أبو العريف!
الأربعاء / 16 / ربيع الأول / 1441 هـ الأربعاء 13 نوفمبر 2019 02:07
فؤاد مصطفى عزب
عندما أريد أن أقتنص المتعة، أستجيب لدعوة صديقي المستشار «أسامة يماني»، أذهب إليه كسحابة تبحث عن أرض شقيقة، صديق مقدس، داره حقل مكشوف للسماء، ووسادة مريحة، الجلوس إليه ككتاب جميل لا تمل من تقليب صفحاته، والحكايات في داره مشمسة مغسولة بالبهجة، تشعر بأن الأشياء تلمع من حولك بمجموعة النجوم التي يدعوها بعناية، والحديث يتلقفه الحضور المختارون على طرف كل لسان كحلوى «غزل البنات».
في الأسبوع الماضي، بينما كنا نتحدث في مواضيع شتى، باغتنا أحدهم بتجربته المرة مع طبيب مسن، ما زال رنين اسمه يطن في أذني، ما زال اسمه يُخلف رجفة مع كل ضحية من ضحاياه، روى الرجل كلاماً حاراً، كحكايات الجدات في الشتاء، عن كيف أربك ذلك الطبيب حياته، وكاد أن يودي به إلى التهلكة لولا لطف الله، وخبرة طبيب ألماني متخصص، حيث أفتاه بفتوى في غير تخصصه، في منطقة بعيدة كل البعد عن مجاله، كان يتحدث ودمعة كبيرة تصاحب ما يقول، وككتابة رواية في نفس واحد، ودون توقف، تذكرت ضحايا هذا الطبيب، عدت إلى آلام سنين ضوئية، في تجربة مشتركة مع الدكتور الحبيب الفذ «يوسف قاري»، وكيف تسبب نفس هذا الطبيب في تضليل صديق بوصفة في غير تخصصه، غيرت تلك الوصفة معالم الأعراض، وانتهى الحال بذلك المريض الذي لا يزال اسمه دافئاً في فنجان حياتي، يرقد في الساحة المشمسة من ذاكرتي، كنصب أحد الشهداء، كلما مرت علي، أنحني عليه وأنا أقرأ الفاتحة على روحه المجيدة، وهذا الطبيب «أبو العريف»، موجود كغيره في كل مكان، موجود في المجتمع الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، والعام. يحكى أن أحد الأشخاص يمتلك بقرة في منزله، وفي أحد الأيام وضعت البقرة رأسها في الزير لتشرب الماء، ولما لم تستطع البقرة إخراج رأسها ذهب صاحبها إلى «أبي العريف»، راكباً حماره، ولأن باب البيت منخفضاً، لم يستطع أبو العريف أن يدخل البيت، فأمر بهدم الحائط، وكسر الباب حتى يدخل، وأطاع صاحب البيت الغلبان أبا العريف، نظر أبو العريف للبقرة، ولم يتمكن من إخراجها، فطلب سكيناً من صاحب البيت، وقطع بها رأس البقرة، حتى ينقذ الزير، حزن صاحب البقرة جداً، لكنه لم يفتح فمه، بالطبع لم يخرج رأس البقرة من الزير، فتفتق ذهن أبي العريف عن فكرة أخرى، وهي كسر الزير لإخراج رأس البقرة، وحدث، وبسبب أبي العريف خسر الرجل، الباب، والحائط، والبقرة، والزير!
والغريب أن أبا العريف، جلس مهموماً يضع رأسه بين يديه، فذهب إليه المسكين، صاحب البيت ليخفف عليه حتى لا يشعر بالندم، فقال له أبو العريف، وهل تتصور أنني حزين بسبب هدم الحائط، أو كسر الباب، أو لموت البقرة، أو كسر الزير، أبداً! أنا حزين عليكم لأني لا أعرف كيف ستتصرفون إن لم أكن أنا موجود..!
شخصياً أعرف أكثر من أبي العريف عندما يتدخلون في أمر فيعمونه بدل أن يكحلوه.. وصاحبنا أحدهم! ما أكثر المرات التي تدخل فيها أبو العريف في مجتمعنا.. وأعمالنا وحياتنا ودمر كل شيء!
* كاتب سعودي
fouad5azab@gmail.com
في الأسبوع الماضي، بينما كنا نتحدث في مواضيع شتى، باغتنا أحدهم بتجربته المرة مع طبيب مسن، ما زال رنين اسمه يطن في أذني، ما زال اسمه يُخلف رجفة مع كل ضحية من ضحاياه، روى الرجل كلاماً حاراً، كحكايات الجدات في الشتاء، عن كيف أربك ذلك الطبيب حياته، وكاد أن يودي به إلى التهلكة لولا لطف الله، وخبرة طبيب ألماني متخصص، حيث أفتاه بفتوى في غير تخصصه، في منطقة بعيدة كل البعد عن مجاله، كان يتحدث ودمعة كبيرة تصاحب ما يقول، وككتابة رواية في نفس واحد، ودون توقف، تذكرت ضحايا هذا الطبيب، عدت إلى آلام سنين ضوئية، في تجربة مشتركة مع الدكتور الحبيب الفذ «يوسف قاري»، وكيف تسبب نفس هذا الطبيب في تضليل صديق بوصفة في غير تخصصه، غيرت تلك الوصفة معالم الأعراض، وانتهى الحال بذلك المريض الذي لا يزال اسمه دافئاً في فنجان حياتي، يرقد في الساحة المشمسة من ذاكرتي، كنصب أحد الشهداء، كلما مرت علي، أنحني عليه وأنا أقرأ الفاتحة على روحه المجيدة، وهذا الطبيب «أبو العريف»، موجود كغيره في كل مكان، موجود في المجتمع الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، والعام. يحكى أن أحد الأشخاص يمتلك بقرة في منزله، وفي أحد الأيام وضعت البقرة رأسها في الزير لتشرب الماء، ولما لم تستطع البقرة إخراج رأسها ذهب صاحبها إلى «أبي العريف»، راكباً حماره، ولأن باب البيت منخفضاً، لم يستطع أبو العريف أن يدخل البيت، فأمر بهدم الحائط، وكسر الباب حتى يدخل، وأطاع صاحب البيت الغلبان أبا العريف، نظر أبو العريف للبقرة، ولم يتمكن من إخراجها، فطلب سكيناً من صاحب البيت، وقطع بها رأس البقرة، حتى ينقذ الزير، حزن صاحب البقرة جداً، لكنه لم يفتح فمه، بالطبع لم يخرج رأس البقرة من الزير، فتفتق ذهن أبي العريف عن فكرة أخرى، وهي كسر الزير لإخراج رأس البقرة، وحدث، وبسبب أبي العريف خسر الرجل، الباب، والحائط، والبقرة، والزير!
والغريب أن أبا العريف، جلس مهموماً يضع رأسه بين يديه، فذهب إليه المسكين، صاحب البيت ليخفف عليه حتى لا يشعر بالندم، فقال له أبو العريف، وهل تتصور أنني حزين بسبب هدم الحائط، أو كسر الباب، أو لموت البقرة، أو كسر الزير، أبداً! أنا حزين عليكم لأني لا أعرف كيف ستتصرفون إن لم أكن أنا موجود..!
شخصياً أعرف أكثر من أبي العريف عندما يتدخلون في أمر فيعمونه بدل أن يكحلوه.. وصاحبنا أحدهم! ما أكثر المرات التي تدخل فيها أبو العريف في مجتمعنا.. وأعمالنا وحياتنا ودمر كل شيء!
* كاتب سعودي
fouad5azab@gmail.com