كتاب ومقالات

كيف تعمل فايروسات التطرف؟

هاني الظاهري

كشفت حادثة خطيب العيد الذي أساء لعمل المرأة في جدة أن من السهل إقامة مصلى غير مرخص وإلقاء الخطب على الناس دون موافقة من الجهات المختصة، وهو أمر ينبغي التوقف عنده ومعالجته بشكل جذري إن أردنا أن يتجاوز المجتمع الخطاب الديني المتشدد الذي أثبت أنه كالهواء قادر على التسرب من الشقوق والثقوب أمام أعيننا بكل سهولة، وهذا ما يزيد من خطورته ويجعل من مهمة القضاء عليه مسألة معقدة للغاية.

قد نتفاءل كثيراً في بعض الأحيان، لكن المنطق يؤكد أنه لا يمكن القضاء على الفكر المتطرف بشكل نهائي مهما حاولنا، فالأفكار لا تموت ولا تتبخر من عقول حامليها، وهناك المتطرفون والمعتدلون في كل المجتمعات والأديان، الشيء الوحيد الذي يمكن أن نفعله هو أن نحاصر هذا الفكر الخطير في دائرة ضيقة تمنعه من الانتشار، وتبقيه خاملاً، تماما كما يتعامل الطب مع الفيروسات الخطيرة، وهذا بالطبع لن يتأتى لنا ما لم نعمل بشكل جدي على تعزيز قوة الإجراءات، وضبط المخالفات ومعاقبة المخالفين بعقوبات رادعة تتناسب مع حجم الضرر الذي يلحقونه بالبلاد والعباد.

إن قوة تطبيق الأنظمة وتفعيل الرقابة وإيقاع العقوبات الرادعة على المخالفين هي المضاد الحيوي القادر على إبطال مفعول فايروسات التطرف، وهذا دور الأجهزة التنفيذية التي ينبغي أن تُدعم بكل ما من شأنه أن يسهّل عليها تنفيذ مهامها على الوجه الأكمل، وعلينا أن ندرك أن الفيروسات الخاملة تنشط آلياً في جسد حاملها عندما يضعف جهاز المناعة.

نعم، ستتم محاسبة الخطيب المخطئ ويطوى الموضوع ويتم تجاوزه، ولكن لنتخيل مدى المأزق الذي كنا سنجد أنفسنا فيه لو أن من استطاع تأسيس مصلى دون تصريح في قلب مدينة جدة والخطيب فيه أحد دعاة الإرهاب المنتمين لتنظيم داعش أو القاعدة أو الحوثيين؟ هل عرفتم الآن مدى خطورة هذه الحادثة؟!

ما نعرفه ونؤمن به وينبغي أن نعمل بناء عليه هو أن حرب السعودية اليوم مع التطرف بكل أشكاله ليست معركة عابرة أو خلافاً أيديولوجياً مؤقتاً فرضته الظروف، إنها حرب وجود بمعنى الكلمة، وقد أشار لذلك سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمقولته الشهيرة «70 في المئة من الشعب السعودي تحت سن الـ30، وبصراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم، لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم، ونساهم في تنمية وطننا والعالم».

نحن اليوم بحاجة ماسة لسد كل الثغرات التي قد يتسرب منها التطرف ويعيد بناء منظومته من خلالها، وهذه معركة لا نهاية لها كما أسلفت، لكن قدرنا أن نخوضها لينعم وطننا والأجيال القادمة بالأمن والسلام والازدهار الذي بشرت به رؤية 2030.

* كاتب سعودي