وزير خارجية طهران.. ذراع لمخابرات الملالي في الغرب
«نيويورك ريفيو أوف بوكس» تفضح التاريخ الأسود لظريف
الثلاثاء / 05 / ذو الحجة / 1440 هـ الثلاثاء 06 أغسطس 2019 22:31
ترجمة: حسن باسويد (جدة) baswaid@
في خضم هذا الاضطراب، تم الاتصال بكيان من قبل ممثل «سوروس» يدعى (أنتوني ريختر) للانضمام إلى معهد المجتمع المفتوح. وتتمثل وظيفة كيان في دعم المحامين وناشطي حقوق الإنسان الإيرانيين الذين يقومون بحملات من أجل مبادئ مثل حرية المعلومات وتمكين المرأة، وربطهم بالمنظمات الإقليمية والدولية. وتعرف ريختر في ذلك الوقت على الدبلوماسي الإيراني في نيويورك «جواد ظريف».
ظريف الذي هو اليوم وزير خارجية إيران، كان في ذلك الوقت، عام 2004 ممثلاً لإيران لدى الأمم المتحدة، ما جعله أيضاً سفيراً غير رسمي لطهران لدى الولايات المتحدة (نظراً لعدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بعد أزمة الرهائن بين عامي 1979 و1981).
كانا يلتقيان معه في نيويورك منذ العام 2004، وكان ظريف آنذاك يسوق كذباً وخداعاً لانفتاح النظام الإيراني.
أخذ أنتوني ريختر كيان للقاء ظريف عدة مرات في مكتبه في نيويورك وهناك وضعوا خططهم للعمل في إيران.
التقى كيان وريختر مع ظريف في نيويورك عدة مرات، أربع أو خمس مرات على الأقل، على مدار عامين، لوضع خططهما الطموحة لإصلاح النظام في طهران، وكان ظريف يوهم كيان بالوعود بالتوقيع على تلك المشاريع، ولكن في نفس الوقت يتم تسجيل تلك اللقاءات وإرسالها مباشرة إلى الاستخبارات الايرانية.
بعض أصدقاء كيان كانوا حذرين من أنه يخضع للمراقبة من قبل أجهزة الأمن تحت «مؤامرة أجنبية» ضد النظام. لكن كيان كان يؤمن بما يقوم به، وأقنعه شيء واحد أنه سيكون في أمان، وهو أن «مشروعه الإصلاحي» تلقى الضوء الأخضر من الدبلوماسي الإيراني في نيويورك «محمد جواد ظريف».
ففي غرفة الاستجواب وبعد بضع سنوات، علم كيان كيف كان ساذجاً باعتقاده أن هذا يعني أنه آمن، وأن موافقة ظريف لا تعني شيئاً، وأن القوة الحقيقية للنظام تكمن وراء الكواليس مع المرشد الأعلى آية الله خامنئي، ومجموعة من رجال الدين المتشددين وضباط الحرس الثوري وعملاء المخابرات.
لقد رأوا المبادئ التي تمثلها سوروس، في التبادل الحر للأفكار، وأولوية الحقوق الفردية، والحكومة المسؤولة بالكامل، باعتبارها عدوى غربية من شأنها أن تدمر الجمهورية الإسلامية في النهاية من الداخل. لقد سعوا لضمان ولاء الناس للنظام، وليس للحرية.
دفع كيان ثمنا باهظا لهذا السذاجة. ومع ذلك، حتى بعد إلقاء القبض عليه، وصدمة الاستجوابات، لم يتمكن من تحمل مغادرته وفقد بلده من جديد والعودة إلى الانجراف الذي لا أساس له في المنفى. فأوقف عمله السياسي، لكنه بقي في طهران، على أمل أن يتركوه وشأنه.
ولكن قبل 10 سنوات، جاءت حملة القمع الحقيقية. فبحلول عام 2009، كان المشروع الإصلاحي قد أغلق إلى حد كبير، وجهود الرئيس محمد خاتمي الرامية إلى الإصلاح الديموقراطي قد عرقلها مجلس صيانة الدستور غير المنتخب وأغلقت معظم الصحف، وأعاد الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد، الجمهورية الإسلامية إلى موقفها الافتراضي الممثل في معادة الغرب وإنفاذ القواعد الاجتماعية الصارمة في البلاد.
كانت آخر حركة إصلاحية للإصلاحيين هي الحركة الخضراء عام 2009، عندما خرج مئات الآلاف من الإيرانيين إلى الشوارع للاحتجاج سلمياً على إعادة انتخاب أحمدي نجاد في تصويت يعتقدون أنه تم تزويره. كانت الاحتجاجات مثيرة للإعجاب بشكل كبير، لكن نظام الحكم تمكن من سحق أعدائه الإصلاحيين مرة واحدة وإلى الأبد.
في يوليو 2009، كان كيان خارج السجن لأكثر من عام، على أمل أن يتمكن من البقاء في البلاد من دون أي مضايقات.
كانت الحركة الخضراء تبني على مدار الأسابيع القليلة الماضية، وقوات الباسيج كانت تقمع تلك التظاهرات بوحشية. كان المتظاهرون يموتون في الشوارع وكان أي شخص لديه أدنى صلة بالإصلاحيين يتم اعتقاله، متهماً بالتآمر الواسع لإسقاط الدولة. ووجد كيان نفسه مرة أخرى في سجن إيفين.
لقد تحمل بضعة أشهر قاسية في الحبس الانفرادي قبل أن يتم نقله في النهاية إلى ظروف أفضل في سجن «فيلا» حيث كان نزلاؤه من الشخصيات المعروفة، ولكن كان الخوف من المشنقة يطاردهم جميعاً، والتقى هناك بصديقه مصطفى تاج زاده، مسؤول الانتخابات السابق في حكومة خاتمي.
ضمت مجموعة فيلا نائبين سابقين ورئيس البرلمان. مثل معظم القادة الإصلاحيين، فقد كانوا في السابق يقودون كوادر الثورة الإسلامية لكنهم تحولوا إلى نظرة أكثر ليبرالية في التسعينيات.
يقول راندولف: قال لي كيان عندما التقينا في نيويورك، بعد سنوات «إن تربيتي العلمانية الليبرالية لم تعطني أي إحداثيات تقريباً لفهم ما هي الدولة الثيوقراطية، والآن بعد أن شعرت بالمهانة تحت أحذيتهم، شعرت بأنه من المناسب القول إنهم برابرة ومجانين من فترة العصور الوسطى».
وأضاف أن فترة معايشته في السجون مع زملائه كانت مؤثرة للغاية بالنسبة له وقال «لقد عاشوا حياة بعيدة عن تجربتي، فهم عايشوا ثورة، وحرب دامت ثماني سنوات مع العراق، كان لديهم رؤى ووجهات نظر لم أكن مؤهلاً للحكم عليها شعرت أنه يجب علي الاستماع والتعلم منهم».
في أغسطس 2010، عشية محاكمتهم الجماعية، التي تضمنت أكثر من 100 مدعى عليه، كان المشهد مصمماً لسحق الحركة الخضراء بشكل نهائي.
تيقن كيان أن الإصلاحيين كانوا مخطئين، فهم لم يتمكنوا من التخلي عن آمالهم القديمة لإصلاح الجمهورية الإسلامية، وما زالوا يشعرون أنه يمكن جعل النظام متوافقاً مع المفهوم الغربي لحقوق الإنسان والديموقراطية.
لقد تخيل الإصلاحيون نظاماً به انتخابات حرة ومجتمع مدني غير مقيد، لكن مع الدين الذي لايزال متشابكاً تماماً مع السياسة. لقد كان النظام الإسلامي في إيران من بين الأكثر راديكالية في الأيام الأولى للثورة، وكان «أسوأ من أيام حكم طالبان في أفغانستان». ولكن بالنسبة للإصلاحيين كانوا بحاجة إلى الاعتقاد بأن كل هذا الجهد كان يستحق العناء.
وقال كيان: «يقول الإصلاحيون إنهم يضغطون من أجل التفسير الديموقراطي للإسلام الذي أراده الخميني حقا لإيران».
وخلال أشهره في الحبس الانفرادي في سجن إيفين، طلب كيان كامل الخطب والكتابات التي تعود لآية الله الخميني.
وقال كيان «لقد قرأت جميع المجلدات السبعة والعشرين من الغلاف إلى الغلاف، وتفاجأت جداً فمنذ عام 1960 وحتى النهاية، كان للخميني خطاً ثابتاً جداً، فهو ليس لديه ما يقوله عن الديموقراطية، ولا شيء يقوله عن الليبرالية».
كيان أصبح لاحقاً ضمن آخرين نشأوا في الخارج، وكتبوا مذكرات مدعين أنهم لم يسعوا أبداً للإطاحة بالجمهورية الإسلامية، لكن في نفس الوقت، زعموا أن كل ما أرادوه كان إيران أكثر علمانية وليبرالية.
أراد كيان أن يرى نفسه جزءاً من الصراع، إلى جانب ملايين الإيرانيين الآخرين، الذي ربما لم يكن له جدوى ولكنه معتقد كان يستحق القتال من أجله. إن جريمته الحقيقية لم تكن خيانة، بل سذاجة الاعتقاد بأن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تكون متوافقة مع الديموقراطية على الطراز الغربي.
اليوم، الإصلاحيون هم قوة مستهلكة، ولا يزال بعض قادتهم رهن الاعتقال، وجميعهم تقريباً ممنوعون من ممارسة الحياة السياسية.
عمليا تم مسح كل أثر الرئيس الإصلاحي السابق خاتمي من الرأي العام وحتى وجهه وكلماته المحظورة من وسائل الإعلام. وفي ظل غياب أي خيار آخر، كان الإصلاحيون ملزمين بدعم «المعتدل» حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية لعامي 2013 و2017. واستعار روحاني خطاب الإصلاحيين الخاص بالحقوق المدنية وتعهد بالإفراج عن قادتهم المعتقلين، لكن ليست لديه سلطة تذكر ولم يغير شيئاً. إن القوة الحقيقية تكمن مع القائد الأعلى لفيلق الحرس الثوري الذي يجيب عليه فقط.
بعد تهميش الإصلاحيين، اختار النظام بشكل منهجي كل أشكال التنظيم الأخرى التي تحاول أن تكون مستقلة عن العقيدة الجامدة، الكتاب، دعاة حماية البيئة، منظمي العمل.
لا يزال هناك مجال للنقاش السياسي، لكن النظام هو من يحدد الشروط. ولكن عندما تندلع أي احتجاجات حقيقية من حين لآخر يتم إخمادها بلا رحمة.
إذا كان هناك أي أمل في التغيير، فهو يكمن في حقيقة أن الكثير من المجتمع الإيراني قد توقف عن محاولة فرض الإصلاح السياسي على النظام، وبدلاً من ذلك يحاول العيش كما لو كان غير موجود.
ردت السلطات على علامات التمرد الثقافي بإلقاء القبض على فتيات يكشفن شعرهن، أو أطفال يمارسون الرقص.
ولكن مع ازدياد أعداد أولئك الذين يتجاهلون النظام، أصبح تيار التغيير الاجتماعي لا يقاوم، ويبقى أن نرى كيف سيتكيف النظام مع ذلك التغيير.
ليس من الواضح كيف سيتأثر هذا بحملة «أقصى ضغط» الذي تمارسه إدارة ترمب. حيث يجادل البعض بأنها ستجذب او ستجبر أمة يائسة على ثورة جديدة.
الحقيقة هي أن لا أحد يعلم كيف سيكون ذلك.
وأشار راندولف قائلاً «كان المزاج السائد الذي شعرت به عندما عشت في طهران بين أولئك الذين أرادوا التغيير مزعجاً. لقد وضعوا ثقتهم في الإصلاح التدريجي وفشلوا، ووضعوا ثقتهم في الصفقة النووية، مع تلك الوعود بالانتعاش الاقتصادي وهذا فشل أيضاً. وكانوا يعلمون أن نظاما قد أمضى سنوات شحذ قدرته على سحق أدنى تلميح من المعارضة والاضطرابات».
وتحدث كيان قائلاً «هناك فكرة تسود بأن الحرس الثوري لم يعد من المقاتلين، بل أصبحوا مافيا إجرامية، سمينة وسعيدة ومهتمون فقط بالسلع المادية، ولكنهم لن يتخلوا أبداً عن اعتقادهم الأساسي بأن سياسات الغرب غير عادلة وغير شرعية».
وخلال المحاكمة الجماعية قبل كيان أخيراً بأنه لم يكن هناك مكان له في جمهورية إيران الإسلامية، مهما كانت جذوره تجعله يائساً في البقاء.
لكن الأمر استغرقه عدة سنوات للخروج. فقد حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، وخُفف في وقت لاحق إلى 5 سنوات من الإقامة الجبرية، ثم في عام 2015 أصبح ضمن الشروط في المفاوضات مع واشنطن التي أدت إلى الصفقة النووية.
وبقيت المحادثات حول قضية كيان سرية لأنه، إذا ساءت الأمور، فإنه لا يريد أن يُعاد إلى السجن مع الرهائن الآخرين للنظام، بمن فيهم الصحفي في الواشنطن بوست جيسون رضيان، وإذا فشلت المحادثات، فلن يغادر.
وفجأة، تلقى كيان مكالمة في 15 يناير 2016 من رئيس قسم المصالح الأمريكية في السفارة السويسرية يخبره بأن أمامه 10 دقائق ليقرر ما إذا كان يريد المغادرة تلك الليلة على متن طائرة عسكرية سويسرية.
قد تكون فرصته الوحيدة للخروج لكنه اشترط أن يأخذ زوجته وطفليه معاً كمواطنين أحرار.
لقد كانت مقامرة، لكن في النهاية سارت الأمور في طريقها الذي أراد. ففي صباح اليوم التالي، اتصلت وزارة الخارجية تقول إن جواز سفر كيان جاهز ويمكن للعائلة المغادرة عندما يرغبون.
وقبل أن يغادر تاج بخش، كان لديه لقاء أخير مع ضابط الحرس الثوري، الذي كان عليه أن يسجله كل أسبوع طوال السنوات الست الماضية. وسأله كيان «هل سأرى إيران مرة أخرى؟».
بعد كل هذا، كان التخلي عن الوطن بالنسبة لكيان لا يزال مؤلماً.
قال الضابط: «لماذا لا تستمتع بالمعيش في الغرب لفترة».
كيان تاج بخش، الذي التقاه الصحفي راندولف في مقهى (أبر ويست سايد) في نيويورك، يعيش اليوم وعائلته في الولايات المتحدة ويعمل أستاذاً للهندسة المعمارية والتخطيط.