كتاب ومقالات

ذاكرة في مهب الرّيح

تهويم

منى العتيبي

عشت مشاعر مختلطة وأنا أقرأ قبل أيام هاشتاق يوم الرسائل العالمي، سادت على الهاشتاق لغة الحنين إلى الرسائل القديمة الورقية والكلمات التي تخرج من القلب دون قوالب إلكترونية جامدة.. تخرج بربكة وشوق وسؤال المرسل عن المرسل إليه.. قادتني هذه المشاعر إلى دفتر طفولتي.. إلى ما بقي من ذاكرتي الورقية.. إلى ما نقلته يداي الصغيرتان المبهورتان آنذاك عن فيكتور هيجو، خالد الفيصل، مي زيادة، عباس العقاد، أمل دنقل، توفيق الحكيم، وحكايات جحا.. قرأت دفتري المعتق بالورد من أول الصفحة حتى آخرها متنقلة مع كل منقول من ذكرى زمانية ومكانية إلى أخرى.. رجعت معها إلى تكويني الأول.. مدينتي الأولى.. حكاياتي البكر مع الحياة..

وبالرغم من كل مشاعر الحنين والبهجة والقفزة الزمانية التي عشتها حزنت كثيرا على ذاكرتي في سن المراهقة والمرحلة الدراسية الثانوية فلم أجد لي فيها سطرا واحدا! كانت ذاكرتي آنذاك مدونة في مدونتي وفي المنتديات الإلكترونية، بحثت عنها في محركات البحث.. قلبتُ الدنيا على قوقل ولم أجد لي سطرًا واحدًا! كل ما دونته في المواقع الإلكترونية ذهب وتم إتلافه مع إتلاف الصفحة الإلكترونية.. ذاكرتي التقنية صارت تالفة! لا أذكر من تفاصيلها سوى صديقتي نهلة! حتى تلك التي احتفظت بها في الأقراص اقتحمها فايروس إلكتروني ودمرها تماما!

أحمدُ الله بأن الورق احتفظ بجزء من طفولتي وأحزن على هذا الجيل.. جيل السناب شات وكاميرات الجوال وبوح مواقع التواصل الاجتماعي ودفتر الملاحظات التقني.. كل ذاكرتهم حتما ستكون تقنية، محصورة في الأجهزة الذكية.. هذه الأجهزة الذكية في صناعة أدق التفاصيل ولكنها غير قادرة على الاحتفاظ بأبسط التفاصيل.. كم من صورة افتقدناها مع الجهاز القديم حالما يحضر البديل.. كم من حكايات ذهبت مع الريح حالما اقتحم الهكر عالمها.. كم من معلومات وحكم وقيم جمعناها لنضعها أمام طريق مستقبلنا وبضغطة زر فقدنا طريقها.. كم وكم وكم؟

اصنعوا لأطفالكم.. لأنفسكم.. للجيل القادم طريقا آخر لذاكرتهم بعيدًا عن الذاكرة التقنيّة.. فذاكرة الأمس هوية اليوم.