كتاب ومقالات

عام جديد وتفاؤل كبير

عبدالله صادق دحلان

بكل الأمل وبكل التفاؤل نستقبل عاما هجريا جديدا برغم جميع التوقعات والتكهنات العالمية والمحلية والإقليمية السلبية من خبراء اقتصاد أو من مسؤولي البنك الدولي أو من مؤسسات مهنية واقتصادية عربية أو إعلامية، نتيجة التقلبات السياسية التي تعيشها بعض دول العالم ومنها الدول العربية وعلى وجه الخصوص الخليج العربي، ومع جميع الأزمات التي عشناها في العام المنصرم والتي أدت الى توقعات بعض وسائل الإعلام العالمية ومنها مجلة «الإيكونومست» البريطانية في إصدارها السنوي والذي أوضحت فيها توقعاتها تجاه التغيرات الاقتصادية التي ستطرأ عالميا خلال عام (2019) والتي ستؤدي إلى هشاشة اقتصادية لمعظم اقتصاديات العالم والتي ستؤدي في النهاية إلى أزمة اقتصادية كبيرة مشابهة لأزمة (2008) وقد تكون أعنف حسب توقعات المجلة وبعض الاقتصاديين، الذين يعتقدون أنها ستؤثر على اقتصادات المنطقة العربية وقد تولد انفجارا عالميا اقتصاديا وسياسيا قد يقود إلى حرب تجارية عالمية ابتداءً من الحرب الأمريكية الصينية التجارية، ويتوقع أن تنتقل الحرب التجارية بين أمريكا وأوروبا وبين الصين وأوروبا؛ ستؤدي إلى تباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي وتقلبات في أسعار النفط وتضخم في حجم الدين العام عالميا وتراجع البورصات العالمية وتراجع معدلات التجارة العالمية والتصنيع والإنتاج.

ويبني معظم الاقتصاديين والمحللين الاقتصاديين في العالم توقعاتهم على واقع الاقتصاد العالمي في العام المنصرم ويعتمدون في توقعاتهم على توقعات صندوق النقد الدولي والذي أوضحت بعض تقاريره تراجع معدلات النمو في العالم بصفة عامة وفي الولايات المتحدة وبمنطقة اليورو وعلى وجه الخصوص في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والتي انخفض نسبة النمو من 1.9% إلى 1.6%، كما يتوقع انخفاض نسب النمو في بريطانيا نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتوترات الداخلية في بريطانيا والخلافات الفرنسية والإيطالية.

ويزيد من حالة القلق والتوتر الاقتصادي توقعات (كرستين لا غارد) مديرة صندوق النقد الدولي والتي صرحت بأن عام (2020) سيشهد أزمة اقتصادية ترتفع فيها الأسعار وتزداد نسب البطالة، ويتراجع حجم الإنفاق الكلي للاستهلاك والاستثمار، ويقود هذا القلق العالمي إلى التوترات السياسية في بعض مناطق العالم ونحن منها.

أخي القارئ هذا ملخص التوقعات العالمية للاقتصاد العالمي في العام الجديد الميلادي ونحن في بداية العام الهجري الجديد وبعده بثلاثة أشهر نستقبل العام الميلادي الجديد، آمل أن لا يصدم الجميع من هذه التوقعات وكم من توقعات في الماضي خالفها الواقع، وأنا بصفتي رجل أعمال وكاتب اقتصادي وأكاديمي ومواطن عربي سعودي متابع التحليلات المالية المحلية والدولية، وأراقب آثار تراجع النمو الاقتصادي على بعض أعمالي واستثماراتي أسجل اليوم وبكل ثقة تفاؤلي في مستقبل اقتصاد بلادي، وأطمئن رجال الأعمال الصغار والمتوسطين وبقية الشركات بأن اقتصاد بلادنا ليس هشا ليّنا سهل انكساره بل هو صلب قوي يصعب هدمه نتيجة الأزمة الاقتصادية المتوقع حصولها، وأذكّر زملائي من رجال الأعمال بأن المملكة قد مرّت بظروف أصعب وأزمات سياسية أكبر في دائرة المنطقة التي نحن فيها ولم تلجأ القيادة السعودية إلى وقف نظامها الرأسمالي الحر بل أطلقوا الحرية في حرب تحرير الكويت وحرب العراق لمن يرغب من رجال الأعمال تحويل أمواله للخارج بدون رقيب أو حسيب ولم تتأخر البنوك في التمويل وتوفير العملات والتحويلات.

وقد لا يتفق معي بعض الاقتصاديين إذا قلت إنني متفائل باستقرار الاقتصاد السعودي وأتوقع عند حدوث أي أزمة أن يزيد دخل المملكة من أسعار البترول التي سترتفع نتيجة أي قلق عالمي لعدم وصول الكميات المناسبة للطلب العالمي، وليعلم الجميع أن هناك احتياطات نقدية مضمونة وهناك استثمارات ضخمة للمملكة في جميع أنحاء العالم.

وليطمئن المستهلكون الذين أصيبوا بقلق المحبطين من المحللين لحالة الاقتصاد السعودي وأؤكد أن الدولة كفيلة بدفع رواتبهم وامتيازاتهم وحقوقهم، وملتزمة للمقاولين بدفع حقوقهم، مطمئنا المصانع بأن الدولة لن تتركهم يغرقون ويقفلون أبوابهم لأن معظم المصانع ممولة من الدولة وخسارتهم يعني خسارة صندوق الاستثمار الصناعي وخسارة للاقتصاد السعودي بأكمله.

وأنا متأكد بأن السياسة الاقتصادية والمالية في الأزمات ستحرص على زيادة الإنفاق الحكومي لتحريك السوق، وأن دعم استمرار المشاريع سيحافظ على نسب التشغيل.

وأجزم أن الأزمات تدفع أحيانا لخفض الأسعار مجاراة لضعف الطلب وأن نسب الأرباح ستنخفض من المبيعات إلى الحدود المعقولة والمقبولة وينتهي عهد المضاعفات في الأرباح.

إن الادخار عادة يكون أكبر في الأزمات والتبذير يكون مفقودا أيضا وهما الأساس في اقتصاد الفرد والأسرة.

إن أسباب تفاؤلي عديدة يصعب سردها وعلى رأسها الاستقرار السياسي والأمني، وعلينا جميعا المحافظة عليه ودعمه، وليعلم أصحاب الرأي الآخر أن تضخيم المشكلة أحيانا يولّد مشكلة أكبر.

* كاتب اقتصادي سعودي