كتاب ومقالات

ليس من حقك أن تسامح نفسك

بشرى فيصل السباعي

إن كان هناك أسوأ من حال المسير بنزعاته اللاواعية وقوالب وتيارات محيطه لافتقاره لثقافة توعية وترقية الذات، فالأسوأ منه حالا هو من ينساق وراء ما تصنف ضمن أدبيات تنمية الذات لكنها من النوع الزائف الذي ينشره الزائفون لأنها مجرد آراء فردية سطحية عشوائية انطباعية لم يمحصها صاحبها بمطالعة نتائج الدراسات والأبحاث والخبرات، وهؤلاء تماما كما بمواعظ الجهال نشروا أنماطا سلوكية هدامة لكنها رائجة بسبب كونها مفصلة على مقاسات أهواء «غرور الأنا» الغرائزي اللاواعي وأطماعه وأنانيته وتبلده السيكوباتي «السيكوباتية: الافتقار للضمير وعدم الشعور بالآخرين» ولهذا بالطبع هي تلقى رواجا أكثر من مواد تنمية وتطوير الذات المعمقة «الحكمة» التي تضاد النزعات السلبية «لغرور الأنا»، مع العلم أن كل ما في العالم من سوء وجرائم ومظالم وحروب وإرهاب ومعاناة وزيف ناتج عن تغييب ثقافة تنمية الذات المعمقة «الحكمة» وما يترتب على الجهل بها من انفلات طغياني للأهواء السيكوباتية، وبالطبع ضمير الروح سيؤنب الناس على تلك المظالم والجرائم وهنا جاء دور مواد تنمية الذات الزائفة لتجهز على البقية الباقية من الضمير الأخلاقي للإنسان فردا وجماعة؛ فبدل أن تضع خارطة طريق لمن يشعر بتأنيب الضمير لكي يصحح مساره وأثره السلبي على الناس والعالم ليريح ضميره فبركت علاجا خبيثا لا يقل سوءا عن الداء الأصلي بزعمها أن الطريقة الصحيحة للتعامل مع تأنيب الضمير على الأخطاء بما فيها تلك التي نتجت عنها مظالم وجرائم هو أن «يسامح الإنسان نفسه» و«يحب نفسه حبا غير مشروط» و«يقبل نفسه على كل سوئها وعلاتها قبولا غير مشروط» ويرفض تأنيب الضمير، ويتطلب أن يتقبله الناس بكل سوئه، ولا تتناول إصلاح الصفات السلبية وعلاج عواقبها، والصحيح أنه ليس من حق من آذى الآخرين ولو أذية معنوية أن يسامح نفسه على ذلك، وإن سامحها وأحبها على جرائمها ومظالمها فهو مصاب بمرض النرجسية السيكوباتية ويجب ألا ينشر عدوى مرضه هذا على أنه مواد حكمة وتنمية للذات، وبالصحيح (يغفر للشهيد كل شيء إلا الدَّيْن)، قال النووى «شرح صحيح مسلم ج 13/‏ص 29»: «قوله «إلا الدين» فيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله». وسجية الخيرية بالإنسان تتأكد بحق عندما يشعر أنه لا يمكنه مسامحة نفسه أبدا على أذيته للناس ولو معنويا وكونه لم يفعل الأفضل لأجلهم ولو سامحه الله وسامحه الناس.

* كاتبة سعودية

bushra.sbe@gmail.com