كتاب ومقالات

السعوديات ومستقبل الاستثمار

أريج الجهني

بالتزامن مع انطلاق منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار 2019 في الرياض الذي يقود تجمعاً اقتصادياً دولياً رفيع المستوى وحضوراً عالمياً وورش عمل متنوعة، أعيد من هنا في «عكاظ» قراءة سريعة لوضع المرأة السعودية، بالتأكيد أن حضور المرأة السعودية في هذا العام كان حضوراً استثنائياً سواء بالمستوى المحلي أو العالمي، حضرت سفيرة ومديرة جامعة ومثلت الدولة في مراسم عالمية، نافست على مستقبلها وربحت الرهان، لكن بقيت الكثير من الفتيات عالقات بسبب سطوة المجتمع وتأثيره الكبير بجانب بقاء بعض الإجراءات التي تمارس ضد المرأة وتتعارض مع رؤية الدولة وروح الإسلام وهي «بلاغات التغيب وقضايا العقوق الكيدية»، نحن بحاجة لطمأنة الفتيات للانطلاق لمستقبل اقتصادي حقيقي..

نعم الدولة قدمت الكثير، لكن ما زالت بعض الأسر تعاقب فتياتها وتحرمهن من العمل والتعلم، هذه المرحلة الانتقالية التي نعيشها في المجتمع بالانعتاق من مفهوم الدولة الرعوية، للدولة المنتجة التنافسية، يرافقها بشكل ملحوظ التحول الأسري من النظام الأبوي القديم للنظام الأسري المنفتح والمحب. المنظومة الأبوية عبر التاريخ ومختلف الثقافات كرست الاحتقار والإهانات للنساء، وهي منظومة انهارت تماماً في الكثير من الدول، ليس لعدم وجود قيم كما يروج، بل لأن هذه الدول أدركت مبكراً أن النهضة الاقتصادية والإنسانية لا تتحقق بالعنف وسحق النساء، فهي عندما تحمي المرأة تحمي مجتمعاً كاملاً من الجريمة، المرأة تدرك جيداً دورها في «الإنجاب والخصوبة»؛ لهذا يتعاطى التعدد والإنجاب بعيداً جدّاً عن الهدف الحقيقي للحياة الزوجية والنظام الأسري الداعم..

تصلني العديد من الرسائل لمشاكل الأسرة، ونقرأ في الأخبار جرائم مرعبة لآباء يقتلون فتياتهم! أو يعذبون أطفالهم، وتطوى بشكل مؤلم بعبارة «عنف وشرف»، وهي لا تحمل الشرف ولا الدين، فالمسلم على المسلم حرام «دمه وماله وعرضه»، فكيف لهؤلاء المجرمين التغول في دماء النساء وضرب الأطفال دون رحمة؟ أين دور خطباء المساجد؟ ومتى سيتم إسقاط البلاغات الكيدية بالتغيب والعقوق؟ ومتى سيدرك الأهالي أن تربية الأطفال أساسها الحب والتقدير لا الشك والتدمير؟

نعم هناك فتيات يعنفن بشكل يومي لمنعهن من التعليم والعمل، صدّق أو لا تصدّق، أين دور الجامعات والإعلام؟ ولماذا ما زالت الإجراءات «خجولة» في معالجة قضايا العنف والقتل بين أفراد الأسرة، ما يعكس ضعفاً حقيقياً في رصد الجريمة وتطور السلوك الإجرامي بالمجمل من عدة جهات..

هناك مواطنات يرزحن تحت خط الفقر فقط لأنهن فتيات، وحتى نغير هذا الحال لن ننتظر أن تحدث معجزة، بل المعجزة حدثت فعلا بمجيء هذه الرؤية العظيمة التي تقود المجتمع للخروج من القوالب النمطية، لمجتمع حيوي ومتحضر، لكن نريد جميعنا أن نقدم الدعم للفتيات وحتى الشباب في الأسر التي تعنف هؤلاء وتصادر أبسط حقوقهم في الاختيار بل حتى الحياة! من قتل فتاة العشرين بعشرين طعنة؟ ومن قتل لمياء؟ كم جريمة قتل حدثت داخل المنازل؟ الإرهاب الأسري يجب أن يتوقف، الاغتيال النفسي والمعنوي للفتيات جريمة مجتمعية، تحتاج مشروعاً وطنياً حقيقياً يحمي المجتمع من هذه التركة الثقافية المخجلة التي تهدد حياة كل فتاة بغض النظر عن عمرها ومكانها.

الدولة منحت نساءها الثقة وعلى المجتمع أن يحترم هذا التغير ويتقبله لننطلق للبناء، مؤسف جداً أن نرى فتاة تحضر للحرم الجامعي وهي معنفة أو أن تحرم فتاة من تخصص أو وظيفة فقط لترضى عنها «القبيلة»، هذا الكيان الذي بعضه يصفق للقاتل ويسحق المبدعة! ويتعامى عن الفقيرات منهن، ويطارد الناجحات ويلعنهن ألف لعنة! وهنا أقول لكل الفتيات تمسكن جيداً بهذا الوطن الذي آمن بكن وفتح لكن الأبواب، كنّ جزءاً فعالاً في تحقيق رؤية وطنكن، كن فخورات بذواتكن، ارتقين بوعيكن، لا تترددن بطلب المعرفة، قاومن الجهل بعلمكن وحطمن الأصنام بعملكن، ووطنكن يدعمكن، المستقبل الاستثماري في المملكة لن يتحقق إلا بالاستثمار بالإنسان والإنسان هنا هو أنا وأنت ونحن «على حد سواء».

* كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com