.. وسقط جدار طهران
الاثنين / 05 / ربيع الثاني / 1441 هـ الاثنين 02 ديسمبر 2019 01:24
عبدالرحمن الطريري
ترى إيران كما في ذهنيات الأنظمة الديكتاتورية، أن التنازل للشارع يعني رفع سقف مطالب الشارع، وبالتالي مزيد من التنازل من السلطة، مما قد يصل في نهاية المطاف للتنازل عن السلطة وسقوط النظام.
ومن جانب آخر، تعتبر أن الاعتماد على الوقت ليمل الناس ليس الحل دوما، فالاحتجاجات أحيانا تنضج مع الوقت، وتبدأ في بث روح الاستمرارية خاصة إذا ما شكل الشباب طيفها الواسع، ولهذا تعتبر إيران أن القتل هو الردع الكافي للشعوب المعترضة ضمنيا على النفوذ الإيراني، سواء في شوارع طهران وكرمنشاه أو في المدن العراقية واللبنانية.
لكن اللافت وبدرجة رئيسية في العراق أن الدم لم يعد مرعبا للعراقيين، بل أصبحت الدماء تروي الشوارع للاستمرار في الاحتجاجات، حين قامت إيران بالتوجيه بقتل المتظاهرين في الناصرية بالرصاص الحي، ردا على إحراق القنصلية العراقية في النجف، زاد غضب الشارع ووصل الاستفزاز إلى شيوخ القبائل الجنوبية، والذين ألمحوا إلى التحرك لحماية المتظاهرين.
وفي زمن السوشيال ميديا تبدو الصورة مرعبة «سياسيا» لإيران، ويكفي أن يكون الإعلام في العراق ولبنان إعلاما وطنيا فقط، ويكفي أن يكون من ينادون بخروج إيران من العراق، هم أبناء كربلاء والنجف والناصرية والبصرة وبغداد، مما يعني كفر الشباب بالدعاية الإيرانية بأنها راعية المذهب الشيعي في العالم.
ولأن النظام هرم في طهران فبالتالي تبدو وسائله عتيقة تتنافي مع درجة الوعي الموجودة في الاحتجاجات، فلما ضاق ذرعا حزب الله من المحتجين، تفتق ذهن عناصر الميليشيا عن نداء قد يشق الشارع اللبناني، فخرجت عناصر حزب الله وأمل تصدح «شيعة شيعة»، فرد عليهم الشارع الواعي صارخا في وجههم «ثورة ثورة».
المشترك في الثورتين أن العراقيين واللبنانيين، أدركوا أن السلطة الحاكمة مرهونة لإيران في قرارات السلم والحرب، وفي طموح إيران الأكبر وهو ربط العراق بسوريا ولبنان، لتصبح دولة تطل على البحر الأبيض المتوسط، وهذا يغير شروط التفاوض مع أوروبا لاحقا، بل حتى شروط الصداقة مع روسيا.
ولكن لأن طهران ترفض تعلم الدرس السوفييتي، وظلت تعتقد أن المواطن الإيراني سيتحمل سنوات الفقر من أجل طموح قيادته، رغم أنه في كثير من الحالات عبر عن رغبته في وضع اقتصادي يتناسب مع مقدرات بلده، ولا يبالي لو ذهبت سوريا وغزة إلى الجحيم.
المواطن الإيراني كيف له أن يتحمل قرار زيادة أسعار البنزين لثلاثة أضعاف، خاصة وهذا القرار يأتي بعد تراجع كبير في الاقتصاد وفي سعر العملة بعد عقوبات أمريكية قاسية تدخل عامها الثاني، كما أن زيادة أسعار الوقود دائما ما تسمح بزيادة أسعار كافة السلع لتأثيرها على منظومة نقل البضائع.
اليوم يتنقل قاسم سليماني من النجف التي وصل مطارها قبل يومين، للالتقاء بقادة الميليشيات، منتقلا منها إلى بغداد للعمل على شكل الحكومة الجديدة، واللافت أنه اصطحب ما يزيد على خمسمائة عنصر من الحرس الثوري، مما يعني تقييما جديدا للوضع الأمني في العراق، ومدى الكره الذي يعتلج في نفوس العراقيين ضد كل ما هو إيراني، كعنوان بارز لمرحلة ما بعد 2003، وأيقونة هذه المرحلة البائسة هي قاسم سليماني.
خامنئي كرر في هذه المرة ما وصف به احتجاجات لبنان والعراق من قبل، بأنهم عملاء ومندسون ومخطط أمريكي وصهيوني، وهو وصف يلحقه أيضا بالمحتجين الإيرانيين، وبالطبع يعتبر هذا التوصيف سخيفا ومهينا لعقول الناس ومعاناتهم من الظروف الاقتصادية الصعبة والتي ترافق النظام الإيراني أينما حل.
ولكن هل للولايات المتحدة دور فعلا في دعم احتجاجات العراق، خاصة أنها مشارك رئيس في مرحلة ما بعد 2003، وهل تلتقط هذه الفرصة لإضعاف نفوذ إيران في العراق، ضمن إستراتيجية التصدي لمشاريع إيران التوسعية، لأن البديل لواشنطن فد يكون نفوذا روسيا يملأ هذا الفراغ في العراق، خاصة وأن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف كان أول دبلوماسي يزور بغداد بعد اندلاع الاحتجاجات.
مبنى السفارة الأمريكية يقع بالجوار من بوابة جدار برلين الذي سقط في نوفمبر 1991، كشاهد على الدور الأمريكي الفعال، فهل سيكون شاهدا على سقوط جدار طهران أيضا؟
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com
ومن جانب آخر، تعتبر أن الاعتماد على الوقت ليمل الناس ليس الحل دوما، فالاحتجاجات أحيانا تنضج مع الوقت، وتبدأ في بث روح الاستمرارية خاصة إذا ما شكل الشباب طيفها الواسع، ولهذا تعتبر إيران أن القتل هو الردع الكافي للشعوب المعترضة ضمنيا على النفوذ الإيراني، سواء في شوارع طهران وكرمنشاه أو في المدن العراقية واللبنانية.
لكن اللافت وبدرجة رئيسية في العراق أن الدم لم يعد مرعبا للعراقيين، بل أصبحت الدماء تروي الشوارع للاستمرار في الاحتجاجات، حين قامت إيران بالتوجيه بقتل المتظاهرين في الناصرية بالرصاص الحي، ردا على إحراق القنصلية العراقية في النجف، زاد غضب الشارع ووصل الاستفزاز إلى شيوخ القبائل الجنوبية، والذين ألمحوا إلى التحرك لحماية المتظاهرين.
وفي زمن السوشيال ميديا تبدو الصورة مرعبة «سياسيا» لإيران، ويكفي أن يكون الإعلام في العراق ولبنان إعلاما وطنيا فقط، ويكفي أن يكون من ينادون بخروج إيران من العراق، هم أبناء كربلاء والنجف والناصرية والبصرة وبغداد، مما يعني كفر الشباب بالدعاية الإيرانية بأنها راعية المذهب الشيعي في العالم.
ولأن النظام هرم في طهران فبالتالي تبدو وسائله عتيقة تتنافي مع درجة الوعي الموجودة في الاحتجاجات، فلما ضاق ذرعا حزب الله من المحتجين، تفتق ذهن عناصر الميليشيا عن نداء قد يشق الشارع اللبناني، فخرجت عناصر حزب الله وأمل تصدح «شيعة شيعة»، فرد عليهم الشارع الواعي صارخا في وجههم «ثورة ثورة».
المشترك في الثورتين أن العراقيين واللبنانيين، أدركوا أن السلطة الحاكمة مرهونة لإيران في قرارات السلم والحرب، وفي طموح إيران الأكبر وهو ربط العراق بسوريا ولبنان، لتصبح دولة تطل على البحر الأبيض المتوسط، وهذا يغير شروط التفاوض مع أوروبا لاحقا، بل حتى شروط الصداقة مع روسيا.
ولكن لأن طهران ترفض تعلم الدرس السوفييتي، وظلت تعتقد أن المواطن الإيراني سيتحمل سنوات الفقر من أجل طموح قيادته، رغم أنه في كثير من الحالات عبر عن رغبته في وضع اقتصادي يتناسب مع مقدرات بلده، ولا يبالي لو ذهبت سوريا وغزة إلى الجحيم.
المواطن الإيراني كيف له أن يتحمل قرار زيادة أسعار البنزين لثلاثة أضعاف، خاصة وهذا القرار يأتي بعد تراجع كبير في الاقتصاد وفي سعر العملة بعد عقوبات أمريكية قاسية تدخل عامها الثاني، كما أن زيادة أسعار الوقود دائما ما تسمح بزيادة أسعار كافة السلع لتأثيرها على منظومة نقل البضائع.
اليوم يتنقل قاسم سليماني من النجف التي وصل مطارها قبل يومين، للالتقاء بقادة الميليشيات، منتقلا منها إلى بغداد للعمل على شكل الحكومة الجديدة، واللافت أنه اصطحب ما يزيد على خمسمائة عنصر من الحرس الثوري، مما يعني تقييما جديدا للوضع الأمني في العراق، ومدى الكره الذي يعتلج في نفوس العراقيين ضد كل ما هو إيراني، كعنوان بارز لمرحلة ما بعد 2003، وأيقونة هذه المرحلة البائسة هي قاسم سليماني.
خامنئي كرر في هذه المرة ما وصف به احتجاجات لبنان والعراق من قبل، بأنهم عملاء ومندسون ومخطط أمريكي وصهيوني، وهو وصف يلحقه أيضا بالمحتجين الإيرانيين، وبالطبع يعتبر هذا التوصيف سخيفا ومهينا لعقول الناس ومعاناتهم من الظروف الاقتصادية الصعبة والتي ترافق النظام الإيراني أينما حل.
ولكن هل للولايات المتحدة دور فعلا في دعم احتجاجات العراق، خاصة أنها مشارك رئيس في مرحلة ما بعد 2003، وهل تلتقط هذه الفرصة لإضعاف نفوذ إيران في العراق، ضمن إستراتيجية التصدي لمشاريع إيران التوسعية، لأن البديل لواشنطن فد يكون نفوذا روسيا يملأ هذا الفراغ في العراق، خاصة وأن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف كان أول دبلوماسي يزور بغداد بعد اندلاع الاحتجاجات.
مبنى السفارة الأمريكية يقع بالجوار من بوابة جدار برلين الذي سقط في نوفمبر 1991، كشاهد على الدور الأمريكي الفعال، فهل سيكون شاهدا على سقوط جدار طهران أيضا؟
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com