أزمة تركيا الأردوغانية
حديث الأربعاء
الأربعاء / 26 / محرم / 1441 هـ الأربعاء 25 سبتمبر 2019 02:53
رامي الخليفة العلي
مرة أخرى ينجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جرجرة السياسة التركية الخارجية إلى درك من الخلافات والنزاعات المجانية التي لا طائل منها والتي لا تضر طرفا أكثر من الدولة التركية، هذه الدولة التي كان يفترض أن تبني علاقات حسن الجوار فضلا أن تكون علاقات أخوية مع الجوار العربي تفرضها حقائق التاريخ والجغرافيا، أما إذا اعتقد أردوغان أن علاقته مع نظام الملالي يمكن أن تغنيه عن العالم العربي، فيصدق حين ذاك القول الشعبي، اجتمع المتعوس مع خائب الرجاء. بينما كانت أدوات الإرهاب تعتدي على المملكة العربية السعودية وتضرب بعنف الاقتصاد العالمي يقدم أردوغان إلى مضيفيه التين الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش تقاسم الكعكة السورية، حيث استخدم الرئيس التركي أحلام وآمال من وثقوا به من السوريين خرقة لمسح الدماء السورية من على أيدي قتلته. إنها سياسة فاشلة إلى درجة الحضيض عندما يضحي أردوغان حتى بمصالح بلاده قبل أن تكون مصالح السوريين في تخبط لا يكاد يفقه المرء ماذا يريد هذا الرجل. على هامش كل هذا العبث الأردوغاني جاء التعليق الكارثة على الهجمات الإرهابية بأنها مرتبطة بأحداث اليمن في تبرير تجاوز حدود اللياقة الدبلوماسية التي يفترض أن يتصف بها القادة والزعماء، لكن الحقد بلغ حدا لم يعد يستطيع السيد أردوغان أن يخفيه.
منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة والمشكلة التركية تتعاظم ومشروع حزب العدالة والتنمية ينهار في مقابل مشروع الرئيس التركي أردوغان. بدل سياسة صفر مشاكل مع دول الجوار أصبحت انخراطا كاملا في أزمات الجوار الداخلية. أصبح أردوغان جزءا من الصراع في ليبيا وداعما للإخوان في مصر، ولم يكتف بذلك بل راح يتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى مصدقا نفسه أو المطبلين والمزمرين له بأنه أصبح خليفة المسلمين. إلا أن هذا المآل للسياسة التركية ليس غريبا باعتبار أن تلك الدولة التي كانت تبشر بدولة المؤسسات وبدولة الكفاءة وبدولة مكافحة الفساد، تحولت إلى دولة الرجل الواحد ودولة الثقة والولاء ودولة تحكمها عائلة رائحة الفساد فيها تزكم الأنوف. ما نذكره ليس خطابا دعائيا شبيها بما يروجه أردوغان عن المملكة العربية السعودية عندما يكتب مقالة ويأمر أتباعه بشن حرب إعلامية على دول عربية وعلى رأسها المملكة وإنما على أساس ما قاله أقرب أعضاء حزب العدالة والتنمية الذين شاركوه في تأسيس الحزب وكانوا لصيقين به طوال سنوات طويلة وهم أدرى الناس به وعلى رأسهم علي باباجان وأحمد داود أوغلو وعبدالله غول وغيرهم.
يكذب أردوغان عندما يتحدث عن المبادئ والقيم التي على أساسها يقيم علاقاته الخارجية، وإلا كيف نفسر التقارب مع النظام الإيراني الذي عاث فسادا في المنطقة والذي عمد إلى دعم ميليشيات إرهابية كان الطرف الأهم الذي نشر الطائفية والمذهبية، حتى بنو جلدة أردوغان لم يسلموا من بطش الميليشيات التي أسستها ورعتها إيران. فقامت تلك الميليشيات بتشريد واستهداف التركمان في أكثر من مكان سواء في سوريا أو العراق. كما أن نظام الملالي الذي يقدم له أردوغان التين أوغل في دم السوريين إلى درجة لن تكفي فيها كلمات أردوغان وتصفيقه وابتساماته الصفراء لروحاني لجعل الشعب السوري ينسى تلك الجرائم التي تنفذ بحقه طوال السنوات الثماني الماضية.
على امتداد العقدين الماضيين كان العرب يأملون أن تعود تركيا إلى عمقها التاريخي والحضاري وأن تبني مع الشعوب قبل الحكومات علاقات وطيدة تعتمد على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد أو ذلك، وأن تكون المصالح المشتركة بمعناها الواسع هي أساس التعاون بين الطرفين. فكانت دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الأكثر انفتاحا على تركيا العدالة والتنمية وتحولت تركيا إلى مقصد رؤوس الأموال الخليجية وأصبحت إسطنبول والمدن التركية الأخرى مقصد السياحة العربية، كما تحولت الأسواق العربية مرتعا للبضائع التركية وساهمت الشركات التركية في المشاريع العمرانية الكبرى في كثير من الأقطار العربية. ولم تكن الحكومات تعتقد أن أردوغان يتحين الفرصة لكي يستلهم النموذج الإيراني ويخلق أتباعه على امتداد الساحة العربية. وعلى غرار نظام الخميني اعتمد أردوغان على التيارات الحزبية المؤدلجة التي تضع مصالحها التنظيمية فوق المصالح الوطنية. ومنذ المحاولة الانقلابية الفاشلة تحول أردوغان إلى شخصية تعاني من أزمات نفسية حادة ولديه رؤية متشككة ومستعدة للذهاب بعيدا في شعور المظلومية إلى حد الاعتقاد بأن كل الدول والأفراد يتآمرون عليه. فأصبحت الرسائل السلبية باتجاه العرب حكومات وشعوبا تقليدا يوميا وتحت يافطات متعددة.
تركيا جزء عزيز من العالم الإسلامي وتربطها بالفعل أواصر الصداقة والأخوة مع العالم العربي، ليس على طريقة شاويش أوغلو والتي هي أقرب إلى الطريقة الخمينية ولكن باعتبار التاريخ والمصير المشترك. ولكن إعادة تلك العلاقات إلى السكة الصحيحة أصبحت مرتبطة للأسف برحيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأنه يمثل أزمة وكارثة بالنسبة لتركيا نفسها فضلا عن علاقات تركيا مع محيطها العربي والإسلامي.
* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط
ramialkhalife@
منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة والمشكلة التركية تتعاظم ومشروع حزب العدالة والتنمية ينهار في مقابل مشروع الرئيس التركي أردوغان. بدل سياسة صفر مشاكل مع دول الجوار أصبحت انخراطا كاملا في أزمات الجوار الداخلية. أصبح أردوغان جزءا من الصراع في ليبيا وداعما للإخوان في مصر، ولم يكتف بذلك بل راح يتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى مصدقا نفسه أو المطبلين والمزمرين له بأنه أصبح خليفة المسلمين. إلا أن هذا المآل للسياسة التركية ليس غريبا باعتبار أن تلك الدولة التي كانت تبشر بدولة المؤسسات وبدولة الكفاءة وبدولة مكافحة الفساد، تحولت إلى دولة الرجل الواحد ودولة الثقة والولاء ودولة تحكمها عائلة رائحة الفساد فيها تزكم الأنوف. ما نذكره ليس خطابا دعائيا شبيها بما يروجه أردوغان عن المملكة العربية السعودية عندما يكتب مقالة ويأمر أتباعه بشن حرب إعلامية على دول عربية وعلى رأسها المملكة وإنما على أساس ما قاله أقرب أعضاء حزب العدالة والتنمية الذين شاركوه في تأسيس الحزب وكانوا لصيقين به طوال سنوات طويلة وهم أدرى الناس به وعلى رأسهم علي باباجان وأحمد داود أوغلو وعبدالله غول وغيرهم.
يكذب أردوغان عندما يتحدث عن المبادئ والقيم التي على أساسها يقيم علاقاته الخارجية، وإلا كيف نفسر التقارب مع النظام الإيراني الذي عاث فسادا في المنطقة والذي عمد إلى دعم ميليشيات إرهابية كان الطرف الأهم الذي نشر الطائفية والمذهبية، حتى بنو جلدة أردوغان لم يسلموا من بطش الميليشيات التي أسستها ورعتها إيران. فقامت تلك الميليشيات بتشريد واستهداف التركمان في أكثر من مكان سواء في سوريا أو العراق. كما أن نظام الملالي الذي يقدم له أردوغان التين أوغل في دم السوريين إلى درجة لن تكفي فيها كلمات أردوغان وتصفيقه وابتساماته الصفراء لروحاني لجعل الشعب السوري ينسى تلك الجرائم التي تنفذ بحقه طوال السنوات الثماني الماضية.
على امتداد العقدين الماضيين كان العرب يأملون أن تعود تركيا إلى عمقها التاريخي والحضاري وأن تبني مع الشعوب قبل الحكومات علاقات وطيدة تعتمد على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد أو ذلك، وأن تكون المصالح المشتركة بمعناها الواسع هي أساس التعاون بين الطرفين. فكانت دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الأكثر انفتاحا على تركيا العدالة والتنمية وتحولت تركيا إلى مقصد رؤوس الأموال الخليجية وأصبحت إسطنبول والمدن التركية الأخرى مقصد السياحة العربية، كما تحولت الأسواق العربية مرتعا للبضائع التركية وساهمت الشركات التركية في المشاريع العمرانية الكبرى في كثير من الأقطار العربية. ولم تكن الحكومات تعتقد أن أردوغان يتحين الفرصة لكي يستلهم النموذج الإيراني ويخلق أتباعه على امتداد الساحة العربية. وعلى غرار نظام الخميني اعتمد أردوغان على التيارات الحزبية المؤدلجة التي تضع مصالحها التنظيمية فوق المصالح الوطنية. ومنذ المحاولة الانقلابية الفاشلة تحول أردوغان إلى شخصية تعاني من أزمات نفسية حادة ولديه رؤية متشككة ومستعدة للذهاب بعيدا في شعور المظلومية إلى حد الاعتقاد بأن كل الدول والأفراد يتآمرون عليه. فأصبحت الرسائل السلبية باتجاه العرب حكومات وشعوبا تقليدا يوميا وتحت يافطات متعددة.
تركيا جزء عزيز من العالم الإسلامي وتربطها بالفعل أواصر الصداقة والأخوة مع العالم العربي، ليس على طريقة شاويش أوغلو والتي هي أقرب إلى الطريقة الخمينية ولكن باعتبار التاريخ والمصير المشترك. ولكن إعادة تلك العلاقات إلى السكة الصحيحة أصبحت مرتبطة للأسف برحيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأنه يمثل أزمة وكارثة بالنسبة لتركيا نفسها فضلا عن علاقات تركيا مع محيطها العربي والإسلامي.
* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط
ramialkhalife@