كتاب ومقالات

الثقافة الـ «نكدة» في سيرة الوقت! (1/‏2)

تفاصيل

علي فايع

ما كتبه الدكتور معجب الزهراني في سيرته الذاتية «سيرة الوقت.. حياة فرد - سيرة مجتمع» التي صدرت مؤخراً عن المركز الثقافي للكتاب في 279 صفحة من القطع المتوسط، لا يمكن اختزاله في مقالة واحدة، أو مقالتين، ولكنني سأحاول الوقوف على ما رأيته الأبرز في هذه السيرة الحافلة بالمواقف والأحداث والمكاشفات، وأسجّل من خلال هذه المقالة اعترافاً بأنّ هذه السيرة الذاتية الأدبية جاءت مختلفة عن العديد من السير الذاتية السعودية التي كتبها أصحابها، وسبق لي الاطلاع عليها؛ لأنّ القارئ لهذه السيرة يمكنه أن يلحظ أنّها لم تكتب من أجل إبراز الوجه الجميل لصاحبها، ولا التعريف بتاريخه الذي لا شك أنّ في حياته العديد من الإنجازات العلمية والأدبية التي يحق له أن يتباهى بها، لكنه كتبها (كما يقول) من أجل نصّ حميم يعيد له بعض صور الحياة المفتقدة، وقد يسهم في تعميق الوعي بتحولات جذرية شاملة عايشها جيله ولم تشهد مجتمعاتنا مثيلاً لها من قبل طوال تاريخها.

الكتابة في سيرة الوقت اعتمدت على الواقع الذي تشكّلت فيه ذات الكاتب، لكنه استطاع من خلال الكتابة الالتزام بالحياد تجاه المواقف والأحداث، فلم تكن الكتابة بالنسبة له انتقاماً من المجتمع بقدر ما كانت محاولة لتعرية ثقافة النّكد التي استطاع إبرازها بشكل صريح، دون حاجة إلى تجميل الواقع أو اختلاق حكاياته، كما فعل ذلك أدباء كثيرون كان هدفهم الأبرز قبل الكتابة والمكاشفة مراعاة التقاليد الاجتماعية والدينية ومغازلة المجتمع بما يكتبون، ليس لأنّ ما كتبوه جميلاً على الإطلاق، ولكن لأنه يراعي ما توافق عليه المجتمع.

ويمكن إبراز ثقافة النكد التي كانت السمة الغالبة للعديد من المواقف والأحداث في هذا الكتاب ابتداء بزهو الذات بما تسمع وصاحبها يوصف بأنه ذئب أو سبع أو صقر، ويغضب وقد يخوض معركة فور أن يوصم بأنه كلب أو حمار أو رَخمَة!

كما تبرز هذه الثقافة بشكل أوضح في الذاكرة الذكورية التي لم تجرؤ (كما يقول) على جمع ونشر قصائد لست نساء أو سبع من الطبقة الأولى، كانت قصائدهنّ أجمل القصائد، لأنها نصوص حبّ وحياة، مع أنّ أجمل امرأتين قبل التحولات كانتا توضعان عن يمين الشاعر وعن شماله لتستحثّ القريحة فتفيض بأجمل مكنوناتها!

إضافة إلى نبذ المجتمع للعديد من المهن التي عبّر عنها بقوله: «ورغم متعتنا بمعاونة العم حسين على نفخ الكير ورؤية الشرر يتطاير في كل اتجاه إلاّ أننا لا نحرص على زيارة المصنعة إلاّ عند الحاجة، لأن الثقافة القبلية تحطّ من شأن هذه المهنة الشريفة».

وللحديث بقية

alma3e@