مطلقات في دائرة الحزن

عبدالله محمد الفوزان

تجربة الطلاق بحد ذاتها تجربة مؤلمة جدا لأغلب المطلقات، فما بالكم إذا تضافرت مع هذه التجربة المريرة جملة من المشكلات القانونية والاجتماعية والاقتصادية التي ينجم عنها مشكلات أخرى هن في غنى عنها لكنها شر لا بد منه للكثيرات منهن. بعضهن يشتكين من مواقف بعض القضاة الذين يحرمونهن من حقهن في عرض وجهات نظرهن أثناء التقاضي لمجرد كونهن نساء فيلجمونهن عند الحديث، وربما زجرهن البعض، وحتى الوقت المخصص لهن لعرض وجهات نظرهن لا يكفي فيشعرن بالغبن والمهانة وتأتي الأحكام في أغلب الأحيان متطابقة مع مواقف الأزواج الذين يجدون فرصا كافية للتعبير عن وجهات نظرهم دون أن يزجرهم أحد. وهذا في ظني يعكس موقف بعض القضاة الذين تشربوا النظرة الاجتماعية الدونية للمرأة ويتعاملون معها أثناء التقاضي على هذا الأساس فيحرمونها من حقها في الحديث أو لا يعطونها الوقت الكافي للكلام، بينما يحظى خصمها الرجل بوقت كاف ليقول كل شيء، لذلك من الطبيعي أن تأتي أغلب الأحكام القضائية لصالح المطلقين على حساب المطلقات، فالقاضي يكون قد استمع لوجهة نظر الزوج أكثر من استماعه لوجهة نظر الزوجة، والنتيجة المنطقية أن تتحيز الأحكام القضائية لصالح الأزواج.
مشكلة أخرى تواجهها بعض المطلقات وتتعلق بالحق في حضانة الأطفال التي تمنح عادة للآباء رغم عدم أهليتهم لها أحيانا إما لكونهم يعانون من أمراض نفسية مزمنة أو لأنهم يتعاطون المخدرات والمسكرات أو لأنهم عاجزون عن إعالتهم أصلا فيكون الأطفال هم الضحايا، حيث يوضعون في بيئة غير سوية تهدد استقرارهم ونموهم النفسي والجسدي وربما دمرت حياتهم إلى الأبد أو ساهمت في تشويه شخصياتهم. وكثيرا ما نسمع عن تعرض مثل هؤلاء الأطفال لأشكال مختلفة من العنف قد تصل إلى حد القتل بسبب إعطاء حق الحضانة لآباء يفتقدون إلى الأهلية. فكم من أم انفطر قلبها وانكسر خاطرها بنزع أطفالها منها وتسليمهم لأب مجرم لا يتورع عن فعل أي شيء مشين بحقهم مكايدة للأم فقط وقهرا لها وانتقاما منها. وإذا ما كان حظ المطلقة قائما ومنحت حق حضانة أطفالها وقرر القاضي على الأب حق نفقتهم، فإن غالبية المطلقين ممن فقدوا ضمائرهم الحية لا ينفذون الحكم القضائي ويتحللون منه، فيصبح الحكم القضائي لا قيمة له على أرض الواقع لتجد المطلقة نفسها في مهب الريح هي وأطفالها خاصة إذا لم تكن موظفة أو لا يوجد من يدعمها من أفراد أسرتها أو أقاربها. وربما خيرها أهلها بين أن تعيش معهم من دون الأبناء أو أن تذهب إلى الجحيم هي وأطفالها. وهنا تجد نفسها في موقف لا تحسد عليه فتطرق أبواب الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية فلا تحصل إلا على الفتات. وقد تضطر بعض المطلقات وتحت ضغوط الحاجة وقلة ما باليد إلى الدخول في عالم الانحراف بحثا عن لقمة العيش لها ولأطفالها وربما قبض عليها وأودعت السجن وضاع مستقبلها ومستقبل أطفالها.
ومن بين المطلقات من يحرمن من رؤية أطفالهن بمزاج الأب وليس بحكم القضاء لتبدأ المطلقة رحلة العناء والشقاء والتعاسة، فهذا القانون يسنه ويفرضه بعض المطلقين ضد مطلقاتهم من باب الانتقام وكسر خاطر الأم فلا تجد من ينصفها من هذا الضيم والتعسف، وتبدأ المطلقة في البحث عن سبل كسر هذا القانون الجائر والظالم إما بانتظارهم عند أبواب المدارس إن كانوا يدرسون أو بإيصال شريحة هاتف نقال عن طريق الخفية لعلها تسمع أصواتهم من حين لآخر على أضعف الأحوال أو تستجدي أقارب الأب على أمل أن يلين قلبه ويسمح لها برؤية أطفالها.. ومن منا يتحمل أن يحرم من رؤية أطفاله ولو ليوم واحد؟.
وهناك من المطلقات اللاتي حظين بحضانة أطفالهن يعانين الأمرين للحصول على بطاقة العائلة من أجل تسجيل أطفالهن في المدارس أو للحصول على مخصصات الضمان الاجتماعي أو لأي هدف كان فيضيع مستقبلها ومستقبل الأطفال، لأن هذا المستقبل أصبح رهنا لمزاج الأب ومماطلته.
ومن بين المطلقات من تعاني أشد المعاناة في كنف أسرتها إما بالإساءة لها شخصيا من قبل المحيطين بها أو بالإساءة لأطفالها أو حتى بحرمانها من الخروج من المنزل أو تهديدها بالطرد هي وأطفالها من المنزل لتبقى المطلقة مكسورة الخاطر وتحاصرها الأمراض النفسية والجسدية من كل جانب. فهي إما أن تقبل بالعيش مع زوج سكير ويتعاطى المخدرات ومرض نفسيا يهددها هي وأطفالها في كل لحظة بالقتل أو يضربها ويضربهم ضربا مبرحا وعليها أن تصبر أو أن تعيش في كنف أسرة لا تقدر حالتها النفسية ولا تتورع عن إيذاء أطفالها وكل واحد من الخيارين أمر من الآخر.
عموما كثيرة هي المشاكل والمواجع التي تواجه الكثير من المطلقات في مجتمعنا ويبقى الضمير الحي للمثقفين وللدعاة وللمواطنين الشرفاء هو السبيل المشروع لإيصال معاناتهن لصانعي القرار من أجل سنّ ما يلزم من أنظمة وقرارات تكفل لهن الحياة الكريمة وتحد من معاناتهن وتنصفهن من الممارسات الجائرة لمعدومي الأخلاق والضمير.. وهذا أضعف الإيمان.. وللجميع أطيب تحياتي.
Dr_Fauzan_99@hotmail.com