السعوديون.. جنوبيون في صنعاء.. شماليون في عدن !
الاثنين / 11 / ذو الحجة / 1440 هـ الاثنين 12 أغسطس 2019 02:20
محمد الساعد
لا يكاد اليمن يصحو من عثرة حتى يسقط في أختها، فطوال تاريخه الحديث وهو عالم من الصراعات والفتن والحروب الأهلية، يمن غادرها الفرح ولم يعد إليها، ألم يقل ابنها وشاعرها الكبير عبدالله البردوني:
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبت؟؟
مليحة عاشقاها السل والجرب
في العام 1948 حدثت أول حرب أهلية تحت اسم ثورة الدستور وهي انقلاب مسلح قاده الإمام عبدالله الوزير على المملكة المتوكلية، وقتل خلالها الإمام يحيى حميدالدين، أزيح آل حميد الدين من الحكم لفترة وجيزة وتولى عبدالله الوزير السلطة كإمام دستوري، فشل الانقلاب بعد أن قام الإمام أحمد حميد الدين بثورة مضادة مؤيدة بأنصاره من القبائل، واستطاع خلالها إجهاض الثورة وإعدام الثوار.
لم تكد تلك الحرب أن تخمد تحت الرماد حتى اشتعل فتيلها في العام 1962، ويقودها «حرس الإمامية»، كان الانقلاب يأتي دائما تحت مسمى «ثورة» لكنه في حقيقته خليط من اندفاع وتقليد لانقلابات حدثت في بعض الدول العربية «مصر - العراق - سوريا»، في اليمن تحول الانقلاب لحرب أهلية دامية استمرت ثماني سنوات عجاف.
وجدت السعودية الجار الأكبر أن اليمن الموجود في خاصرتها الجنوبية ينزلق في فترة ما بعد انقلاب 1962 لهوة سحيقة بوجود سياسيين يمنيين يمسون ملكيين ويصبحون جمهوريين ينقلبون كما ينقلب الماء في الأيادي، فلا تكاد تمسكه ولا تكاد تلاحظه.
دعت الرياض بشكل عاجل العام 1970 لمؤتمر وطني في مدينة جدة ينهي ثماني سنوات من حرب أهلية لا منتصر فيها، في محاولة أخيرة لإنقاذ اليمن من التشرذم والانهيار الكلي، ورمت بثقلها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإيقاف معاناة اليمن.
عاد اليمنيون إلى صنعاء لكنهم كانوا بانتظار حروب أخرى مع اليمن الجنوبي «الشيوعي»، استمرت العلاقة بين «الشطرين» في حالة صراع، إذ دعم الجنوبيون حراكا أهليا مسلحا في اليمن الشمالي كان يعمل تحت مسمى «الجبهة» التي استخدمت الأعمال العسكرية في مقاومتها لحكومة صنعاء واستمرت تلك الحرب لخمس سنوات.
جاء أيضا اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي 1977على يد رفقاء ووجهاء قبليين من داخل نادي الحكم ليصب النار في الزيت في بلد لا يكاد يتماسك حتى ينهار من جديد.
تولى من فوره الرئيس حسين الغشمي سدة الرئاسة 1977 ولكنه لم يمض عام واحد في الحكم حتى اغتيل في مكتبه في يونيو 1978، إثر انفجار حقيبة ملغومة حملها إليه مبعوث رئاسي من سلطات الحكم في عدن.
تولى علي عبدالله صالح الحكم، إلا أن انقلابا عسكريا فاشلا كاد يطيح به في 1978 على أيدي ضباط من التنظيم الناصري، الانقلاب فشل، إلا أن الأوضاع الداخلية في اليمن بقيت على حالها.
في العام 1979 اندلعت حرب حدودية بين اليمن الشمالي الموجوع من اغتيال زعيمه، والجنوبي الطامح في توحيد البلاد تحت رؤيته الماركسية.
اليمن الجنوبي لم يكن بأحسن حال من أشقائه في الشمال فمنذ الاستقلال عن البريطانيين 1967، وصعود الثوار اليساريين للحكم والصراع بين الرفاق لا ينتهي، وكانت التصفيات الدموية هي الحل الوحيد والمفضل بينهم حتى اندلعت حرب دموية أخيرة أدت لتصفيات ومجازر في العام 1986 قتل فيها أبرز قادة الحزب ونتج عنها عشرات آلاف القتلى من المدنيين والعسكريين.
أدت تلك الحرب إلى التفكير في الوحدة بين اليمنيين وتحقيق دولتهم الحلم، بالفعل في العام 1990 عقدت اتفاقات الوحدة بشكل مفاجئ، لكنها لم تكد تستمر إلا أربع سنوات لتندلع حرب انفصال 1994 بين الجنوبيين والشماليين، وبعد أشهر من الدماء والقتلى استطاع الشطر الشمالي الانتصار وفرض هيبة وسيادة الدولة على مجموع اليمن.
هل كان ذلك مصير اليمن المنتظر، بالتأكيد لا.. فقد عمل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح على توزيع الثعابين في جراب اليمن وضربهم ببعضه البعض، فأدخل ثعبان القاعدة وسهل حركتهم، وايقظ «الإماميين الجدد» -الحوثيين- في سعيه لخلق حالة من التوازن، ولم يكن يعلم أن قتله وتصفيته سيكون على أيديهم بعد ذلك.
في العام 2004 اندلعت أول الحروب الست بين الشرعية اليمنية والحوثيين لتتلوها خمس أخرى تسببت في تعطيل اليمن وزيادة التسلح لدى المتمردين الحوثيين وعملوا خلالها على بناء علاقات وثيقة مالية وعسكرية مع أنظمة إيران وقطر وليبيا، الذين لم يكونوا ينظرون لصنعاء بل شمالا نحو الرياض، الأمر الذي اكتشفه السعوديون مبكرا وتصدوا له وأبقوه في مرقده لا يخرج عن حدود صعدة.
اليوم وكما فعلت السعودية قبل خمسين عاما مستشعرة دورها وجيرتها لليمنيين، تدعوهم لمؤتمر وطني يجمع كل أطيافهم، وكأنها تقول لهم: نحن جنوبيون في صنعاء، شماليون في عدن، وهي دعوة تكاد تكون الممر الأخير والآمن للعبور من نفق الحروب والصراعات والخيانات والاغتيالات والتراجعات عن المعاهدات والاتفاقات، فهل تستجيب صنعاء وتغني عدن، وتعود نبوءة اليمن السعيد.
* كاتب سعودي
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبت؟؟
مليحة عاشقاها السل والجرب
في العام 1948 حدثت أول حرب أهلية تحت اسم ثورة الدستور وهي انقلاب مسلح قاده الإمام عبدالله الوزير على المملكة المتوكلية، وقتل خلالها الإمام يحيى حميدالدين، أزيح آل حميد الدين من الحكم لفترة وجيزة وتولى عبدالله الوزير السلطة كإمام دستوري، فشل الانقلاب بعد أن قام الإمام أحمد حميد الدين بثورة مضادة مؤيدة بأنصاره من القبائل، واستطاع خلالها إجهاض الثورة وإعدام الثوار.
لم تكد تلك الحرب أن تخمد تحت الرماد حتى اشتعل فتيلها في العام 1962، ويقودها «حرس الإمامية»، كان الانقلاب يأتي دائما تحت مسمى «ثورة» لكنه في حقيقته خليط من اندفاع وتقليد لانقلابات حدثت في بعض الدول العربية «مصر - العراق - سوريا»، في اليمن تحول الانقلاب لحرب أهلية دامية استمرت ثماني سنوات عجاف.
وجدت السعودية الجار الأكبر أن اليمن الموجود في خاصرتها الجنوبية ينزلق في فترة ما بعد انقلاب 1962 لهوة سحيقة بوجود سياسيين يمنيين يمسون ملكيين ويصبحون جمهوريين ينقلبون كما ينقلب الماء في الأيادي، فلا تكاد تمسكه ولا تكاد تلاحظه.
دعت الرياض بشكل عاجل العام 1970 لمؤتمر وطني في مدينة جدة ينهي ثماني سنوات من حرب أهلية لا منتصر فيها، في محاولة أخيرة لإنقاذ اليمن من التشرذم والانهيار الكلي، ورمت بثقلها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإيقاف معاناة اليمن.
عاد اليمنيون إلى صنعاء لكنهم كانوا بانتظار حروب أخرى مع اليمن الجنوبي «الشيوعي»، استمرت العلاقة بين «الشطرين» في حالة صراع، إذ دعم الجنوبيون حراكا أهليا مسلحا في اليمن الشمالي كان يعمل تحت مسمى «الجبهة» التي استخدمت الأعمال العسكرية في مقاومتها لحكومة صنعاء واستمرت تلك الحرب لخمس سنوات.
جاء أيضا اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي 1977على يد رفقاء ووجهاء قبليين من داخل نادي الحكم ليصب النار في الزيت في بلد لا يكاد يتماسك حتى ينهار من جديد.
تولى من فوره الرئيس حسين الغشمي سدة الرئاسة 1977 ولكنه لم يمض عام واحد في الحكم حتى اغتيل في مكتبه في يونيو 1978، إثر انفجار حقيبة ملغومة حملها إليه مبعوث رئاسي من سلطات الحكم في عدن.
تولى علي عبدالله صالح الحكم، إلا أن انقلابا عسكريا فاشلا كاد يطيح به في 1978 على أيدي ضباط من التنظيم الناصري، الانقلاب فشل، إلا أن الأوضاع الداخلية في اليمن بقيت على حالها.
في العام 1979 اندلعت حرب حدودية بين اليمن الشمالي الموجوع من اغتيال زعيمه، والجنوبي الطامح في توحيد البلاد تحت رؤيته الماركسية.
اليمن الجنوبي لم يكن بأحسن حال من أشقائه في الشمال فمنذ الاستقلال عن البريطانيين 1967، وصعود الثوار اليساريين للحكم والصراع بين الرفاق لا ينتهي، وكانت التصفيات الدموية هي الحل الوحيد والمفضل بينهم حتى اندلعت حرب دموية أخيرة أدت لتصفيات ومجازر في العام 1986 قتل فيها أبرز قادة الحزب ونتج عنها عشرات آلاف القتلى من المدنيين والعسكريين.
أدت تلك الحرب إلى التفكير في الوحدة بين اليمنيين وتحقيق دولتهم الحلم، بالفعل في العام 1990 عقدت اتفاقات الوحدة بشكل مفاجئ، لكنها لم تكد تستمر إلا أربع سنوات لتندلع حرب انفصال 1994 بين الجنوبيين والشماليين، وبعد أشهر من الدماء والقتلى استطاع الشطر الشمالي الانتصار وفرض هيبة وسيادة الدولة على مجموع اليمن.
هل كان ذلك مصير اليمن المنتظر، بالتأكيد لا.. فقد عمل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح على توزيع الثعابين في جراب اليمن وضربهم ببعضه البعض، فأدخل ثعبان القاعدة وسهل حركتهم، وايقظ «الإماميين الجدد» -الحوثيين- في سعيه لخلق حالة من التوازن، ولم يكن يعلم أن قتله وتصفيته سيكون على أيديهم بعد ذلك.
في العام 2004 اندلعت أول الحروب الست بين الشرعية اليمنية والحوثيين لتتلوها خمس أخرى تسببت في تعطيل اليمن وزيادة التسلح لدى المتمردين الحوثيين وعملوا خلالها على بناء علاقات وثيقة مالية وعسكرية مع أنظمة إيران وقطر وليبيا، الذين لم يكونوا ينظرون لصنعاء بل شمالا نحو الرياض، الأمر الذي اكتشفه السعوديون مبكرا وتصدوا له وأبقوه في مرقده لا يخرج عن حدود صعدة.
اليوم وكما فعلت السعودية قبل خمسين عاما مستشعرة دورها وجيرتها لليمنيين، تدعوهم لمؤتمر وطني يجمع كل أطيافهم، وكأنها تقول لهم: نحن جنوبيون في صنعاء، شماليون في عدن، وهي دعوة تكاد تكون الممر الأخير والآمن للعبور من نفق الحروب والصراعات والخيانات والاغتيالات والتراجعات عن المعاهدات والاتفاقات، فهل تستجيب صنعاء وتغني عدن، وتعود نبوءة اليمن السعيد.
* كاتب سعودي