صفعة واشنطن: انتصار الأرمن وهزيمة أنقرة دبلوماسياً
السبت / 05 / ربيع الأول / 1441 هـ السبت 02 نوفمبر 2019 01:21
محمد حامد
لم يكن قرار الكونغرس أمس الأول بالاعتراف بمذابح الأرمن التي ارتكبت من قبل الدولة العثمانية في 1915 أمراً هيناً، هو ضربة موجعة لحكومة العدالة والتنمية التي تريد أن تستبدل الإرث الأتاتوركي بالإرث العثماني، وتشجع الشعب على استحضار كل صور الدولة العثمانية في كل تصرفاتها السياسية والاجتماعية والثقافية تحت عنوان عريض وهو العثمانية الجديدة، وعلى الرغم من متانة العلاقات الأمريكية - التركية ورغم أنهما حلفاء في الناتو وقاعدة انجيرليك الإستراتيجية، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقرر أن تعترف بالمذابح في ظل تركيا الضعيفة أسيرة الانقلابات العسكرية وحكومات الأقلية في الثمانينات والتسعينات في القرن الماضي، وكان زخم قمع الترك الأكراد أقوى من الآن، ولكن اعترفت بها في ظل حكومة قومية أغلبية قوية ومستقرة ولديها نفوذ في محيطها تتباهي به أمام العالم وتتأرجح بين الروس تارة والأمريكان تارة والأوربيين تاره أخرى وطالما سخر أردوغان من حكام تركيا السابقين باعتبارهم كانوا ألعوبة في يد واشنطن واليوم يتفاخر بالاستقلال الوطني خاصة أن التوقيت يتزامن مع الذكرى 96 لإعلان الجمهورية التركية.
وبعد رسالة الرئيس الأمريكي ترمب إلى أردوغان في ٩ أكتوبر التي وصفها كثيرون بالمهينة عندما قال فيها: «لا تكن أحمق وتقتل الآلاف من الأكراد»، خاصة أن واشنطن ما زالت غاضبة من شراء تركيا لمنظومة S400 الروسية، ورغبتها في شراء أسلحة صينية مستقبلاً، والتطبيع مع إيران على غير رغبة واشنطن، والاشتباك مع اليونان - قبرص في ملف الغاز، والرغبة في سحق الأكراد حلفاء واشنطن في الشمال السوري، وهذا ما لا تقبله الولايات المتحدة؛ لذلك عندما جاءت الفرصة لواشنطن ردت الصاع صاعين واعترفت بمذابح الأرمن في خطوة رمزية من قبل مجلس النواب الأمريكي، استفزت أنقرة التي استدعت السفير الأمريكي لديها ووبخته.
هذه الفرصة للرد على كل ذلك وأيضاً فرض عقوبات على تركيا بسبب عملية (نبع السلام) التي تستهدف المكون الكردي وهذا يخالف قيم حقوق الإنسان التي تحترم التنوع وهو ما طالب به الرئيس الأمريكي ترمب مخاطباً الرئيسي التركي.
إحراج تركيا دولة ونظاماً:
لطالما خلط أردوغان بين الدولة التركية كدولة وشخص الرئيس المتمثل فيه، وهذا الخلط جلب له المشكلات في خلافه مع روسيا في إسقاط الطائرة في سوريا، وفي العلاقات مع إسرائيل في ملف سفينة مرمرة، وأيضا في الخلاف مع القاهرة بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين، وأيضا خلافه مع نظام الأسد، وأيضاً مقاطعة قطر والخلاف مع الرياض وأبوظبي في دعم الثوار أو بالأحرى تركيا المتهورة التي نسفت سياسة صفر مشاكل بالكامل، وخصم من رصيد تركيا في الإقليم بسبب التدخلات الخارجية غير المحسوبة العواقب.
أما أمام واشنطن فوجد السلطان أردوغان نفسه أمام غطرسة ترمب الذي يرفع شعار أمريكا أولاً، والذي ابتزه صراحة في قضية القس برنسون العام الماضي، وقال صراحة سأدمر اقتصاد تركيا عبر تغريدة وهو ما حدث بالفعل عبر فرض رسوم على الواردات التركية للولايات المتحدة، وأيضاً اصابه الصمت عندما تحدثت دوائر الكونغرس أنها ستكشف حجم ثروة الرئيس التركي وعائلته وهو ما سيعيد للواجهة فساد حكومة أردوغان بالكامل التي فضحت في عام 2014، واتهمت وقتها حركة الخدمة (فتح الله غولن) وراء ما حدث من تسريبات، وهو ما تراه المعارضة (الشعب الجمهوري) إهانة كبيرة للجمهورية التركية.
وسقط أردوغان أيضاً في فخ تناقض كبير عندما صرح أنه لن يلتقي مايك بنس وعليه أن يلتقي بنائب الرئيس فؤاد اكتاي وفي النهاية التقاه لأن أمريكا كانت غاضبة للغاية من عملية نبع السلام.
وأيضا إعلان البنتاغون أنهم تعمدوا عدم إخبار تركيا بتوقيت عملية قتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي الذي كان يعيش بالقرب من الحدود التركية في دلالة واضحة بمدى الدور التركي في دعم الإرهاب واستخدام الدواعش والنصرة ورقةً سياسيةً في يد مخابرات أنقرة لاستخدامها ضد خصومها في الإقليم.
فشل سياسات أنقرة في الداخل الأمريكي:
إن إدانة مذابح الأرمن من قبل مجلس النواب خطوة تؤكد فشل سياسات تركيا نحو واشنطن، وذهابها في اتجاه معاكس لا تشتهي به السفن التركية خاصة أن اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة الأمريكية من أقوى اللوبيات هناك يضاهي قوة اللوبي الإسرائيلي في الداخل الأمريكي ولطالما كانت النداءات كثيرة في هذا الأمر حتى أتت الاستجابة لمطالبهم.
أنقرة التي تفاءلت بقدوم الرئيس ترمب بدلاً من المرشحة الخاسرة هيلاري كلينتون التي اعتبرها أردوغان هي وأوباما داعمين لحركة الانقلاب الفاشل، وها هو أتى ترمب مهدداً أنقرة رغم ولعه بالأنظمة السلطوية وغير الديمقراطية والتغزل الترامبي بهم، لكن في ظل عهده عجزت تركيا عن اعتقال الشيخ فتح الله غولن أو تقليل نفوذ الحركة في الداخل الأمريكي، بل طلبت واشنطن من أنقرة الإفراج عن رضا ضراب رجل الأعمال التركي الإيراني الذي كان رئة طهران في الهروب من العقوبات مثله مثل محمد اتلان عضو بنك خلق التركي الذي ساعد طهران في العقوبات الدولية، وفشلت أنقرة في فرض رؤيتها في حريتها في إقامة علاقات مع إيران وفنزويلا وأنظمة دولية تعتبرها الولايات المتحدة معادية لها وسياساتها ولا يجوز لحلفاء واشنطن إقامة علاقات من مثل هذا النوع.
وعلى الرغم من أن ترمب أوقف العقوبات الاقتصادية التي كان ينوى فرضها على أنقرة لأنها أوقفت عملية نبع السلام، ولكن مازال مجلس النواب الأمريكي يري أن تركيا لا تسير في الطريق الصحيح، وأيضا استضافة الكونغرس السيدة إلهام أحمد رئيس مجلس سوريا الديمقراطية وصلت الكونغرس بسبب سياسات أنقرة الخاطئة التي أدت لتدويل الكرد وتعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي وقواته حركة إرهابية على غرار حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولكن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري غير ذلك، وهو ما لم تدركه أنقرة وترغب في رؤيتها السياسية على أغلب الدول.
الخلاصة: تركيا حالياً في حاجة ماسة جدّاً للولايات المتحدة باستثماراتها وخبرائها وثقلها الاستراتيجى؛ لإنقاذ الاقتصاد التركي المتداعي منذ عام على يد سياسات براء البيرق صهر أردوغان، إن الفشل الاقتصادي قد ينهي حكم العدالة والتنمية الممتد منذ أكثر من 17 عاماً، وكانت نتائج انتخابات المحليات في تركيا بروفة صغيرة لما يمكن أن يحدث في أي انتخابات برلمانية أو رئاسية قادمة إذا لم يقدم أردوغان على الهروب مرة أخرى للأمام وأن يدعو لانتخابات رئاسية وبرلمانية قبل موعدها في عام 2023.
* كاتب وباحث في العلاقات الدولية
وبعد رسالة الرئيس الأمريكي ترمب إلى أردوغان في ٩ أكتوبر التي وصفها كثيرون بالمهينة عندما قال فيها: «لا تكن أحمق وتقتل الآلاف من الأكراد»، خاصة أن واشنطن ما زالت غاضبة من شراء تركيا لمنظومة S400 الروسية، ورغبتها في شراء أسلحة صينية مستقبلاً، والتطبيع مع إيران على غير رغبة واشنطن، والاشتباك مع اليونان - قبرص في ملف الغاز، والرغبة في سحق الأكراد حلفاء واشنطن في الشمال السوري، وهذا ما لا تقبله الولايات المتحدة؛ لذلك عندما جاءت الفرصة لواشنطن ردت الصاع صاعين واعترفت بمذابح الأرمن في خطوة رمزية من قبل مجلس النواب الأمريكي، استفزت أنقرة التي استدعت السفير الأمريكي لديها ووبخته.
هذه الفرصة للرد على كل ذلك وأيضاً فرض عقوبات على تركيا بسبب عملية (نبع السلام) التي تستهدف المكون الكردي وهذا يخالف قيم حقوق الإنسان التي تحترم التنوع وهو ما طالب به الرئيس الأمريكي ترمب مخاطباً الرئيسي التركي.
إحراج تركيا دولة ونظاماً:
لطالما خلط أردوغان بين الدولة التركية كدولة وشخص الرئيس المتمثل فيه، وهذا الخلط جلب له المشكلات في خلافه مع روسيا في إسقاط الطائرة في سوريا، وفي العلاقات مع إسرائيل في ملف سفينة مرمرة، وأيضا في الخلاف مع القاهرة بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين، وأيضا خلافه مع نظام الأسد، وأيضاً مقاطعة قطر والخلاف مع الرياض وأبوظبي في دعم الثوار أو بالأحرى تركيا المتهورة التي نسفت سياسة صفر مشاكل بالكامل، وخصم من رصيد تركيا في الإقليم بسبب التدخلات الخارجية غير المحسوبة العواقب.
أما أمام واشنطن فوجد السلطان أردوغان نفسه أمام غطرسة ترمب الذي يرفع شعار أمريكا أولاً، والذي ابتزه صراحة في قضية القس برنسون العام الماضي، وقال صراحة سأدمر اقتصاد تركيا عبر تغريدة وهو ما حدث بالفعل عبر فرض رسوم على الواردات التركية للولايات المتحدة، وأيضاً اصابه الصمت عندما تحدثت دوائر الكونغرس أنها ستكشف حجم ثروة الرئيس التركي وعائلته وهو ما سيعيد للواجهة فساد حكومة أردوغان بالكامل التي فضحت في عام 2014، واتهمت وقتها حركة الخدمة (فتح الله غولن) وراء ما حدث من تسريبات، وهو ما تراه المعارضة (الشعب الجمهوري) إهانة كبيرة للجمهورية التركية.
وسقط أردوغان أيضاً في فخ تناقض كبير عندما صرح أنه لن يلتقي مايك بنس وعليه أن يلتقي بنائب الرئيس فؤاد اكتاي وفي النهاية التقاه لأن أمريكا كانت غاضبة للغاية من عملية نبع السلام.
وأيضا إعلان البنتاغون أنهم تعمدوا عدم إخبار تركيا بتوقيت عملية قتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي الذي كان يعيش بالقرب من الحدود التركية في دلالة واضحة بمدى الدور التركي في دعم الإرهاب واستخدام الدواعش والنصرة ورقةً سياسيةً في يد مخابرات أنقرة لاستخدامها ضد خصومها في الإقليم.
فشل سياسات أنقرة في الداخل الأمريكي:
إن إدانة مذابح الأرمن من قبل مجلس النواب خطوة تؤكد فشل سياسات تركيا نحو واشنطن، وذهابها في اتجاه معاكس لا تشتهي به السفن التركية خاصة أن اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة الأمريكية من أقوى اللوبيات هناك يضاهي قوة اللوبي الإسرائيلي في الداخل الأمريكي ولطالما كانت النداءات كثيرة في هذا الأمر حتى أتت الاستجابة لمطالبهم.
أنقرة التي تفاءلت بقدوم الرئيس ترمب بدلاً من المرشحة الخاسرة هيلاري كلينتون التي اعتبرها أردوغان هي وأوباما داعمين لحركة الانقلاب الفاشل، وها هو أتى ترمب مهدداً أنقرة رغم ولعه بالأنظمة السلطوية وغير الديمقراطية والتغزل الترامبي بهم، لكن في ظل عهده عجزت تركيا عن اعتقال الشيخ فتح الله غولن أو تقليل نفوذ الحركة في الداخل الأمريكي، بل طلبت واشنطن من أنقرة الإفراج عن رضا ضراب رجل الأعمال التركي الإيراني الذي كان رئة طهران في الهروب من العقوبات مثله مثل محمد اتلان عضو بنك خلق التركي الذي ساعد طهران في العقوبات الدولية، وفشلت أنقرة في فرض رؤيتها في حريتها في إقامة علاقات مع إيران وفنزويلا وأنظمة دولية تعتبرها الولايات المتحدة معادية لها وسياساتها ولا يجوز لحلفاء واشنطن إقامة علاقات من مثل هذا النوع.
وعلى الرغم من أن ترمب أوقف العقوبات الاقتصادية التي كان ينوى فرضها على أنقرة لأنها أوقفت عملية نبع السلام، ولكن مازال مجلس النواب الأمريكي يري أن تركيا لا تسير في الطريق الصحيح، وأيضا استضافة الكونغرس السيدة إلهام أحمد رئيس مجلس سوريا الديمقراطية وصلت الكونغرس بسبب سياسات أنقرة الخاطئة التي أدت لتدويل الكرد وتعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي وقواته حركة إرهابية على غرار حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولكن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري غير ذلك، وهو ما لم تدركه أنقرة وترغب في رؤيتها السياسية على أغلب الدول.
الخلاصة: تركيا حالياً في حاجة ماسة جدّاً للولايات المتحدة باستثماراتها وخبرائها وثقلها الاستراتيجى؛ لإنقاذ الاقتصاد التركي المتداعي منذ عام على يد سياسات براء البيرق صهر أردوغان، إن الفشل الاقتصادي قد ينهي حكم العدالة والتنمية الممتد منذ أكثر من 17 عاماً، وكانت نتائج انتخابات المحليات في تركيا بروفة صغيرة لما يمكن أن يحدث في أي انتخابات برلمانية أو رئاسية قادمة إذا لم يقدم أردوغان على الهروب مرة أخرى للأمام وأن يدعو لانتخابات رئاسية وبرلمانية قبل موعدها في عام 2023.
* كاتب وباحث في العلاقات الدولية