كتاب ومقالات

مساءلة ومحاسبة.. «المناصب لا توزع تشريفا»

جدار الماء

جميل الذيابي

تأتي الأوامر الملكية الأخيرة في سياق الهيكلة المتواصلة للوزارات والأجهزة الحكومية السعودية. وإنشاء وزارة للصناعة والثروة المعدنية خطوة في الاتجاه الصحيح، وتعيين المستثمر والصناعي بندر الخريف وزيراً على الحقيبة المستحدثة يعني أن الدولة تصغي للقطاع الخاص، وتعلق آمالاً كبيرة على نهوضه واستنهاضه، للقيام بدور محوري في تنفيذ رؤية 2030، بهدف تنويع مصادر دخل الدولة، لا الاعتماد على مداخيل النفط فقط.

كما أن الأوامر الملكية الأخيرة تعزز مكافحة الفساد وحماية النزاهة. فقد نص أحدها على تعيين مازن الكهموس رئيساً للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وذلك بعد الحملة ضد الفساد التي قادها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.

وبلا شك لن يقتصر التعديل على تغيير رئيس الهيئة برئيس جديد، بل ستحدث تغييرات ملموسة في الآليات القانونية والإدارية لمكافحة الفساد في المجالات كافة.

وفي الوقت نفسه، قضى أمر ملكي آخر بتغيير مسمى ديوان المراقبة إلى «الديوان العام للمحاسبة». وهي خطوة مهمة، تنقل مهمات الجهاز من الرقابة إلى المحاسبة بمفهومها الشامل، في إطار الخطوات التي تتخذها الدولة لمحاربة الفساد، ما يؤكد حرص القيادة السعودية على رفع كفاءة التنفيذ والإنتاج، واستمرار مكافحة الفساد. وستكون للديوان بمسماه الجديد صلاحية إجراء التحقيقات اللازمة في المخالفات الواردة على أي من عقود الدولة، ومصروفاتها، ومن ثم اتخاذ اللازم بشأنها مباشرة دون الحاجة إلى اللجوء لجهات أخرى. وبهذا ينتقل الديوان من الرقابة «الشكلية» إلى «الموضوعية»، متمتعاً بصلاحية التتبع، والتحقق، والتحقيق، واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه المخالفات والتجاوزات.

وجاء تعيين ماجد الغانمي نائباً لوزير العمل للتنمية الاجتماعية، بدلاً من تماضر الرماح، وهو تعيين اقتضته الضرورة المتمثلة في عدم تحقيق الرماح المعدلات المطلوبة من الإنجاز في قطاع التنمية الاجتماعية، وضعف أدواتها وقدراتها، مع استمرار دفع الدولة باتجاه تمكين المرأة في جميع مجالات العمل العام.

الملاحظة الجديرة بالاهتمام أن الأوامر الملكية الأخيرة قضت بإنشاء هيئة للبيانات والذكاء الاصطناعي، ومركز وطني للذكاء الاصطناعي، ومكتب إدارة البيانات الوطنية. وهي مجالات تعلّق الدولة عليها آمالاً كبيرة لبلوغ الغايات التي تنشدها رؤية 2030 التي تعني ميلاد السعودية العصرية. وهو هدف إستراتيجي للقيادة السعودية؛ خصوصاً أن قيمة هذا القطاع الإستراتيجي ستبلغ نحو تريليون دولار بحلول العام 2020.

الأكيد أن الحكومة السعودية تسعى إلى الإصلاح والتغيير والتطوير، ولن تتردد في مساءلة ومحاسبة وإعفاء أي أمير أو وزير أو مسؤول كان كبيراً أو صغيراً لا يستطيع تحقيق توجهات الدولة. فالدولة لا توزع المناصب تشريفاً، بل تكلف بها من تتوخى فيه القدرة والثقة، بغية تطوير أداء مؤسسات الدولة بعيداً عن البيروقراطية، وتعزيز قدراتها لما فيه مصلحة الوطن والمواطن، لتحقيق التقدم والازدهار المنشود وفق آليات وبرامج ومبادرات رؤية المملكة 2030.