كتاب ومقالات

«الغذاء والدواء».. الحلم الذي أصبح واقعاً

هاجد بن محمد بن هاجد

احتفلت الهيئة العامة للغذاء والدواء مؤخرًا باللقاء السنوي بمبادرة من قائدها معالي أ.د. هشام الجضعي، وذلك بعد مضي ما يقرب من سبعة عشر عاماً على إنشائها.

وبهذه المناسبة تداعت في ذهني ذكريات تأسيس هذه الهيئة التي قدمتُ توصية بإنشائها وعايشتها منذ أن كانت فكرة على الورق وإلى أن عملت ضمن فريقها المؤسس حتى أصبحت واقعاً حضارياً يشهد لتفوقها كل المنظمات المماثلة في العالم المتقدم.

كانت النظرة الثاقبة والرؤية الواضحة وقوة الإرادة والقيادة لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز (رحمه الله رحمة واسعة) النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ورئيس لجنة الإصلاح الإداري في تلك الفترة هي التي دفعت لإنشاء هذه الهيئة، حيث كان مهتماً بالمشروع الذي أوصى بإنشاء هيئة عامة للغذاء والدواء وصدر قرارها بالأمر السامي الكريم وبقرار مجلس الوزراء رقم (1) وتاريخ 07/‏‏01/‏‏1424هـ كهيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء.

وها هي الهيئة الآن تدخل بعد مضي هذه السنوات الزاخرة بالتطوير وبإدارة جديدة من أبناء وبنات الوطن وتحت إشراف معالي وزير الصحة رئيس مجلس إدارتها د. توفيق بن فوزان الربيعة وتواصل بحماس ودافعية وطنية وثابة يحدوها الأمل أن تجد الدعم من بقية وزارات الدولة لتقوم بدورها الوطني المهم تحقيقاً لرؤية المملكة 2030 ولتقديم أفضل خدمات ممكنة لمواطنيها الكرام والمقيمين على ثراها الطاهر.

ونظراً لمعايشتي المباشرة وتقديم تلك التوصية وكضابط اتصال ممثلاً لوزارة الصحة مع اللجنة الوزارية في معهد الإدارة العامة أثناء فترة تطويرفكرة الهيئة والإنشاء الفعلي والخطوات النظرية والعملية التي وضعت لبنات التصور لهذه الهيئة خصوصاً خلال الفترة الحاسمة والفعلية للإنشاء (1419 – 1422 للهجرة) وللحاجة لتوثيق هذه المرحلة من حياة الهيئة بقدر المستطاع من خلال ما يتوفر من معلومات عن مراحل إنشائها ولتحفيز المهتمين؛ رأيت أن أكتب هذا المقال لتوثيق تلك المراحل وللإسهام في حفظ الذاكرة التنموية لهذه الجهة.

أولاً: أصل الفكرة والدعم السياسي:

أستطيع القول إنني أتابع جميع ما كتب عن الهيئة وفكرة إنشائها والهدف منها منذ قرابة العشرين سنة الماضية بحكم أنني صاحب توصية إنشاء الهيئة، وحسب تخصصي وبحكم متابعتي ومعايشتي لإنشاء هذا الجهاز الحكومي المهم منذ أن كان مجرد فكرة كما سيأتي في هذا المقال.

فعندما أنشئت الهيئة عام 1424هـ ظهر من كتب وتساءل عن مدى الحاجة لإنشائها وماذا ستضيف عمّا تقوم به الجهات التشريعية والرقابية الموجودة أصلا. وكذلك نشر الكثير عن الهيئة والجهات التي نادت بإنشائها، وحقيقة الأمر أن جميع من حضر اجتماع لجنة حكومية ناقشت فكرة إنشائها في وزارة أو في هيئة كان له دور فعّال في إنشاء الهيئة العظيمة. كما سبق طرح فكرة إنشاء هيئة مشابهة منذ السبعينات الميلادية من القرن الماضي.

وحقيقة الأمر أن جميع من أسهم ولو بفكرة أومداخلة أو اجتماع كانت مساهمته ذات قيمة، والكثير من الأشخاص والمؤتمرات والندوات تحدثت عن الأمر وعن مدى الحاجة لإنشاء مثل هذا الجهاز الوطني الحيوي، حيث كانت هناك فكرة تجميع الأنشطة التي تهتم بمتابعة الغذاء (بعض الأغذية خصوصاً التي تستخدم في مستشفيات وزارة الصحة أو بعض عينات الأغذية التي قد تحال من البلديات وعينات من مياه مدينة الرياض تحلل في المختبر المركزي لوزارة الصحة)، وكذلك الحال مع الدواء حيث كانت مختبرات الدواء وتراخيصها تتم من خلال أجهزة حكومية مختلفة ولهذا رؤي تجميع شتات هذه القطاعات في جهاز واحد هو الهيئة العامة للغذاء والدواء وذلك منذ السبعينات الميلادية من القرن الماضي وكان ذلك في الإدارة العامة للرخص الطبية والصيدلة بوزارة الصحة.

كان من أهم المشاريع الكثيرة التي عملتها حكومة المملكة العربية السعودية في مجال التنمية في تلك الفترة ومن خلال التعاون الدولي مشروع الجيكور JECOR Joint Economic Commission of Riyadh، وهو مشروع تنموي متعدد الجوانب يهدف إلى تنمية الجهات الحكومية من خلال الاطلاع على التجارب العالمية في مجالات الخدمات وغيره من أنشطة الحكومة مثل مختبرات وزارة التجارة، والجمارك، وهيئة المواصفات والمقاييس، ووزارة الزراعة، ووزارة الصحة وغيرها من الوزارات.

وحضرت شخصياً في تلك الفترة العديد من الدورات وبرامج التدريب ضمن ذلك المشروع الذي ركّز على طريقة المراقبة والتفتيش والتنظيم للدواء داخل وخارج المملكة، كما كنت ممثلاً لوزارة الصحة وضابط اتصال بين وزارة الصحة ووزارة المالية (كانت وزارة المالية هي المسؤولة عن مشروع الجيكور «JECOR» في تلك المرحلة)، وكان ذلك عند انتقالي للعمل مديراً لشؤون الصيدلة في الإدارة العامة للرخص الطبية والصيدلة في وزارة الصحة بدلاً عن الصيدلي محمود عبدالكريم دادا الذي تقاعد في تلك الفترة. وكان من أهم توصيات المشروع إنشاء هيئة تهتم بالغذاء والدواء في المملكة العربية السعودية.

وكانت مثل هذه الفكرة الرائدة تحتاج إلى التبني والإرادة والرؤية السياسية التي كان يتمتع بها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله، وبحكم موقعه السياسي ومسؤوليته المباشرة عن لجنة الإصلاح الإداري في ذلك الوقت استمر- رحمه الله - في متابعة هذا المشروع حتى أصبحت الهيئة العامة للغذاء والدواء حقيقة يشار إليها بالبنان بعد أن حظيت باهتمام ولاة أمرهذه البلاد.

وعند إنشاء الهيئة أصبح ولي العهد هو رئيس مجلس الهيئة نظراً لأهمية دورها في حماية صحة الناس في ما يخص غذاءهم ودواءهم حتى وصلت الهيئة لما وصلت إليه الآن.

الدعم السياسي:

من خلال معايشتي للعديد من المشاريع الحكومية من خلال اللجان المشتركة بين الوزارات وجدت أن الهيئة العامة للغذاء والدواء حظيت بعناية واهتمام القيادة الرشيدة وأصحاب المعالي الوزراء من خلال ما لمسوه من اهتمام وحرص ومتابعة من الأمير سلطان بن عبدالعزيز (رحمه الله) لمشروع إنشاء الهيئة، ولا أدل على ذلك من أنه رحمه الله باعتباره رئيساً للجنة الإصلاح الإداري وافق على المقترح الذي كان أحد الخيارات أن يكون للهيئة مجلس إدارة تحت رئاسته ونيابة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية في ذلك الوقت الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله، وعضوية معظم وزراء الحكومة، ما أعطى رسالة قوية ودفعة لهذه الهيئة، وأوضح مدى اهتمام الحكومة بكل ما قد يؤثر على صحة مواطنيها، كما أن ربط الهيئة برئيس مجلس الوزراء خادم الحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية كان يمثل الدفعة الأكبر التي أظهرها ولاة أمر هذه البلاد لتوضح اهتمامهم بكل ما يمس صحة المستهلكين وليبرهن أن غذاء و دواء المواطنين والمقيمين يعتبر أحد أهم أولويات ولاة أمر هذه البلاد وأصبح هذا النموذج (ربط مثل هذه الأجهزة بالجهات العليا في الدولة) مثالاً يحتذى من بعض دول المنطقة التي قامت بتطبيقه.

ثانياً: مقاومة جهات حكومية

عندما أحيل استفسار للإدارة العامة للتموين الطبي في وزارة الصحة في تلك المرحلة لإبداء الرأي عن مدى الحاجة لإنشاء هيئة عامة للغذاء والدواء كان التوجه داخل الإدارة أن هذا مجرد تقليد لبعض الدول لا نحتاجه إذ نقوم بهذه المهام ذاتها في الوزارة ذات العلاقة مثل الصحة، إذ كنّا نسجل ونحلل الأدوية والمنتجات الصيدلانية ونفتش على مصانع الأدوية قبل السماح لمنتجاتها بالدخول إلى المملكة وكانت وزارة التجارة ومن خلال مختبراتها في المنافذ الجمركية تسمح أو تمنع دخول الأغذية المستوردة، ووزارة الزراعة تراقب الأعلاف والمبيدات وتسجّل الأدوية البيطرية، وهيئة المواصفات تضع المواصفات ووزارة البلديات تتولى المطاعم والمستودعات وغيرها من المهمات وكان هذا هوالتوجه للأسف داخل الإدارة.

ثالثاً: التطوير الفعلي للفكرة ومتى بدأ؟

بعد حصولي على الماجستير في الخدمات الصيدلانية ومراقبة الأدوية من بريطانيا مباشرة تم نقل خدماتي للإدارة العامة للرخص الطبية والصيدلة وكان ذلك في نهاية عام 1418هـ، حيث كلفت بالعمل مديراً لإدارة شؤون الصيدلة عام 1419هـ تقريباً.

في أحد الأيام تم إحالة معاملة من مكتب معالي وزير الصحة في تلك الفترة الدكتور أسامة شبكشي إلى المدير العام للرخص الطبية في تلك الفترة (د. صباح بن محمد الريس) حيث كانت المعاملة محالة من مكتب صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز حول شرحه بخط يده رحمه الله معلقاً على مقال نشرته إحدى الصحف المحلية بخصوص المشكلات التي تنشأ من محلات العطارة وما يتعرض له ويعانيه مواطنون من تلك المحلات، ومما أذكره أنه رحمه الله كتب في أسفل الخبر موجهاً خطابه لوزير الصحة في حينها: «إلى متى والناس تعاني ومتى ستنشأ هيئة الغذاء والدواء»، فأحال المدير العام تلك المعاملة لي لدراسة وإبداء الرأي بحكم موقعي الوظيفي وبحكم تخصصي في الماجستير (الخدمات الصيدلانية ومراقبة الأدوية).

بدأت أبحث عمّا يتوفر في الإدارة من معلومات أو معاملات سابقة عن هذا الموضوع ولكن لم أجد شيئاً، فسألت أحد الزملاء الأقدم مني في الإدارة عن هذا الموضوع وهل سبق أن اتخذت الإدارة فيه أي إجراء؟ فذكر لي أن هذا الموضوع موجود لدى معهد الإدارة العامة وهناك لجنة مسؤولة عن الموضوع، وحينها تواصلت مع المعهد وبعد جهد تم الوصول للشخص المعني وهو سكرتير اللجنة في تلك المرحلة وأخبرته بموضوع المعاملة المحالة ليطلب مخاطبة المعهد بالموضوع بصفة رسمية وهوما تم بالفعل، وكان الرد أن هناك لجنة بالفعل تدرس الموضوع ولا تزال في المراحل الأولية ويطلب تصور الوزارة لهذا الموضوع وكيفية تنفيذ التوجيه الكريم بهذا الخصوص.

تم الرد عليهم أنني ممثل الوزارة بهذا الخصوص (كضابط اتصال) واقترحنا (وزارة الصحة) عليهم مجموعة من الخطوات تبدأ بتجميع وحصر الجهات ذات العلاقة بالأنشطة التي يفترض أن تكون تلك الهيئة مسؤولة عنها وذلك من خلال مراسلة جميع الوزارات والهيئات التي لها علاقة بالغذاء والدواء والصحة العامة، وتم إرفاق جداول تفصّل أسماء الجهات والإدارات ذات العلاقة تتضمن اسمها والنشاط التفصيلي وشرح طبيعته وماهيته وأعداد الموظفين الذين يؤدون ذلك العمل أو المهمة ومؤهلاتهم، وجرى تجميع تلك البيانات من جميع الوزارات.

بعد إنهاء مرحلة تجميع البيانات تم البدء بوضع تصور لمهام تلك الهيئة وبأي الجهات يفترض أن ترتبط إدارياً.

فمن حيث المهام ونظراً لأن البيانات التي تم تجميعها كثيرة جداً تشمل مهام تشريعية ومهام تنفيذية ومهام رقابية اختلفت التوجهات بحكم اختصاص فرق الدراسة ومستشاري اللجنة ولغياب المعرفة في هذا النوع من الأنشطة وكيفية وطبيعة عملها.

واقترحت على اللجنة الخيارات الممكنة لعمل تلك الهيئة بحيث تختار ما يمكن وضعه حسب الممكن نظاماً وإدارياً، كما شرحت إيجابيات وسلبيات كل خيار من الخيارات المطروحة (بعض الأمور لم يتم طرحها في هذا المقال بسبب طبيعتها الشخصية التي أعتذر عن تقديمها للقارئ الكريم)، وكانت الخيارات كما يلي:

- الخيار الأول:

أن يتم تجميع الإدارات التي تؤدي تلك المهام في الوزارات المختلفة في مكان وتحول إلى هيئة أو وزارة، وكان من إيجابيات هذا التصور إمكانية سرعة التنفيذ ونقل أولئك الموظفين ومهامهم في مكان واحد واستمرارية قيام الإدارة بنفس مهامها مباشرة. لكن كان هناك العديد من السلبيات التي تم إيضاحها أولها أنه سيتم إيجاد جهاز بيروقراطي كبير جداً ويقوم بأعمال تفصيلية كثيرة تقوم بها في تلك الفترة الكثير من الإدارات والوزارات على مستوى المدن والمحافظات والهجر في أنحاء المملكة المترامية الأطراف، كما كان من سلبيات تلك الفكرة عدم إيجاد بيئة عمل جديدة غير التي كانت سائدة في تلك الوزارة في تلك المرحلة، وهذا أحد أهداف تغيير الممارسات القديمة وإنشاء هيئة لهذا الغرض، إذ إن الاستعانة بنفس الأشخاص والخبرات والإجراءات والممارسات لن يؤدي إلى أي تغيير أو أي تطوير للأعمال سواء كانت تنظيمية أو رقابية أو تنفيذية، وهناك العديد من السلبيات التي تم شرحها للجنة ولم نوصِ باعتماد هذا النموذج.

- الخيار الثاني:

إيجاد هيئة تشريعية فقط (مثل هيئة المواصفات والمقاييس في ذلك الوقت) تضع التشريعات أوالقوانين التنظيمية أو المواصفات وتتولى الوزارة أوالجهات الأخرى التنفيذ وأعمال الرقابة، وكانت الإيجابية الوحيدة لهذا لخيار هو السرعة الشديدة التي كان يمكن أن تطبق بها وتنشأ تلك الهيئة بشكل سريع، لكن كان هناك العديد من السلبيات التي لم يكن أقلها هو بيئة العمل في الأجهزة الحكومية في تلك الفترة وعدم وجود ربط بين ما يصدر من تشريعات أو أنظمة والجهات التي تطبق وتنفذ تلك الأنظمة والتشريعات، حتى في حال التطبيق فإنه يحدث سوء تنفيذ أو تطبيق أو ضعف في التطبيق بسبب عدم وجود علاقة مباشرة للجهازالإداري المنفذ وبين من أصدر التشريع أو التنظيم أو المواصفة وكذلك لم نرشح هذا الخيار للأسباب المذكورة.

- الخيار الثالث:

هو الخيار الذي أوصيت به، وهو أن تكون هيئة مستقلة عن الوزارة القائمة بتلك المهام في تلك الفترة ويكون لديها معظم المهام التشريعية والرقابية على الغذاء والدواء والأجهزة الطبية، وكذلك بعض المهام التنفيذية بحيث يكون هناك جهاز شديد القوة والتحكم في الرقابة وكذلك خفيف من حيث الكبر كجهاز متخصص، وأُخذ بالفعل بهذا المقترح.

رابعاً: اللجنة الوزارية في معهد الإدارة العامة

درست اللجنة الوزارية في معهد الادارة العامة ومن خلال لجنة وزارية ممثل فيها معظم الوزارات جميع المقترحات التي قدمت من الوزارات والخبراء الذين كلفوا بإعطاء مرئياتهم حول ما يطرح من أفكار، ورفع المعهد نتيجة الدراسة لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- النائب الثاني ووزير الدفاع ورئيس لجنة الإصلاح الإداري في ذلك الوقت فدعمها رحمه الله وأصبحت حقيقة ماثلة اليوم.

خامساً: مراحل مناقشتها في الشورى

نشرت صحيفة الجزيرة في عددها رقم 11898 بتاريخ 17 ربيع الأول 1426هـ خبراً تحت هذاالعنوان «بمبادرة من الأمير سلطان بن عبدالعزيز الشورى يفتح ملف هيئة للغذاء و الدواء»...«حيث ورد في الخبر أن رئيس لجنة شؤون الصحة والبيئة الدكتور محسن آل تميم (في ذلك الوقت) بيّن أن الهيئة تعد شخصية اعتبارية وتتمتع بالاستقلال المادي، ومقرها الرياض ويجب لها إنشاء فروع في بقية مناطق المملكة. ويستمر الخبر في السرد ليوضح رئيس اللجنة أن مشروع النظام أعد من مبادرة من سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران، وفي إطار لجنة الإصلاح الإداري (1415هـ) ومن ثم ألف لها فريق علمي متخصص أجرى مسحاً للجهات المشرفة على الغذاء والدواء في المجتمع السعودي والنظم المعمول بها حالياً وتوصل إلى تصور لأهداف وأغراض الهيئة.

وحقيقة الأمر أن مناقشة فكرة إنشاء الهيئة لم يستغرق وقتاً طويلاً لدى المجلس مقارنةً بجهات حكومية أخرى بسبب وضوح الفكرة وكذلك إدراك الجميع لأهمية وحاجة المجتمع لمثل هذا الجهاز.

• السنوات العشر الأولى:

لن أفصّل في هذا المقال (لعل أن تتاح الفرصة للتفصيل في مكان آخر) ما حدث في هذه السنوات العشر الأولى لهذا الجهاز الحكومي الرائد فعلياً على مستوى المنطقة بل لا أكاد أبالغ إذا قلت إنه رائد على مستوى العالم كأحد الأجهزة الرقابية الرائدة، وهذا القول ليس قولي بل قول سعادة المديرة التنفيذية لمنظمة الصحة العالمية الدكتورة مارغريت تشان عندما زارت الهيئة خلال مشاركتها في المؤتمر الأول لإدارة طب الحشود الذي نظمته وزارة الصحة عام 2010م، حيث طلبت معاليها زيارة الهيئة رغم أنه لم يكن ضمن جدول أعمال زيارتها وكان ذلك نتيجة لما أحدثته الهيئة من سمعة عالمية بسبب بعض القرارات التي اتخذتها وكان لها صدى عالمي لدى المختصين والمتابعين عالمياً في مجال تنظيم الدواء على وجه الخصوص.

عند صدور قرار إنشاء الهيئة العامة للغذاء والدواء تضمن قرار الإنشاء إعطاء الهيئة خمس سنوات لوضع أنظمتها ووضع تصور لنقل المهام حسب جاهزية نقل تلك المهام من الوزارات التي تقوم بتنفيذ تلك المهام. وبالفعل وفي عدد من الخطوات وضعت الهيئة تصوراً معيناً كما وضعت بنهاية السنوات الخمس الأولى الإستراتيجية الأولى لخمس سنوات تلاها إستراتيجية لخمس سنوات أخرى.

وما زال الوطن بسياسييه ومواطنيه ومسؤوليه ينتظرون المزيد من هذه الهيئة الفتية التي قدمت لها الدولة كل الدعم لتقوم بدور حيوي في حياتنا ولتحمينا من مخاطر محتملة من الغذاء والدواء والأجهزة الطبية.

وينتظر المحيط الإقليمي والعالمي كذلك المزيد من المبادرات من الهيئة، ولا يراودني شك في أن الهيئة بقيادتها الشابة بقيادة الأخ والصديق معالي أ. د. هشام بن سعد الجضعي وبإشراف معالي وزيرنا المحبوب الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة وفريق العمل فيها من أبناء وبنات هذا الوطن العظيم قادرة بحول الله على تحقيق رؤية مقام خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله تعالى، مستنيرين برؤية المملكة العربية السعودية 2030 والذي سيدفع لتحقيق رؤية الهيئة لتكون هيئة ذات تأثير عالمي وليس إقليميا فقط في مجال الرقابة على الغذاء والدواء والأجهزة الطبية.

هذا جانب من قصة إنشاء الهيئة الذي عايشته شخصياً وأحتفظ بكثير من وثائقه التي كتبتها بيدي وبعضها أرسل لي أثناء دراستي للدكتوراه لإبداء الرأي فيها من قبل المسؤولين، آملاً أن يساعدني الوقت على نشرها، وبدون شك أن هناك من أبناء الوطن من له قصة أخرى مع هذه الهيئة كان شاهداً عليها سيرويها لنا لتكون الصورة الكاملة للمهتمين والباحثين.

وفي الختام لا يفوتني أن أشكر كل مسؤول أو مواطن كان له دور إيجابي وساعد وأسهم في إنشاء هذا الهيئة واستمرارها وجزاهم الله خيراًعلى ما قدموه لوطنهم وللعالم أجمع.

* نائب رئيس قطاع الدواء بالهيئة العامة للغذاء والدواء سابقاً

HajedM1@