أرامكو وأنسنة الصناعة
الخميس / 04 / صفر / 1441 هـ الخميس 03 أكتوبر 2019 02:27
أريج الجهني
في التاسع والعشرين من أيلول كانت الزيارة الأولى لي لأرامكو برفقة وفد متخصص ضمن برنامجها الموجه للتواصل مع وسائل الإعلام والكتاب الصحفيين، وكانت هذه الدعوة فرصة وطنية عظيمة ذات سمة تطمينية رائعة لمشاهدة المكان على أرض الواقع وسرعة تعافي هذه المنظمة الغالية والعزيزة على كل مواطن سعودي بعد الاعتداء الآثم والإرهابي من أعداء هذا الوطن، فأرامكو هي معقل التحول التاريخي للدولة السعودية كقوة اقتصادية عظمى، جعلت أعمالها وحراكها وقودا للنهضة والقفزة الحضارية الهائلة عبر السنوات، كانت الزيارة متنوعة ومحاطة بالتساؤلات والأفكار التي لم يبخل مسؤولو المكان وعلى رأسهم سعادة الرئيس أمين الناصر بالإجابات التفصيلية الشافية عنها، وكان محور أسئلتي مختلفا قليلا عن الأسئلة الاقتصادية التخصصية البحتة التي أمطرها الزملاء بالتوالي أثناء النقاش.
الحقيقة كباحثة اجتماعية وكاتبة رأي كنت حريصة لأفهم توجهات أرامكو الحالية والمستقبلية في تعزيز الثقة الأخلاقية في الشركة أمام الشائعات التي تزامنت مع موعد الطرح وكانت ردود الشركة مهنية ومباشرة وأعلنت بأن أعمال الشركة مستقلة عن ثروات الدولة ومخزوناتها النفطية، وهذا الرد وغيره كان محل جدل قبل التصريح أيضا جانب حقوق الإنسان والمساواة وتمكين الفتيات وكان رد الناصر أيضا مبشرا بالخير للفتيات وأعلن عن نية الشركة في رفع نسبة المهندسات السعوديات من خلال تمكينهن وابتعاثهن لتصل 30% بجانب أن أرامكو على وجه التحديد من أقدم المنظمات التي تدعم تمكين المرأة في مختلف المناصب في الهيكل الوظيفي، كل هذا جيد بالتأكيد لكن مهم أن تكون هذه الأعمال ظاهرة أكثر للجمهور، شخصيا أعتقد أن أرامكو كالعملاق الذي يعمل بصمت مما يجعلها تفتقد الحميمية ربما بعلاقتها مع المجتمع المحلي إلى حد ما، بالتأكيد مراكز التدريب والتوظيف حول مناطق المملكة تدعم صورتها لكن هذه مجرد مقترحات للقرب أكثر من الجمهور.
لعل الجزء الأكثر حماسا في هذه الرحلة هو زيارة مركز «الثورة الصناعية الرابعة» والعرض الجميل الذي تم تقديمه من فتيات الوطن، وهذه الثورة امتداد لرحلة الصناعة التي بدأت موجتها التاريخية الأولى بالمحرك البخاري والطاقة والثانية بالكهرباء والاحتراق تلاها كمرحلة ثالثة الرقمنة وعصر الإنترنت والتقنيات والتي يعتبرها البعض الرقمنة البسيطة والموجة الرابعة هي الرقمنة المعقدة والتي قادت العالم للذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء وصولا للأمن السيبراني، بالتأكيد أن التقنية تنمو بشكل أسرع من حاجة الإنسان من هنا نقول إن فهم المسؤولية التقنية والصناعية هو الأساس الحقيقي الذي نستطيع أن نبني عليه المواطنة الرقمية المرتبطة برؤية 2030.
حينما نتحدث عن الثقة الأخلاقية في المنظمات العملاقة فإن ما ينتظره المجتمع من أرامكو في الخمسين عاما القادمة يفوق ما كان ينتظره في السنوات الماضية، نعم هذه هي الحقيقة ما نريده من أرامكو الآن هو أنسنة الصناعة وقيادة المشهد التقني والتحول في المناخ الفكري الراهن، الذي ينظر لأرامكو أنها مجرد مضخات ومحركات وأرقام فلكية، عليه أن يعيد النظر نحن الآن نتحدث عن شركة تتجه للطرح والتنافس العالمي وهذا بالتأكيد مصدر فخر واعتزاز لكل مواطن سعودي، أن تصبح شركاتنا ذات رافد عالمي وتنافسي بشكل رسمي، لكن مهم أن تضع أرامكو في خططها تحسين هذا الجانب.
حول هذا المجال يتساءل ادموند بيرن بمقال عنوانه «أنسنة التقنية هل هي شعارات أم حتمية أخلاقية» وهو يعكس الجانب الأخلاقي للتقنية، وطرحت أيضا سيلفيا فورهاوزر سميث في فوربز مقالا بعنوان «أنسنة التقنية - الفن حينما يلتقي العلم» حيث تقول بقدر ما أننا نحتاج التقنية بقدر ما نحتاج أن تكون إنسانية، وحتى نحقق هذا علينا توفير ثلاثة أبعاد في أعمالنا التقنية، وهي «تحقيق التوازن وملامسة الإحساس وإيقاد الذكاء»، فالأنسنة التقنية هي الامتداد الطبيعي لرحلة البشر عبر التاريخ مع التقنية، أخشى أننا كمجتمعات فشلنا في أنسنة المدن أو ربما تأخرنا والسبب الرئيسي أننا نفتقد السياسات والفلسفات الإنسانية في منظماتنا، لكن ما رأيته في أرامكو من مهنية وديناميكية شجعني أن أطرح هذه الدعوة أو ربما هي بطاقة شكر لكن بنكهة أكاديمية لهذه المنظمة الغالية على كل مواطن.
أخيرا، نعم نحن ندعم أرامكو وندعم مستقبلها العالمي والمحلي، وطموحنا لا سقف له.
* كاتبة سعودية
areejaljahani@gmail.cim
الحقيقة كباحثة اجتماعية وكاتبة رأي كنت حريصة لأفهم توجهات أرامكو الحالية والمستقبلية في تعزيز الثقة الأخلاقية في الشركة أمام الشائعات التي تزامنت مع موعد الطرح وكانت ردود الشركة مهنية ومباشرة وأعلنت بأن أعمال الشركة مستقلة عن ثروات الدولة ومخزوناتها النفطية، وهذا الرد وغيره كان محل جدل قبل التصريح أيضا جانب حقوق الإنسان والمساواة وتمكين الفتيات وكان رد الناصر أيضا مبشرا بالخير للفتيات وأعلن عن نية الشركة في رفع نسبة المهندسات السعوديات من خلال تمكينهن وابتعاثهن لتصل 30% بجانب أن أرامكو على وجه التحديد من أقدم المنظمات التي تدعم تمكين المرأة في مختلف المناصب في الهيكل الوظيفي، كل هذا جيد بالتأكيد لكن مهم أن تكون هذه الأعمال ظاهرة أكثر للجمهور، شخصيا أعتقد أن أرامكو كالعملاق الذي يعمل بصمت مما يجعلها تفتقد الحميمية ربما بعلاقتها مع المجتمع المحلي إلى حد ما، بالتأكيد مراكز التدريب والتوظيف حول مناطق المملكة تدعم صورتها لكن هذه مجرد مقترحات للقرب أكثر من الجمهور.
لعل الجزء الأكثر حماسا في هذه الرحلة هو زيارة مركز «الثورة الصناعية الرابعة» والعرض الجميل الذي تم تقديمه من فتيات الوطن، وهذه الثورة امتداد لرحلة الصناعة التي بدأت موجتها التاريخية الأولى بالمحرك البخاري والطاقة والثانية بالكهرباء والاحتراق تلاها كمرحلة ثالثة الرقمنة وعصر الإنترنت والتقنيات والتي يعتبرها البعض الرقمنة البسيطة والموجة الرابعة هي الرقمنة المعقدة والتي قادت العالم للذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء وصولا للأمن السيبراني، بالتأكيد أن التقنية تنمو بشكل أسرع من حاجة الإنسان من هنا نقول إن فهم المسؤولية التقنية والصناعية هو الأساس الحقيقي الذي نستطيع أن نبني عليه المواطنة الرقمية المرتبطة برؤية 2030.
حينما نتحدث عن الثقة الأخلاقية في المنظمات العملاقة فإن ما ينتظره المجتمع من أرامكو في الخمسين عاما القادمة يفوق ما كان ينتظره في السنوات الماضية، نعم هذه هي الحقيقة ما نريده من أرامكو الآن هو أنسنة الصناعة وقيادة المشهد التقني والتحول في المناخ الفكري الراهن، الذي ينظر لأرامكو أنها مجرد مضخات ومحركات وأرقام فلكية، عليه أن يعيد النظر نحن الآن نتحدث عن شركة تتجه للطرح والتنافس العالمي وهذا بالتأكيد مصدر فخر واعتزاز لكل مواطن سعودي، أن تصبح شركاتنا ذات رافد عالمي وتنافسي بشكل رسمي، لكن مهم أن تضع أرامكو في خططها تحسين هذا الجانب.
حول هذا المجال يتساءل ادموند بيرن بمقال عنوانه «أنسنة التقنية هل هي شعارات أم حتمية أخلاقية» وهو يعكس الجانب الأخلاقي للتقنية، وطرحت أيضا سيلفيا فورهاوزر سميث في فوربز مقالا بعنوان «أنسنة التقنية - الفن حينما يلتقي العلم» حيث تقول بقدر ما أننا نحتاج التقنية بقدر ما نحتاج أن تكون إنسانية، وحتى نحقق هذا علينا توفير ثلاثة أبعاد في أعمالنا التقنية، وهي «تحقيق التوازن وملامسة الإحساس وإيقاد الذكاء»، فالأنسنة التقنية هي الامتداد الطبيعي لرحلة البشر عبر التاريخ مع التقنية، أخشى أننا كمجتمعات فشلنا في أنسنة المدن أو ربما تأخرنا والسبب الرئيسي أننا نفتقد السياسات والفلسفات الإنسانية في منظماتنا، لكن ما رأيته في أرامكو من مهنية وديناميكية شجعني أن أطرح هذه الدعوة أو ربما هي بطاقة شكر لكن بنكهة أكاديمية لهذه المنظمة الغالية على كل مواطن.
أخيرا، نعم نحن ندعم أرامكو وندعم مستقبلها العالمي والمحلي، وطموحنا لا سقف له.
* كاتبة سعودية
areejaljahani@gmail.cim