كتاب ومقالات

اليسار الغربي.. والافتتان بجهيمان والبغدادي !

محمد الساعد

هناك سؤال كبير يقول: ما علاقة اليسار والماركسيين والشيوعيين بالحركات الإسلاموية، ولماذا يُفتنون بهم ويدعمونهم ويقبلون تصرفاتهم المتطرفة والإجرامية إلى هذا الحد، وأحدهما لا يؤمن بوجود أديان ولا رب، والآخر يبني مشروعيته على الدين، وكذلك «القيم الإنسانية»، فاليسار يرى أن ليس للدين حق في الوقوف بوجه الشذوذ وحرية الجسد، بينما الإسلامويون يدعون حفاظهم على البناء الاجتماعي والأعراف الإنسانية والمحرمات الدينية، إنه أغرب تحالف يمكن أن تشهده.

لو سألت محرراً في الواشنطن بوست أو النيويورك تايمز عن البغدادي أو الجولاني لغص قبل أن يجيبك.. إنها غصة شغف وحب وانبهار، ومعظم المنضمين لداعش والقاعدة من المواطنين الغربيين هم من مطلقات اليسار في أوروبا الذين وجدوا في الجماعات الإرهابية حواضن تحقق لهم شهوة الدماء ورغبة التدمير التي تمنعها عنهم الأنظمة الغربية، بل إن أكثرهم دموية خلال فترة صعود داعش كانوا غربيي الأصول.

هذا الهيام بين طرفين يظهران كمتناقضين لدى العامة لكنهما في الحقيقة متحالفان في المكاتب المغلقة والاجتماعات السرية، وكلاهما يرى في الآخر مكملا له، فاليسار الغربي هو الذراع السياسية والجماعات المتطرفة هي الذراع العسكرية، هذا التحالف أو التكامل هو تعبير حقيقي عن اتصال بين طرفين يختلفان في الأيديولوجيا، لكن تجمعهما كراهية السلطة - أيا كانت السلطة – خاصة الحكومات الملكية، وكذلك حلم الوصول للحكم.

الملاحظ عنف وصدامية اليسار للحكومات، وعادة ما يكونون رأس الحربة في أي مشروع تغيير، وهو ما شهدناه واقعا في العقد الحالي خلال ما سمي بالخريف العربي، عندما تصدر شبان اليسار المشهد وقادوا المظاهرات والاحتجاجات وأشعلوا النيران واحتكوا برجال الأمن، وبعد أن نضج المناخ تقدم الإسلامويون الأكثر عنفا والأكثر تنظيما ليستولوا على الشارع، ذلك كله هو تعبير عن سلوك مندفع ومتهور، فعلاقة اليسار مع كل أنواع التطرف علاقة وثيقة ووجدانية.

على مستوى أعلى، يتقدم اليسار الغربي إستراتيجية هد الدول التي تتبناها الدولة العميقة الغربية في منطقتنا العربية، من خلال الإعلام والمنظمات الحقوقية والهجوم المستمر، لتتقدم بعد ذلك الجماعات الإسلاموية في الداخل لتختطف أو تقلب أو تبتز الحكومات القائمة.

هل تتذكرون الألوية الحمراء الإيطالية، وجماعة الجيش الأحمر بألمانيا، والجيش الأحمر الياباني، فضلا عن كاسترو وجيفارا، هذه هي الرحم التي ولد منها يسار أمريكا وأوروبا، هؤلاء هم الآباء المؤسسون الذين أنتجت أديباتهم «السي إن إن» ونيويورك تايمز والواشنطن بوست، وجيف بوز، والمنظمات الحقوقية كالعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.

عندما تخلى اليساريون الغربيون عن العنف، وجدوا في الجماعات الإسلاموية المتطرفة ذراعا تحقق لهم شغفهم بالصدام المسلح وتصنع أيضا ما لا يستطيعون تحقيقه بالسياسة.

دعونا نعد للوراء 60 عاما، لقد اغتيل الرئيس الأمريكي «جون كينيدي» الديمقراطي ذو الخلفية اليسارية، على اتهامات وشائعات عن علاقته بالشيوعيين والروس تحديدا، ثم ما لحقها من أزمة كوبا، لقد اتهم بالتعاطف والتفريط في الأمن القومي الأمريكي، صحيح أنه تحرك لاحقا ضد كوبا عندما استقبلت الصواريخ النووية في أراضيها، إلا أن الأجهزة الأمنية والدولة العميقة حملته مسؤولية جرأة كاسترو وتمادي السوفييت.

العلاقة في منطقتنا بين اليسار والدول والجماعات الإسلاموية المتطرفة واضحة جدا، فالشيوعيون الكويتيون – على سبيل المثال - كانوا أول من أيد جهيمان وطبعوا رسائله المتطرفة، والبعثيون واليساريون الغربيون والعرب تغنوا به ومجدوا عمليته، ووجدوا فيها حركة مناهضة للدولة، كذلك لم يدن كثير من المنظمات والمؤسسات الحقوقية والإعلامية الغربية العمليات الإرهابية التي واجهتها السعودية بين 2003 – 2005، بل ادعت أن من قام بها «شباب يائسون» يبحثون عن الحرية كما زعموا، بينما في حقيقة الأمر كانوا يؤيدون من ينفذ أجندتهم الدموية بالنيابة عنهم.

لن تنتهي علاقة اليسار بالتطرف، ولن ينقضي استغلال الإسلام السياسي للمنظمات والمؤسسات الغربية اليسارية، فهم تيار متحالف يؤمن فقط بالإزاحة، وحتى لو استخدموا التعامل المرحلي، إلا أنهم لا يقبلون وجود أي تيار أو حكومات تقليدية أو ملكية خارج سيطرتهم إلا إذا استسلمت لهم ونزعت أظافرها وأنيابها وتحولت إلى حكومة بلا سيادة.

* كاتب سعودي

massaaed@

m.assaaed@gmail.com