كتاب ومقالات

التجدّد في حياة الأمم: المملكة بناء وإِنماء

عبدالرحمن الجديع

تهتم الأمم في الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي مقدمتها اليوم الوطني الذي يُحتفى فيه بمنجزات الدولة ووحدتها وحيويتها واستمرار شبابها. والمملكة تحتفل خلال الشهر الحالي بالذكرى التاسعة والثمانين لتوحيدها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز، رحمه الله. ففي حين كانت تتهاوى إمبراطوريات عظمى بُعيْد الحرب العالمية الأولى؛ مثل الإمبراطورية القيصرية في روسيا، والإمبراطورية النمساوية المجرية، والإمبراطورية الألمانية، والإمبراطورية العثمانية، وفي ظل ما رافق ذلك المخاض السياسي والاقتصادي والإستراتيجي من انهيارات، تراجعت في غضونها الكثير من المفاهيم السياسية الدولية، نجد أنّ الملك المؤسس طيب الله ثراه، استطاع، بعد استعادة الرياض، بناء دولة قوية، ودمج أطرافها المترامية تحت راية الوحدة والنسيج العضوي المتماسك.

وها هي المملكة، منذ اعتلاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سدة الحكم، تسير بخطى ثابتة وعزيمة واضحة نحو التقدم والانطلاق والمستقبل الواعد. وما من شك في أنّ ما يقوم به صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، من خلال رؤية 2030، حدثٌ بالغ الأهمية للتفاعل مع المتغيرات والمستجدات، والنهوض بالمملكة وفق أعلى المقاييس للتعايش مع العالم المعاصر، ونقلها إلى آفاق رحبة تأخذ بعين الاعتبار متطلبات ومقومات القرن الحادي والعشرين ومعطياته، وهو ما استحوذ على إعجاب الجميع وتقديرهم.

وفي هذا السياق، رأت المملكة والحال هذه، أنّ الحاجة ملحّة للتفاعل، والاحتكاك الثقافي، وفتح نوافذ الأمل، فمن غير المعقول أن تبقى المملكة خارج نطاق التاريخ، بالرغم مما تملكه من طاقات بشرية خلاقه ومبدعة.

ولهذه الأسباب وغيرها، جاء تحديث المملكة والتجدد بإشراف ولي العهد؛ بما عرف عنه من شمولية رؤيته وحصافته، ومقاربته الشجاعة للشؤون الدولية والإقليمية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، للنهوض بالمملكة، والأخذ بمقومات التنمية الاقتصادية، والعمل على جعل المملكة ملتقى للتنافس، ونقطة ارتكاز وجذب للاستثمارات الأجنبية والتجارة الدولية، مما كان له انعكاساته الإيجابية على حياة المواطن السعودي وأمنه ورفاهيته.

العالم، كما نلاحظ، في سباق مستمر في ظل انتصارات التقنية، وهيمنة العالم الرقمي (Digital World) واجتياح مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت الأدوات الرئيسية للتخاطب والتواصل وطرح الأفكار وتبادل الآراء والمعرفة. كما أسهمت في تشابك مصالح العالم على الأصعدة كافة. وفي ضوء ذلك، غدا لزاماً على المملكة أن تتعامل بديناميكية مع هذه المستجدات، خصوصاً أنّ العصر الحالي هو عصر السرعة وعصر الفضاء السيبراني، حيث أصبح تدفق المعلومات من خلاله أمراً لا يعرف الحدود ولا الضفاف.

المملكة، التي تخوض تجربتها الخلاقة في تجديد شبابها، أخذت بالقيم الحديثة وفق نظرة إستراتيجية وأفكار مدروسة، وها هي عبر الانفتاح على الحداثة، والأخذ بيد المواطن والاهتمام بشؤونه وشجونه، تفتح الأروقة للروح الجديدة والفرص المثيرة، وتحفّز أبناء الوطن العزيز على العمل والسير على خطى المؤسس، لتحقيق الكثير من الإنجازات، وتلبية الطموح في مجتمع ديناميكي، وهو ما يعكس مدى التناغم والتلاحم والثقة بين القيادة والمواطن والمستقبل.

المملكة منهمكة في عملية البناء والتنمية والإصلاحات المذهلة؛ لمواصلة مسيرة الانفتاح الثقافي والفكري التي تشهدها بلادنا في تحولاتها البنيوية، وهذا كله يعزّز ريادة المملكة في الساحة الدولية والإقليمية؛ حيث كانت ولا تزال الداعم الرئيسي للقضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والعمل على تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.

إنّ مواقف المملكة المشرّفة، وسياسة الاتزان، والبعد عن الشعارات الجوفاء، جعلتها في الصدارة. وبفضل هذه النظرة الحكيمة استطاعت المملكة أن تتجاوز الكثير من الظروف القاسية والصعوبات الموروثة، وهي تسير في دروب الانفتاح والتقدم والأمل، من أجل أن تتبوّأ مكانها الطبيعي اللائق بين دول العالم المتقدم، وكي تجعل من نفسها مرتكزاً إيجابياً للتعايش، ومنصة للإبداع والخير والسلام.

* كاتب سعودي