المفروض والمرفوض في سجال التغيير
الجمعة / 11 / ربيع الأول / 1441 هـ الجمعة 08 نوفمبر 2019 01:20
عبدالرحمن الجديع
الحديث عن سياقات التغيير، الذي يمسّ المجتمع البشري، ويؤدي إلى تبديل نمط السلوك والتفكير، يعدّ من الظواهر الاجتماعية الطبيعية التي، عادة، ما تلامس التبدّل في مسيرة المجتمعات المدنية، كما أنها مظهر حضاري ومطلب لا بد منه؛ لأنّ التغيير سمة الطبيعة الكونية، والمجتمعات الحيّة التوّاقة إلى الارتقاء. من لا يتغير يظل جامداً في مكانه كحجر أصمّ. ومن لا يتعلّم لا يُعلّم ولا يُطوّر أو يتطور.
ولعل مفهوم التغيير يمس بين ثناياه الرغبة العارمة في التجدّد، وإيلاء الأفكار الجادة أهميةً تفوق تلك الأفكار والاتجاهات التي تنتسب إلى منظومة قيم وأعراف وعادات كانت في السابق جزءاً من الحياة المفروضة على أفراد المجتمع وحركيّتهم.
مبدأ التكيف مع هذه الظواهر المجتمعية، المفروضة سواء من قبل سلطة سياسية أو مرجعية دينية أو مؤسسات مجتمعية، كالقبيلة أو أي سلطة أخرى، يفضي إلى ضرورة الالتزام بها كمعايير أخلاقية مطلقة يُفترض التمسك بها؛ لأنها مفروضة على المجتمع بقوة تلك السلطات، فهل هذه هي الصيغة الطبيعية النهائية لعيش المجتمعات؟!
هنا يثور تساؤل لدى بعض من لديهم وعي واضح بأنّ هذه المفاهيم والظواهر لا علاقة لها بالمبادئ الإسلامية السامية التي ينبغي الحفاظ عليها والتمسك بها، ولا صلة لها بالسلوكيات الحضارية الإنسانية التي يجب مسايرتها. وبالتالي يتعين إنتاج فكر جديد، وصياغة واقع وروابط مجتمعية مغايرة تقطع الصلة بأنماط التفكير القديم.
ولا ريب في أنّ ما تشهده المملكة حالياً، من انفتاح ثقافي وفكري واجتماعي، يتجاوز تلك الأفكار المفروضة في السابق من قيم وتقاليد وعادات عفى عليها الزمن، وأصبحت من ركام الماضي.
ومع سلامة النهج الجديد والإستراتيجيات بعيدة المدى، التي تتصل بالكثير من جوانب وميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفق مفاهيم مختلفة تقوم على أنماط ومعايير راقية من محاربة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والاستقامة والمساءلة، وتحمّل المسؤوليات، في ضوء رؤية حديثة تتبنى التنمية المستدامة، والبيئة الآمنة والمستقرة، وتجعل الأولوية القصوى للمصلحة الوطنية.
في غضون ذلك، نسمع بعض الأصوات، وإن كانت خافتة، لديها إشكالية من عملية الانفتاح، بل يذهب بعض هؤلاء في تغريداتهم، إلى اعتبار التجديد والالتحام بالعصر، خطراً على القيم الأصيلة. وهؤلاء، ومن ينحو نحوهم، يعملون على جرّ الزمن إلى الوراء، والإبقاء على الوضع الآسن كما هو عليه، وعدم استنشاق هواء طازج ومنعش، حتى لو كان الثمن الاختناق بغازات الجمود وغباره السام.
يكثر مؤخراً الحديث السلبي واللغط والانتقادات للجهود الجبّارة والمؤثرة التي يقوم بها مسؤولو الهيئة العامة للترفيه، سواء ارتبط الأمر بالمهرجانات الثقافية الضخمة، رغم أنّ هذه المهرجانات تمثل منابر حضارية وثقافية وفكرية واجتماعية لأبناء المجتمع السعودي، ويستقي الناس الكثير من أفكارها ونفحاتها، من أجل بناء جسور مع العالم، والانفتاح على الثقافة، والحوار الحر بين المجتمعات أو الانفتاح على السياحة الدولية.
وأضف إلى ذلك ما كان يُثار من تشكيك في مسألة قيادة المرأة، وما تنطوي عليه من آثار سلبية على القيم المجتمعية، حيث أثبتت التجربة أنّ هذه المزاعم محض شواش ذهني لا صلة له بالواقع.
هل مكتوب علينا، إذن، دون باقي البشر، أن نراوح مكاننا، وأن نتوقف عن النمو الحضاري، وأن نستمر في العيش في حجرات الظلام إلى الأبد؟ هذا ما حدا ببعض الكتاب، وهو د. علي الخشيبان إلى طرح تساؤل في إحدى مقالاته: هل نحن نعيش ثقافة مقاومة للتغيير؟ مجيباً: «يجب أن نعترف أنّ ثقافتنا المجتمعية تعاني من داء المقاومة للتغيير».
القيادة الملهمة، التي تتحكم في مسار السفينة الوطنية الذاهبة إلى المستقبل، مدركة لكل هذه الأمور، وبالتالي مصممة على دعم الانفتاح والتواصل الحضاري والنهوض بالمملكة نحو مصاف الدول المتقدمة على كافة المستويات والصعد، فهي دولة عضو من الدول الكبار في مجموعة العشرين التي ستستضيفها الرياض عام ٢٠٢٠، وشهدت مؤخراً انعقاد منتدى الاستثمار في المستقبل، الذي شارك فيه زعماء ورؤساء دول وشخصيات تجارية وسياسية رفيعة، وهو ما يثبت، بلا أدنى شك، أنّ المسيرة في الطريق الصحيح، وأنها ماضية، بعون الله، وبحكمة قيادتنا وسداد رؤاها، نحو العلياء.
إنّ التخلص من أوهام المفروض، الذي لا يمت بصلة للمبادئ الإسلامية السمحة بل بالتقاليد التي غرست في عقولنا بالقسوة والإكراه، هو ما يرفضه التوجّه الجديد التي تشهده المملكة بفعاليتها السياسية وإرادتها القوية ومنهجيتها الثقافية الواعية، وهو ما يعكس مرحلة جديدة مبنية على سياقات مختلفة ونهج جديد قوامه الأمل والتفاؤل والتجدد، بعيداً عن المفروضات القديمة في سائر مناحي الحياة، وفق رؤية متوازنة بين الأصالة والمعاصرة، تنهل من معطيات العصر وقيم الحداثة والعلم، بناءً على أفكار مدروسة تتبنى موقفاً إيجابياً من الحياة، وتفتح الأبواب والنوافذ أمام الرياح والفرص النيّرة التي تلبي طموح مجتمع ديناميكي واعٍ ومستنير، وعاشق للحياة.
* كاتب سعودي
ولعل مفهوم التغيير يمس بين ثناياه الرغبة العارمة في التجدّد، وإيلاء الأفكار الجادة أهميةً تفوق تلك الأفكار والاتجاهات التي تنتسب إلى منظومة قيم وأعراف وعادات كانت في السابق جزءاً من الحياة المفروضة على أفراد المجتمع وحركيّتهم.
مبدأ التكيف مع هذه الظواهر المجتمعية، المفروضة سواء من قبل سلطة سياسية أو مرجعية دينية أو مؤسسات مجتمعية، كالقبيلة أو أي سلطة أخرى، يفضي إلى ضرورة الالتزام بها كمعايير أخلاقية مطلقة يُفترض التمسك بها؛ لأنها مفروضة على المجتمع بقوة تلك السلطات، فهل هذه هي الصيغة الطبيعية النهائية لعيش المجتمعات؟!
هنا يثور تساؤل لدى بعض من لديهم وعي واضح بأنّ هذه المفاهيم والظواهر لا علاقة لها بالمبادئ الإسلامية السامية التي ينبغي الحفاظ عليها والتمسك بها، ولا صلة لها بالسلوكيات الحضارية الإنسانية التي يجب مسايرتها. وبالتالي يتعين إنتاج فكر جديد، وصياغة واقع وروابط مجتمعية مغايرة تقطع الصلة بأنماط التفكير القديم.
ولا ريب في أنّ ما تشهده المملكة حالياً، من انفتاح ثقافي وفكري واجتماعي، يتجاوز تلك الأفكار المفروضة في السابق من قيم وتقاليد وعادات عفى عليها الزمن، وأصبحت من ركام الماضي.
ومع سلامة النهج الجديد والإستراتيجيات بعيدة المدى، التي تتصل بالكثير من جوانب وميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفق مفاهيم مختلفة تقوم على أنماط ومعايير راقية من محاربة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والاستقامة والمساءلة، وتحمّل المسؤوليات، في ضوء رؤية حديثة تتبنى التنمية المستدامة، والبيئة الآمنة والمستقرة، وتجعل الأولوية القصوى للمصلحة الوطنية.
في غضون ذلك، نسمع بعض الأصوات، وإن كانت خافتة، لديها إشكالية من عملية الانفتاح، بل يذهب بعض هؤلاء في تغريداتهم، إلى اعتبار التجديد والالتحام بالعصر، خطراً على القيم الأصيلة. وهؤلاء، ومن ينحو نحوهم، يعملون على جرّ الزمن إلى الوراء، والإبقاء على الوضع الآسن كما هو عليه، وعدم استنشاق هواء طازج ومنعش، حتى لو كان الثمن الاختناق بغازات الجمود وغباره السام.
يكثر مؤخراً الحديث السلبي واللغط والانتقادات للجهود الجبّارة والمؤثرة التي يقوم بها مسؤولو الهيئة العامة للترفيه، سواء ارتبط الأمر بالمهرجانات الثقافية الضخمة، رغم أنّ هذه المهرجانات تمثل منابر حضارية وثقافية وفكرية واجتماعية لأبناء المجتمع السعودي، ويستقي الناس الكثير من أفكارها ونفحاتها، من أجل بناء جسور مع العالم، والانفتاح على الثقافة، والحوار الحر بين المجتمعات أو الانفتاح على السياحة الدولية.
وأضف إلى ذلك ما كان يُثار من تشكيك في مسألة قيادة المرأة، وما تنطوي عليه من آثار سلبية على القيم المجتمعية، حيث أثبتت التجربة أنّ هذه المزاعم محض شواش ذهني لا صلة له بالواقع.
هل مكتوب علينا، إذن، دون باقي البشر، أن نراوح مكاننا، وأن نتوقف عن النمو الحضاري، وأن نستمر في العيش في حجرات الظلام إلى الأبد؟ هذا ما حدا ببعض الكتاب، وهو د. علي الخشيبان إلى طرح تساؤل في إحدى مقالاته: هل نحن نعيش ثقافة مقاومة للتغيير؟ مجيباً: «يجب أن نعترف أنّ ثقافتنا المجتمعية تعاني من داء المقاومة للتغيير».
القيادة الملهمة، التي تتحكم في مسار السفينة الوطنية الذاهبة إلى المستقبل، مدركة لكل هذه الأمور، وبالتالي مصممة على دعم الانفتاح والتواصل الحضاري والنهوض بالمملكة نحو مصاف الدول المتقدمة على كافة المستويات والصعد، فهي دولة عضو من الدول الكبار في مجموعة العشرين التي ستستضيفها الرياض عام ٢٠٢٠، وشهدت مؤخراً انعقاد منتدى الاستثمار في المستقبل، الذي شارك فيه زعماء ورؤساء دول وشخصيات تجارية وسياسية رفيعة، وهو ما يثبت، بلا أدنى شك، أنّ المسيرة في الطريق الصحيح، وأنها ماضية، بعون الله، وبحكمة قيادتنا وسداد رؤاها، نحو العلياء.
إنّ التخلص من أوهام المفروض، الذي لا يمت بصلة للمبادئ الإسلامية السمحة بل بالتقاليد التي غرست في عقولنا بالقسوة والإكراه، هو ما يرفضه التوجّه الجديد التي تشهده المملكة بفعاليتها السياسية وإرادتها القوية ومنهجيتها الثقافية الواعية، وهو ما يعكس مرحلة جديدة مبنية على سياقات مختلفة ونهج جديد قوامه الأمل والتفاؤل والتجدد، بعيداً عن المفروضات القديمة في سائر مناحي الحياة، وفق رؤية متوازنة بين الأصالة والمعاصرة، تنهل من معطيات العصر وقيم الحداثة والعلم، بناءً على أفكار مدروسة تتبنى موقفاً إيجابياً من الحياة، وتفتح الأبواب والنوافذ أمام الرياح والفرص النيّرة التي تلبي طموح مجتمع ديناميكي واعٍ ومستنير، وعاشق للحياة.
* كاتب سعودي