القانون بالجامعة اللبنانية والمدير السابق لمعهد العالم العربي بباريس، والبروفيسور البشير المحجوب أستاذ العلوم بالجامعة التونسية.

وتقديرا لإنجازه العلمي هذا الذي أدخله تاريخ بلاده كأول فرانكفوني عماني وأول عماني يحصل على درجة الدكتوراه من السوربون، معطوفا على إنجازاته المهنية، التي تمثلت في تكريس حضور سلطنة عمان في مشاريع وأعمال اليونيسكو الثقافية والتراثية والحضارية، وبناء علاقة تعاون والتزام متينة بين عمان واليونيسكو، منحته بلاده الدرجة الخاصة في الثالث من مارس سنة 2009، ثم صدر في التاسع من فبراير 2016 المرسوم السلطاني رقم 7 لسنة 2016 الذي قضى بتعيينه مستشارا بوزارة الخارجية. وبهذه الصفة ظل أبوسالم في باريس يعمل مستشارا لبلاده لدى منظمة اليونيسكو.

ومن الجدير بالذكر أنّ أبا سالم تولى العديد من المهام أثناء عمله في أروقة اليونيسكو، من تلك التي عززت من مكانته ومكانة بلده في هذه المنظمة الدولية من جهة، ورسخت علاقاته مع العديد من الشخصيات والرموز التربوية والعلمية والثقافية والدبلوماسية المنتمية إلى مختلف دول العالم من جهة أخرى. من هذه المهام: رئاسة المؤتمر العام لليونيسكو في دورته الـ33 في أكتوبر 2005؛ رئاسة لجنة المقر في اليونيسكو ما بين عامي 1989 و1991؛ رئاسة لجنة الترشيحات بالمؤتمر العام لليونيسكو ما بين عامي 1989 و1995؛ رئاسة اللجنة الإدارية والمالية في المجلس التنفيذي لليونيسكو سنة 1994؛ رئاسة لجنة المنظمات غير الحكومية في اليونيسكو ما بين عامي 1993 و1994؛ رئاسة مجموعة الـ77 ما بين عامي 1992 و1993. إلى ما سبق حصل أبوسالم على عضوية مجلس إدارة معهد العالم العربي ثم صار نائبا لرئيس المعهد لخطة تنمية الثقافة العربية ما بين عامي 2000 و2004.

وهو حاصل على وسام الاستحقاق الثقافي في الفنون والآداب من رتبة كمندور (قائد) من الجمهورية الفرنسية 2008، ووسام الشرف الرئاسي من جمهورية بلغاريا 2008، وميدالية اليونسكو الذهبية من قبل مدير عام اليونسكو (2007)، و3 ميداليات فضية من قبل اليونيسكو (في الأعوام 1991، 1993، 1995)، ولقب سفير السلام من قبل الفيدرالية الدولية من أجل السلام العالمي والفيدرالية الدولية للأديان من أجل السلام 2007.

وما بين هذا وذاك، عمل أبوسالم أستاذا محاضرا في العلاقات الدولية والدبلوماسية لمنطقة الأوسط وشمال أفريقيا لدى الجامعة الأمريكية للدراسات العليا بباريس، وكتب مجموعة من المقالات في الثقافة والتراث والفنون والعلوم الاجتماعية، ونشر في عام 1990 مؤلفاً مهماً بعنوان «تطور القانون الإداري العماني». في هذا الكتاب، الذي طُبع لاحقا بالإنجليزية والفرنسية، تناول المؤلف تاريخ عمان والنشأة التدريجية للقانون الإداري العماني منذ دخول البلاد الإسلام، مبرزا دورها الحضاري والملاحي في عهود اليعاربة ودولة البوسعيد، ومتطرقا إلى ذاتية القانون الاداري العماني ومصادره ومبادئه العامة، ومفصلا كافة الأحكام والأهداف والجوانب التي تنظم وتحكم الإدارة المحلية والجهاز الإداري للدولة وقوانين الخدمة المدنية مع عقد مقارنات بينها وبين مثيلاتها في بعض الدول العربية.

طريق إلى المحبة

أما كتابه الآخر (الحوار: طريق إلى المحبة) فقد صدر في عام 2010 عن منظمة اليونيسكو باللغتين العربية والفرنسية، ثم أعيدت طباعته في عام 2016، حاملا ذلك العنوان الذي يتلاءم مع شخصية وسجايا المؤلف المسالمة الجانحة دوما للحب والحوار والتآلف والصداقة.

والقارئ لهذا الكتاب سيجد فيه كلاما طيبا يلين له الفؤاد، ويتقبله العقل والمنطق بيسر حول ضرورة حسن الظن بالآخر، والحوار معه كأفضل طريق لمعرفته. ويكفي هنا الاستشهاد بما كتبته صحيفة رائدة مثل الشرق الأوسط (4/‏3/‏2010) عن الكتاب ومؤلفه حينما قالت: «وتأتي أهمية الكتاب، ومتعة مطالعته، من أن اهتمامات كاتبه لا تنحصر في العمل الدبلوماسي وعضويته في العديد من اللجان والمجالس الدولية فحسب، بل هو أديب من طراز خاص، وأستاذ محاضر في العلاقات الدولية، متخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (...). وإذا كانت مفردة الحوار هي المفتاح الصحيح الذي يدور في أقفال كافة القضايا السياسية المعقدة في العصر الحديث، فإن موسى بن جعفر يملك من التجارب المتنوعة، ومن سحر البيان ما يجعل الاستماع إلى خطبه العديدة دروسا في الثقافة العربية وإضاءات لتاريخ الخليج، وهي خطب ألقاها من المنابر الدولية على مدى ربع قرن كان خلاله مندوبا دائما لبلاده في اليونيسكو. ولم يهبط الرجل على هذا الموقع بالمظلة، كما يقولون في التعبير الفرنسي، بل جاء مسلحا برحلة تعليمية طويلة...».

واستطردت الصحيفة قائلة: «عرف السفير العماني كيف ينجو بخطاباته مما يسمى باللغة الخشبية. وإذا كان بعض الحضور ينتهز فترات الخطب الطويلة في المؤتمرات العالمية لكي يأخذ إغفاءة قصيرة، فإن من يستمع إلى موسى بن جعفر يشعر بتيقظ الحواس، وبمتعة ملاحقة الفكرة وهي تتنقل بسلاسة من الاستشهاد بحديث شريف إلى أمنية جالتْ في قلب الأديب العربي أنطون الجميل، ومن قول للمفكر الإيطالي أمبرتو إيكو إلى حكمة لبوذا، ومن مقولة للإمام الشافعي، إلى بيت للمتنبي، أو لشكسبير، دون أنْ ينسى مثلا عمانيا يقول (ليت في كل طريق لي صديق). أليس هو الخطيب الذي افتتح المؤتمر العام لليونيسكو في خريف 2007، بعد سنتين من رئاسته له، بنص بليغ من ملحمة الأوديسا فقال: «ها أنا اليوم الشخص العادي، آتي إليكم بعد عامين من وضع ثقتكم فيّ لأعيد إليكم الأمانة وليتسلمها غيري، وتسير عقارب الساعة كما يرسمها لنا الزمن...». إنه موسى بن جعفر الذي وجه أبياتا شفافة من الشاعر البريطاني وليم وردزوورث إلى النساء الحاضرات في ذلك المؤتمر، وختمها بمخاطبتهن قائلا: «بوركت أيتها المرأة، أما وحبيبة وأختا وزوجة وصديقة، لأنك أنت الحياة»، وهي عبارات تكتسب مغزاها من أن قائلها هو رجل من الشرق، ومن الخليج العربي الساعي إلى نهضة نسائية طال انتظارها».