كتاب ومقالات

إسراء الغريب.. جريمة «كروموزومات» الشرف!

أسماء بوزيان

ماذا يعني الشرف؟ ماذا يعني في القاموس الاجتماعي وفي العرف والتقاليد عندما نسمع: ارتكبت الجريمة دفاعا عن الشرف؟

كثيرة هي تعريفات الشرف.. لكن هناك معنى يلفت النظر لأنه يحيلنا إلى الاحترام الذي يستحقه الإنسان، بل ويحيلنا أيضا إلى الاحترام الواجب لنفسه.

كل إنسان يفسر الشرف وفق المخزون الثقافي الذي يكتنزه الجزء السفلي من دماغه. وكل المهنيين يفسرون الشرف حسب ميولهم، فالسوسيولوجي مثلا يرى أنه «تلك الحاجة الحيوية للروح البشرية، التي لا تكتفي بالاحترام، لأن هذا الأخير متساوٍ عند الجميع وغير قابل للتغيير بل ويرى أن «الشرف» له علاقة بالإنسان نفسه الذي لا يطوق هذا المصطلح إلا في دائرته الاجتماعية». وأضع خطين تحت دائرته الاجتماعية.

هذه الدائرة الاجتماعية التي في كثير من الأحيان تقع تحت طائل الإرث القبلي، أو التقاليد أو الأعراف التي تجعل من الجنس فورة «كروموزومية» تنفخ في الرجل صفات الأهلية وترفعه لمرتبة المؤهل لقيادة أفراد الأسرة، وتجعل من الجنس الآخر (الأنثى) التابعة، الخاضعة لكل المواضع والمواقف وهي من شرف الجنس الذكر. وأي انحراف أو اعتلاء سيجر إلى العقاب الذي تقره الدائرة الأسرية، لإرضاء الدائرة الأوسع وهي الاجتماعية، باعتبار أن العقاب جاء من جنس الخطيئة، وهي انتهاك الشرف العائلي. نعلم أن الشرف مرتبط بقيمة عالية في ثقافة المجتمعات العربية الإسلامية، بل هو من صميم التقاليد ومن مراتب السمعة. وإذا مس هذا الجانب تشويها أو انتهاكات، فإنه يجر الانتقام بالعنف والقتل. نعلم أيضا أن في ثقافة هذه المجتمعات لا شيء يمحو «جريمة» المساس بالشرف وانتهاكه إلا «القصاص» وهو إزهاق الروح وهدر دم منتهك الشرف، دون مراعاة للقوانين والعدالة، لا وبل يفلت القاتل من العقاب والجزاء.

ما كانت جريمة إسراء الغريب إلا نموذجا من نماذج كثيرة في مجتمعاتنا العربية على امتدادها غربا وشرقا، من المحيط إلى الخليج.. وجريمتها هي جريمة مجتمع وجريمة تراكمات ثقافية واجتماعية أخذت على فهم مغلوط، وخضعت لموروث ما أنزل الله به من سلطان.

فالرجل الجدير بأن يحفظ شرفه وكرامته يؤمن أن ذلك ليس بمعزل عن حياة الآخرين أو الجنس الآخر، فهو لا يخضع لقاعدة أخلاقية خاصة به وحده تنزله منزلة «حلال علي حرام عليك». وإذا حباه الله «بالقوامة» لأن يحتل مرتبة المسؤولية الأخلاقية والأدبية والأسرية في محيط عائلته ومجتمعه، فذلك يجعله أكثر مسؤولية وأكثر حذرا في تقصي الحقيقة وتطبيقها عدلا وليس تجبرا وتعنتا وافتراء. وقبل أن يقدم على أي فعل أو زجر أو عقاب عليه أن يتحرى ويتبين الأنباء.. وقبل تطبيق ما يراه قواعد للشرف، عليه أن يطبق على نفسه قواعد الشرف التي يغتصبها سرا وعلانية. ولا أحد يطبق عليه القصاص الذي يجهر به في وجه الأنثى بحق أو بغير حق. ولذلك الرجل الذي يمارس العنف هو صورة مصغرة للمجتمع الذي يعيش فيه، وليس هناك استثناء في مجتمعاتنا العربية.

هذه الكرامة التي أوجدتها التقاليد في المجتمعات العربية والتي تدفع بالأشخاص لارتكاب جرائم ضد المرأة باسم الشرف، في الحقيقة ما هي إلا زيف الكرامة المغلفة بالتقليد والأعراف التي قفزت على ما جاء به الدين العادل، البين. فلذلك هي غير قابلة للانصهار لا في موروث ديني ولا أخلاقي ولا في نظام وضعي ولا في تشريع سماوي، بل تصنع قوانينها وتفتك بالترابط الأسري وتبعثر المجتمع وتزرع فيه الحقد والثأر. فالدين الإسلامي لما شرع الجلد للزنا لم يفضل الرجل عن المرأة، بل قال: «الزانية والزاني، فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة» ثم لم يقل الله سبحانه وتعالى: أقتلوهم واضربوهم وكسروا عظامهم!

وإذا ربطنا جرائم الشرف بالدين في هذه المجتمعات، فليكن ولنتبين ما جاء به الكتاب والسنة، فهل استسهل الدين الإسلامي قذف النساء؟ ألم يشترط تعدد الشهود؟. ألم يقل الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْما بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»، فهل تبين والد إسراء وإخوتها ما جاءهم من أنباء ومن افتراءات؟

المجتمع يصنع الفرد ويقولبه كما يشاء ولم يكن العكس في محيطنا العربي، لذلك تبقى هذه الجرائم نوعا من العقاب والوعيد من الأسرة للمحيط والمجتمع الذي يستسهل إزهاق الأرواح باسم الشرف.

* كاتبة عربية

asmek2@