كتاب ومقالات

الفسادُ لا يتجزأ ولا يُنسى

علي بن محمد الرباعي

هل يتوقع التياريون والحزبيون أن الوطن نسي ما كادوه له، وما باركوه من فساد إداري ومالي، وما باشروه من جرم مشهود في تحزيب مواطني هذه البلاد ضد القيادة السعودية؟ إن نسيتم فلن ينسى الوطن، ولن ننسى؛ لأن الفساد لا يتجزأ.

آثار العبث الحزبي في ربوعنا لن تنمحي سريعاً كونها سمّت الروح والجسد، وعوارها طاول الأرض والعرض، ولا يمكن لأي مجتمع أن يتعافى سريعاً من تبعات الفساد والإفساد بل يحتاج لمراحل استشفاء ودورات نقاهة حتى يستعيد سيرة عافيته الأولى.

الذين كانوا يفسدون الأدمغة بالأمس ويفخخون الأرواح بما لا يباح من زور القول وبهتان الطرح لتأجيج الفتن وتهيئة المشاعر للنفير من دوحة الأمن إلى مجاهل الخوف يطلّون علينا اليوم ناصحين مشفقين!

يحاول الخطاب الذي هوّن علينا شأن أخطائه، وأعمانا عن سبل العناية بوطننا كما يليق بمواطنين صالحين يفتح اليوم أعيننا على ما يراه أخطاءً للآخرين، ويطلق علينا هراءً ممجوجاً مما يعده فساداً وتجاوزات تقتضي المحاسبة.

ما نحن عليه اليوم ردّة فعل طبيعية على فساد وإفساد سابقين يمكن قانونياً محاكمتهما بأثر رجعي، نظير ما أثقلوا به صدر الحياة وكاهلها من تحريم وتجريم ومطاردة وإمتاع لأنفسهم ولأتباعهم بالسادية التي كانوا يمارسونها.

ما إن ارتحنا قليلاً من الشتات الذي كان يملؤنا، وشعرنا براحة أشبه براحة المتعب الذي قطع طريقاً طويلاً في الشمس ووجد شجرة ظليلة فارتمى تحتها وتسرب الهواء لجسده ليشعر بنسمة حرية تسكنه وكأنه يعرفها لأول مرة حتى تنادوا علينا مصبحين وممسين.

الفساد لا يتجزأ، وكذلك الحال مع الإصلاح الذي تتبناه قيادتنا ليكون شاملاً لكل جوانب الحياة (اجتماعية، اقتصادية، ثقافية) ومن الطبيعي أن يرى عدو الوطن إصلاح غيره فساداً، بينما يحكم على فساده بأنه إصلاح!

المؤكد جداً أن المجتمع المتعافي من أسقام الماضي لن يقبل أن يزج به متشبعاً بالحزبيات في أتون التطرف تارة أخرى، كما لن يقبل أن يوقعه صفيق من العشوائيين في مزاد القباحة بارتكاب ما هو مجمعٌ على تحريمه شرعاً ومجرّمٌ نظاماً.

ليس هناك دولة في العالم تقر الفساد أو تتبناه بل شأن الدول إصلاحي، والمتضررون من الإصلاح يلجأون لأساليب مكشوفة لتأليب مكونات المجتمع، لكنّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.