التعليم العالي.. قصة ورؤية
السبت / 13 / صفر / 1441 هـ السبت 12 أكتوبر 2019 01:46
محمد مفتي
في اجتماع لوزير التعليم مع الصحفيين والكتاب بصحيفة «عكاظ» قبل أسابيع تم مناقشة العديد من قضايا التعليم الهامة، وقد عرض الوزير خلال اللقاء عدداً من الهموم التي تعاني منها الوزارة وطرح بعض التحديات التي تواجهها، وذلك في ظل تجربة التحول الوطني التي تعيشها المملكة بالفعل ومن خلال رؤية 2030 المستقبلية، والتي أملت على جميع وزارات الدولة -وأهمها بالقطع وزارة التعليم- الكثير من المهام والواجبات التي يتعين عليها الاضطلاع بها بالكفاءة والفعالية المطلوبتين، وعلى نحو يسمح بإسهامهم الفعال في تطوير وتنمية جميع المجالات بالمملكة.
من المؤكد أن كثرة الأعباء المناطة بوزير التعليم -أو حتى بأي وزير- سترهقه مهما زادت كفاءته ومهما تعدد وكلاؤه ومستشاروه ومساعدوه، فهو أولاً وأخيراً مسؤول ومُساءل عن أداء الوزارة ليس فقط أمام ولي الأمر بل أمام جميع المواطنين المستفيدين من خدمات الوزارة، فترهل الوزارة وتمركز صلاحياتها وتعدد أعبائها واتساع نطاق الخدمات التي يتعين عليها تأديتها مع الازدياد المطرد في أعداد الطلاب المنخرطين في جميع المراحل الدراسية، يعد بمثابة صخرة تتقوض إزاءها جميع الجهود المبذولة للنهوض بجودة مخرجات المنظومة التعليمية ككل.
لقد تناول البعض من زملائي الصحفيين والكتاب قضية إعادة فصل التعليم العالي عن وزارة التعليم، وإعادتها كوزارة مستقلة وكجهة إدارية مختصة بإدارة شؤون وقضايا التعليم العالي والجامعي، وقد استفاضوا في مناقشة الكثير من الجوانب التي توضح أهمية عملية الفصل وضرورة تطبيقها لكثير من العوامل والأسباب، وأهمها بالقطع زيادة كفاءة العملية التعليمية وتطويرها.
ومن الملاحظ أنه خلال العقدين الأخيرين تمدد قطاع التعليم الجامعي كمياً حتى وصل عدد الجامعات الحكومية لما يقرب من 28 جامعة بخلاف الجامعات الأهلية، وهذا التوسع مطلوب بطبيعة الحال لأسباب كثيرة ومتعددة، غير أنه بخلاف كون التوسع عاملاً جوهرياً في تطوير العملية التعليمية وتجويد مخرجاتها على المستوى المحلي (نظراً لأن محدودية عدد الطلاب عادة ما يتناسب طردياً مع ارتفاع مستوى استيعابهم) فإنه يتسق مع أهداف الدولة الإستراتيجية في جعل المملكة واحدة من أهم الوجهات العلمية القادرة على استقطاب الطلاب من جميع أنحاء العالم، وتحويل جامعاتها لمنصات تعليمية متطورة في مجالات التطوير والبحوث العلمية على تنوعها.
لا شك لدينا في ضرورة أن يترافق التوسع في مجال القطاعات السياحية والاقتصادية بالتوسع في مجال التعليم، وهو الأمر الذي يمكن تحقيقه من خلال توسع الجامعات في قبول الطلاب غير السعوديين -برسوم تعليمية محددة- وخاصة في حقل الدراسات العليا؛ فاستقطاب الطلبة المتفوقين من الدول الأخرى وتشجيعهم على الالتحاق بالجامعات السعودية وإكمال دراساتهم الجامعية بها، من شأنه أن يساعد الجامعات السعودية على النهوض علمياً من خلال مضاعفة إنتاجها العلمي المتمثل في زيادة عدد الأوراق العلمية المنشورة في أفضل الدوريات العالمية، بخلاف مساعدته في توفير موارد مالية ذاتية تمكنها من تطوير وتحديث مرافقها المختلفة.
يحضرنا في هذا السياق التجربة الماليزية في النهوض بالتعليم، وهي التجربة التي جعلت من ماليزيا أحد النمور العملاقة لشرق آسيا؛ حيث قاد التعليم خلالها منظومة التنمية تحت شعار «ازرع تعليماً قوياً تحصد اقتصاداً قوياً»، وقد اعتمدت التجربة بصورة جوهرية على حسن التخطيط، والذي تمثل في إرساء عدد من المبادئ الأساسية والتي من أهمها توجيه الاهتمام للنهوض بالتعليم والسعي لمواءمة مدخلات العملية التعليمية باحتياجات سوق العمل، والاهتمام بالابتعاث واستقطاب الكفاءات العلمية المتميزة، وقد خاضت ماليزيا تجربة مشابهة فيما يتعلق بدمج الوزارتين ثم إعادة فصلهما فيما بعد، فقد تم دمج وزارة التعليم العالي مع وزارة التعليم عام 2013، وبعد عامين فقط من الدمج تم فصل الوزارتين مرة أخرى عام 2015، لتستقل وزارة التعليم العالي بإدارة شؤون التعليم الجامعي بماليزيا، تاركة شؤون التعليم العام لوزارة التعليم.
يعرف الكثير من المتخصصين أن أحد أهم الأساليب الناجحة في علم الإدارة هو الإدارة اللامركزية واستقلال الوحدات الإدارية، وهو ما يمنح العمل الكثير من الديناميكية والحيوية والمرونة وبالتالي حسن الأداء، وهو ما لا يتعارض مع تنفيذ الخطوط العامة الإستراتيجية التي يتم تحديدها من قبل الدولة، وفي اعتقادنا لا بد أن تتمتع الجامعات بنوع من الاستقلالية وإلا فلن تنتهي أبداً مشكلات قطاع التعليم العالي، والإدارة اللامركزية مطبقة في الكثير من الدول التي اهتمت بقطاع التعليم (مثل ماليزيا كما سبق القول)، وقد كان الهدف من دمج الوزارتين بالمملكة التنسيق بين مخرجات التعليم العام ومدخلات التعليم العالي، وهو الأمر الذي لا يحتاج لأكثر من لجنة مشتركة بين قيادتي الوزارتين، ولا يحتاج لدمج وزارتين بمثل هذه الأهمية، وهو الأمر الذي قد يتسبب في استمرار الكثير من المشكلات التي قد تهدر الكثير من الوقت والجهد والمال في آن واحد.
* كاتب سعودي
dr.mufti@acctecon.com
من المؤكد أن كثرة الأعباء المناطة بوزير التعليم -أو حتى بأي وزير- سترهقه مهما زادت كفاءته ومهما تعدد وكلاؤه ومستشاروه ومساعدوه، فهو أولاً وأخيراً مسؤول ومُساءل عن أداء الوزارة ليس فقط أمام ولي الأمر بل أمام جميع المواطنين المستفيدين من خدمات الوزارة، فترهل الوزارة وتمركز صلاحياتها وتعدد أعبائها واتساع نطاق الخدمات التي يتعين عليها تأديتها مع الازدياد المطرد في أعداد الطلاب المنخرطين في جميع المراحل الدراسية، يعد بمثابة صخرة تتقوض إزاءها جميع الجهود المبذولة للنهوض بجودة مخرجات المنظومة التعليمية ككل.
لقد تناول البعض من زملائي الصحفيين والكتاب قضية إعادة فصل التعليم العالي عن وزارة التعليم، وإعادتها كوزارة مستقلة وكجهة إدارية مختصة بإدارة شؤون وقضايا التعليم العالي والجامعي، وقد استفاضوا في مناقشة الكثير من الجوانب التي توضح أهمية عملية الفصل وضرورة تطبيقها لكثير من العوامل والأسباب، وأهمها بالقطع زيادة كفاءة العملية التعليمية وتطويرها.
ومن الملاحظ أنه خلال العقدين الأخيرين تمدد قطاع التعليم الجامعي كمياً حتى وصل عدد الجامعات الحكومية لما يقرب من 28 جامعة بخلاف الجامعات الأهلية، وهذا التوسع مطلوب بطبيعة الحال لأسباب كثيرة ومتعددة، غير أنه بخلاف كون التوسع عاملاً جوهرياً في تطوير العملية التعليمية وتجويد مخرجاتها على المستوى المحلي (نظراً لأن محدودية عدد الطلاب عادة ما يتناسب طردياً مع ارتفاع مستوى استيعابهم) فإنه يتسق مع أهداف الدولة الإستراتيجية في جعل المملكة واحدة من أهم الوجهات العلمية القادرة على استقطاب الطلاب من جميع أنحاء العالم، وتحويل جامعاتها لمنصات تعليمية متطورة في مجالات التطوير والبحوث العلمية على تنوعها.
لا شك لدينا في ضرورة أن يترافق التوسع في مجال القطاعات السياحية والاقتصادية بالتوسع في مجال التعليم، وهو الأمر الذي يمكن تحقيقه من خلال توسع الجامعات في قبول الطلاب غير السعوديين -برسوم تعليمية محددة- وخاصة في حقل الدراسات العليا؛ فاستقطاب الطلبة المتفوقين من الدول الأخرى وتشجيعهم على الالتحاق بالجامعات السعودية وإكمال دراساتهم الجامعية بها، من شأنه أن يساعد الجامعات السعودية على النهوض علمياً من خلال مضاعفة إنتاجها العلمي المتمثل في زيادة عدد الأوراق العلمية المنشورة في أفضل الدوريات العالمية، بخلاف مساعدته في توفير موارد مالية ذاتية تمكنها من تطوير وتحديث مرافقها المختلفة.
يحضرنا في هذا السياق التجربة الماليزية في النهوض بالتعليم، وهي التجربة التي جعلت من ماليزيا أحد النمور العملاقة لشرق آسيا؛ حيث قاد التعليم خلالها منظومة التنمية تحت شعار «ازرع تعليماً قوياً تحصد اقتصاداً قوياً»، وقد اعتمدت التجربة بصورة جوهرية على حسن التخطيط، والذي تمثل في إرساء عدد من المبادئ الأساسية والتي من أهمها توجيه الاهتمام للنهوض بالتعليم والسعي لمواءمة مدخلات العملية التعليمية باحتياجات سوق العمل، والاهتمام بالابتعاث واستقطاب الكفاءات العلمية المتميزة، وقد خاضت ماليزيا تجربة مشابهة فيما يتعلق بدمج الوزارتين ثم إعادة فصلهما فيما بعد، فقد تم دمج وزارة التعليم العالي مع وزارة التعليم عام 2013، وبعد عامين فقط من الدمج تم فصل الوزارتين مرة أخرى عام 2015، لتستقل وزارة التعليم العالي بإدارة شؤون التعليم الجامعي بماليزيا، تاركة شؤون التعليم العام لوزارة التعليم.
يعرف الكثير من المتخصصين أن أحد أهم الأساليب الناجحة في علم الإدارة هو الإدارة اللامركزية واستقلال الوحدات الإدارية، وهو ما يمنح العمل الكثير من الديناميكية والحيوية والمرونة وبالتالي حسن الأداء، وهو ما لا يتعارض مع تنفيذ الخطوط العامة الإستراتيجية التي يتم تحديدها من قبل الدولة، وفي اعتقادنا لا بد أن تتمتع الجامعات بنوع من الاستقلالية وإلا فلن تنتهي أبداً مشكلات قطاع التعليم العالي، والإدارة اللامركزية مطبقة في الكثير من الدول التي اهتمت بقطاع التعليم (مثل ماليزيا كما سبق القول)، وقد كان الهدف من دمج الوزارتين بالمملكة التنسيق بين مخرجات التعليم العام ومدخلات التعليم العالي، وهو الأمر الذي لا يحتاج لأكثر من لجنة مشتركة بين قيادتي الوزارتين، ولا يحتاج لدمج وزارتين بمثل هذه الأهمية، وهو الأمر الذي قد يتسبب في استمرار الكثير من المشكلات التي قد تهدر الكثير من الوقت والجهد والمال في آن واحد.
* كاتب سعودي
dr.mufti@acctecon.com