كتاب ومقالات

الطلاق.. سرطان يتفشّى في جسد مجتمعنا!

نجيب يماني

في الوقت الذي يناقش مجلس الشورى معضلة الطلاق التي ضربت المجتمع بناء على تقرير لجنة الشؤون الاجتماعية لمشروع مكافحة العنوسة والطلاق، انبرى الزميل أحمد عجب في «عكاظ» ليضع أسباباً أوعز إليها السبب في تفشي الطلاق أولها (الحقوق التي حصلت عليها المرأة من قيادة وعمل واهتمام بمشاكلها في المحاكم) وهذا لم يعجب الزميل أحمد. فبعد أن كانت تتلطش في دهاليز المحاكم لا تعرف هل هي مطلقة أم معلقة يضيع مستقبلها ومستقبل أولادها دون نفقة أو رعاية تخضع لابتزاز الرجل وتهربه من مطالبها والتي تستمر لأعوام قد تموت ويضيع أولادها والزوج أمن العقوبة فأساء الأدب، مضيفاً أن هذا جعلها تستأسد على الزوج لشعورها بالقوة، ولو عرف الكاتب أن كل ما ذكره من حقوق وأكثر هي أصلاً مكفولة لها في شرع الله وإن غُيّبت بفعل قوى مؤثرة ذات يوم، مؤكداً له أن كلمة طالق أصبحت تسعد المرأة للخلاص من زوج مستهتر لا يرعى حقوق بيته وأهله. فعلاً الأرقام مفزعة بلغت 4500 حالة في الشهر أي 150 حالة طلاق في اليوم الواحد، وهذا يعني أننا نعيش شروخاً اجتماعية وأسرية تستوجب البحث بعمق وإخلاص عن الأسباب والحلول غير أسباب الأخ معجب أسباب حقيقية واقعية بعيداً عن الأسباب المعلبة والتوصيات الجاهزة وإطلاق الكلام على عواهنه بما لا يعالج هذا الكابوس المخيف.

إن هذا الرقم الكبير من حالات الطلاق، يشي بأن العلاقات الأسرية هشّة، وغير قادرة على الصمود، بما يستوجب بالضرورة الذهاب بعيدًا في استقصاء الأسباب، الأمر الذي يقود بداهة إلى النظر في طريقة اختيار الأزواج في مجتمعنا، والأسس المتوارثة التي يعتمد عليها، ومدى فاعلية هذه الطرق في واقع اليوم، والأثر المترتب على استمرار ذات الأساليب القديمة في الاختيار في واقع اليوم المتغير، وكيفية ترقية هذه الأساليب القديمة لتلائم واقع اليوم، دون أن نضطر إلى كسر منظومة القيم المجتمعية للمجتمع السعودي، على أن يكون ذلك عبر استبانات علمية توزع على الأسر، والحرص على إجابات صادقة وصولاً إلى الحقيقة التي تبنى عليها الحلول المنطقية والواقعية، فواقع الحال اليوم يشير إلى أن طريقة الاختيار للزوجة في مجتمعنا تنتهي إلى إحدى حالتين؛ إما تعايش يقوم على الحد الأدنى من التوافق والانسجام، ولا يكاد يحفظ تماسكه الظاهري سوى الأعراف الاجتماعية والعلائق المحيطة بالمؤسسة الزوجية والمؤثرة عليها، بما في ذلك الأبناء بشكل أساسي.. أو الحالة الأخرى المتمثلة في الطلاق عاجلاً أو آجلاً، على أن لا تغفل الاستبانة نفسها استجلاء تأثير المجتمع في العلاقة الزوجية سلبًا وإيجابًا.

إن الواقع المعيش يفرض ضرورة استحداث منهج التربية الأسرية في مراحل التعليم الأولى خاصة بعد الخطوة المباركة بتمكين المرأة من تدريس هذه المرحلة، لتجعل منه قيمة مرعية في عقول أبنائنا، وليس محفوظات منهجية تحشى بها الأدمغة وتستفرغ في كراسة الإجابات عند الاختبارات، لا بد من وضع منهجي أسري قابل لأن يتحول إلى قيم حياتية يعيشها الطلاب والطالبات، ويتمثلانها في حياتهما، وتكون حاضرة في خاطرهما حين يشرعان في تأسيس حياتهما مستقبلاً، بشكل تتوافق فيه القيم المرعية مع المستجدات العصرية والتي فرضها من يقود الوطن نحو النور والأمل، مناطه الديمومة والاستمرار. منهج أسري يخاطب الشباب من الجنسين بلغة عصرهم، ويعالج إشكالياتهم بمنطقهم، ويقودهم إلى حسن الاختيار المفضي إلى تماسك أسري، قوامه المودة والرحمة.

يرافقه نشاط اجتماعي تقوده المؤسسات ذات الاختصاص، بنشر ثقافة الوعي الأسري، وطرح المشكلات المتوقعة بكل شفافية وصدق، والتعامل معها بعيدًا عن المثالية، قريبًا من الواقعية في الحل، ويشترك علماء النفس والاجتماع بشكل متسق وصولاً إلى الهدف المنشود من تحصين الأسرة وفتح نوافذ التواصل بين أفرادها بشكل يضمن استقرارها وسلامتها من الاختلال والاهتزاز..

لا بد أن نستشعر حجم كارثة الطلاق، واضعين في الاعتبار أن هناك 4500 سيدة فارقت مؤسسة الزوجية بـ«وصمة الطلاق»، بكل ما تختزنه هذه الوصمة من الحمولة النفسية السالبة، والنظرة الاجتماعية الظالمة، غير غافلين الأثر النفسي على الأطفال، وما يحدث من تشاحن وشعور الغبن بين الأسر التي تقع في محيطها حالات الطلاق، كل هذا يظل حاضرًا، ويكفي أن ننظر إلى ما كان يحصل في ساحات المحاكم من هذا الصراع، ويترك أثره في حياة الناس والأسر بشكل واضح وجلي..

صفوة القول إننا في مسيس الحاجة إلى التعامل مع تقرير لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب، بكثير من الجد والاهتمام والعناية، ومغادرة حالة «الهروب إلى الأمام» من هذه القضية المهمة، فلا مناص من مواجهتها بكل صدق وشجاعة، ومناقشة أسبابها بشفافية، وتلمس الحلول لها بواقعية، فالمرأة في النهاية هي كائن حي، وما قامت به الدولة من تغيرات جذرية تجاه المرأة وتمكينها ووضعها في المكان اللائق بها لخطوات واثقة مؤطرة بالشرع الكريم ومن هنا على الرجل أن يعرف أنها مثله في الحقوق والواجبات وأن زمن الوصاية الذكورية بكل ما فيها من تعنت وشعور بالدونية تجاهها قد ولى إلى غير رجعة، فلهن مثل الذي عليهن.

* كاتب سعودي