في كل الأحوال.. القادم أسوأ في تركيا
الاثنين / 22 / صفر / 1441 هـ الاثنين 21 أكتوبر 2019 00:36
محمد حميدة
«مصائب قوم عند قوم فوائد»، مقولة تردد في عالمنا العربي بشكل كبير، غير أن بعض الساسة والزعماء يتخذونها مرتكزا في سياستهم للتعامل مع القضايا المحيطة، ثم يفيقون في النهاية على مقولة «انقلب السحر على الساحر».
المقولتان السابقتان يمكن تطبيقهما ببساطة على المشهد التركي، خاصة أن السياسة الخارجية التركية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان تبنت هذا المنطق طوال السنوات التي تلت 2011، وحاول أردوغان الاستفادة من كل المحن التي تعرضت لها الدول العربية، حتى التي لم تربطه الجغرافيا بها، وهو ما يؤكد أن الأمر لا يتعلق بأمن قومي كما يزعم الآن في قضية الشمال السوري، إلا أنه وصل الآن لمرحلة «انقلب السحر على الساحر».
قد يرى البعض أن تركيا نجحت في الشمال السوري، عبر الاتفاق الذي أبرمته مع واشنطن بوقف إطلاق النار لنحو 5 أيام ولم تلتزم به، إلا أن قراءة المشهد بشكل جيد تؤكد أن الأمر لم ينته بعد، وأن هناك الكثير من السيناريوهات، خاصة إذا انسحبت المجموعات الكردية بالفعل وسلمت الشريط الحدودي للجيش السوري الذي دخل بالفعل معظم تلك المناطق، وبذلك لن يكون أمام تركيا سوى ذريعة ترحيل اللاجئين قسرا إلى المنطقة التي تزعم بأنها ستكون آمنة، ومع دخول الجيش السوري بات الأمر أبعد ما يكون.
الحقيقة أن الخطة المزعومة ستنفجر بوجه الزعيم التركي، لما لها من عواقب كارثية، أولها التغيير الديموغرافي الذي يريد أن يجريه، لتصبح تلك المناطق خاضعة لسيطرته ومدينة له بالولاء، وربما يدعو فيما بعد للتصويت لانفصالها وانضمامها لتركيا، وهي خطة يسعى لها حزب الرئيس التركي بالفعل على المدى البعيد، حيث لا يرتبط الأمر ببقاء أردوغان أو رحيله، ولا يقتصر الأمر أيضا على سوريا فقط، بل يسعى الحزب لزعزعة منطقة الخليج نصرة للجماعة الإرهابية المحظورة وهو ما اتضح في التعامل التركي مع السعودية مؤخرا.
نسبة نجاح المخطط التركي بإقامة منطقة للنازحين باتت ضئيلة جدا بالشمال، خاصة أن الأكراد فطنوا الدرس جيدا، وسارعوا نحو دمشق التي ربحت من الخطوة أيضا، وفي حال إصرار أردوغان فإن العودة الطوعية باتت متاحة للسوريين لمدنهم وقراهم، دون الاضطرار للبقاء بالمنطقة المزعومة التي تسعى تركيا لتكون إحدى ولاياتها الجديدة.
فشل العملية القائمة حتى اللحظة أو نجاحها في الشمال السوري يصب لصالح المعارضة التركية على كافة المستويات، وبالنظر لتصريح كمال كليتشدار أوغلو، زعيم المعارضة التركية الأخير، الذي قال إن السياسة الخارجية لبلاده جلبت لتركيا نقمة العالم كله وأصبح العالم كله ضد «أنقرة»، يمكن فهم طبيعة التقلبات التي حصلت في الداخل التركي الذي اتضح منذ خسارة حزب الرئيس بلدية إسطنبول، وهي إحدى الخطوات التي تبني عليها المعارضة التركية في الداخل والخارج، فضلا عن أن الفصيل الذي انشق عن الحزب سيحاول استثمارها أيضا لجذب القواعد الانتخابية تجاه الحزب الجديد.
الملف الأبرز الذي بات يهدد العدالة والتنمية ويهدد عرش أردوغان هو دعم الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا، وملف علاج الدواعش بمستشفيات تركيا والسماح لهم بالعبور عبر المطارات والحدود، وهي كلها ملفات فتحت ولن تغلق الفترة المقبلة، خاصة في ظل التراجع الاقتصادي الذي تشهده تركيا، وسيصبح واقعا مؤلما مع منتصف العام 2020.
هناك محاولة أخيرة قد ينتبه لها الرئيس التركي، أو ربما يضعها ضمن حساباته حال تعثر خطته، وهي محاولة فتح قنوات تواصل مع الجانب السوري ليظهر بمظهر آخر، بأنه كان يعمل من أجل استقرار المنطقة على عكس توقعات الجميع، إلا أن الوقت لن يسعفه، حيث ولت هذه الفرصة دون عودة.
ضمن المؤشرات الاقتصادية التي تعجل بأن القادم أسوأ في الداخل التركي هو ما أشار إليه صندوق النقد بأن نمو اقتصاد تركيا يقدر بنسبة 0.2% خلال العام الجاري، مقارنة مع 2.8% خلال العام الماضي 2018، إضافة إلى تراجع الليرة منذ أغسطس 2018 حتى اليوم، وهي كلها مؤشرات تحاول المؤسسات التركية التعتيم عليها.
كما بلغت نسب التضخم في تركيا خلال العام الجاري 2019، 15.7%، ويسجل اقتصاد تركيا عجزا في ميزان الحساب الجاري بنسبة 0.6% خلال العام 2019، يصعد إلى 0.9% خلال العام المقبل، ومع منتصف العام المقبل ستصبح الأوضاع جلية لا ينفع معها التعتيم.
أما نسب البطالة بحسب الإحصائيات فهي الأسوأ أيضا، حيث تشير النسب إلى 13.8% خلال 2019، مقارنة مع 11% في 2018.
كل المؤشرات السابقة ستكون أكثر تأثيرا مع اشتعال الصراع السياسي المبكر مطلع عام 2020 في الداخل، إضافة إلى بعض المقاطعات التي تستمر فيها الدول العربية لتركيا لاسيما دول الخليج، مع التأكيد أن مجرد تهديد العالم بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا وتورطها في هذا الملف سيمتد تأثيره لفترات طويلة، إن لم يتضاعف حال إصرار أردوغان على استعمال القوة أو ذات السياسة الخارجية تجاه دول المنطقة والجوار، وهنا يصبح الحزب الحاكم داخل نفق اللاعودة، مع التأكيد على ضرورة الفصل بين النظام الحاكم والشعب التركي الذي نكن له الاحترام.
* صحفي مصري باحث في الشؤون التركية
mo_hemeda@
المقولتان السابقتان يمكن تطبيقهما ببساطة على المشهد التركي، خاصة أن السياسة الخارجية التركية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان تبنت هذا المنطق طوال السنوات التي تلت 2011، وحاول أردوغان الاستفادة من كل المحن التي تعرضت لها الدول العربية، حتى التي لم تربطه الجغرافيا بها، وهو ما يؤكد أن الأمر لا يتعلق بأمن قومي كما يزعم الآن في قضية الشمال السوري، إلا أنه وصل الآن لمرحلة «انقلب السحر على الساحر».
قد يرى البعض أن تركيا نجحت في الشمال السوري، عبر الاتفاق الذي أبرمته مع واشنطن بوقف إطلاق النار لنحو 5 أيام ولم تلتزم به، إلا أن قراءة المشهد بشكل جيد تؤكد أن الأمر لم ينته بعد، وأن هناك الكثير من السيناريوهات، خاصة إذا انسحبت المجموعات الكردية بالفعل وسلمت الشريط الحدودي للجيش السوري الذي دخل بالفعل معظم تلك المناطق، وبذلك لن يكون أمام تركيا سوى ذريعة ترحيل اللاجئين قسرا إلى المنطقة التي تزعم بأنها ستكون آمنة، ومع دخول الجيش السوري بات الأمر أبعد ما يكون.
الحقيقة أن الخطة المزعومة ستنفجر بوجه الزعيم التركي، لما لها من عواقب كارثية، أولها التغيير الديموغرافي الذي يريد أن يجريه، لتصبح تلك المناطق خاضعة لسيطرته ومدينة له بالولاء، وربما يدعو فيما بعد للتصويت لانفصالها وانضمامها لتركيا، وهي خطة يسعى لها حزب الرئيس التركي بالفعل على المدى البعيد، حيث لا يرتبط الأمر ببقاء أردوغان أو رحيله، ولا يقتصر الأمر أيضا على سوريا فقط، بل يسعى الحزب لزعزعة منطقة الخليج نصرة للجماعة الإرهابية المحظورة وهو ما اتضح في التعامل التركي مع السعودية مؤخرا.
نسبة نجاح المخطط التركي بإقامة منطقة للنازحين باتت ضئيلة جدا بالشمال، خاصة أن الأكراد فطنوا الدرس جيدا، وسارعوا نحو دمشق التي ربحت من الخطوة أيضا، وفي حال إصرار أردوغان فإن العودة الطوعية باتت متاحة للسوريين لمدنهم وقراهم، دون الاضطرار للبقاء بالمنطقة المزعومة التي تسعى تركيا لتكون إحدى ولاياتها الجديدة.
فشل العملية القائمة حتى اللحظة أو نجاحها في الشمال السوري يصب لصالح المعارضة التركية على كافة المستويات، وبالنظر لتصريح كمال كليتشدار أوغلو، زعيم المعارضة التركية الأخير، الذي قال إن السياسة الخارجية لبلاده جلبت لتركيا نقمة العالم كله وأصبح العالم كله ضد «أنقرة»، يمكن فهم طبيعة التقلبات التي حصلت في الداخل التركي الذي اتضح منذ خسارة حزب الرئيس بلدية إسطنبول، وهي إحدى الخطوات التي تبني عليها المعارضة التركية في الداخل والخارج، فضلا عن أن الفصيل الذي انشق عن الحزب سيحاول استثمارها أيضا لجذب القواعد الانتخابية تجاه الحزب الجديد.
الملف الأبرز الذي بات يهدد العدالة والتنمية ويهدد عرش أردوغان هو دعم الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا، وملف علاج الدواعش بمستشفيات تركيا والسماح لهم بالعبور عبر المطارات والحدود، وهي كلها ملفات فتحت ولن تغلق الفترة المقبلة، خاصة في ظل التراجع الاقتصادي الذي تشهده تركيا، وسيصبح واقعا مؤلما مع منتصف العام 2020.
هناك محاولة أخيرة قد ينتبه لها الرئيس التركي، أو ربما يضعها ضمن حساباته حال تعثر خطته، وهي محاولة فتح قنوات تواصل مع الجانب السوري ليظهر بمظهر آخر، بأنه كان يعمل من أجل استقرار المنطقة على عكس توقعات الجميع، إلا أن الوقت لن يسعفه، حيث ولت هذه الفرصة دون عودة.
ضمن المؤشرات الاقتصادية التي تعجل بأن القادم أسوأ في الداخل التركي هو ما أشار إليه صندوق النقد بأن نمو اقتصاد تركيا يقدر بنسبة 0.2% خلال العام الجاري، مقارنة مع 2.8% خلال العام الماضي 2018، إضافة إلى تراجع الليرة منذ أغسطس 2018 حتى اليوم، وهي كلها مؤشرات تحاول المؤسسات التركية التعتيم عليها.
كما بلغت نسب التضخم في تركيا خلال العام الجاري 2019، 15.7%، ويسجل اقتصاد تركيا عجزا في ميزان الحساب الجاري بنسبة 0.6% خلال العام 2019، يصعد إلى 0.9% خلال العام المقبل، ومع منتصف العام المقبل ستصبح الأوضاع جلية لا ينفع معها التعتيم.
أما نسب البطالة بحسب الإحصائيات فهي الأسوأ أيضا، حيث تشير النسب إلى 13.8% خلال 2019، مقارنة مع 11% في 2018.
كل المؤشرات السابقة ستكون أكثر تأثيرا مع اشتعال الصراع السياسي المبكر مطلع عام 2020 في الداخل، إضافة إلى بعض المقاطعات التي تستمر فيها الدول العربية لتركيا لاسيما دول الخليج، مع التأكيد أن مجرد تهديد العالم بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا وتورطها في هذا الملف سيمتد تأثيره لفترات طويلة، إن لم يتضاعف حال إصرار أردوغان على استعمال القوة أو ذات السياسة الخارجية تجاه دول المنطقة والجوار، وهنا يصبح الحزب الحاكم داخل نفق اللاعودة، مع التأكيد على ضرورة الفصل بين النظام الحاكم والشعب التركي الذي نكن له الاحترام.
* صحفي مصري باحث في الشؤون التركية
mo_hemeda@